تأمل
مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم،
في زيادة إنتاج محصول
القمح الاستراتيجي الموسم الجاري من خلال مسارين، أولهما زيادة
السعر الاسترشادي لتوريد القمح 7 بالمئة، وزيادة الرقعة الزراعية بأكثر من نصف مليون
فدان للتحوط من تقلبات الأسعار العالمية وتطورات الأوضاع الجيوسياسية.
وقد وافقت الحكومة المصرية، الأسبوع الماضي،
على إقرار السعر الاسترشادي لتوريد أردب القمح (يعادل 150 كيلوغراما)، ليكون 1600 جنيه
مصري (51.5 دولار بالسعر الرسمي و33 في السوق الموازي)، لهذا العام، وذلك في إطار
تشجيع المزارعين المصريين، وتحفيزهم لزراعة وتوريد هذا المحصول الاستراتيجي، وهو ما
يعادل 10.6 آلاف جنيه للطن تقريبا.
بالتوازي، قررت وزارة
الزراعة زيادة المساحات
المزروعة بالقمح إلى 3.8 مليون فدان العام الحالي من 3.2 مليون فدان لزيادة الإنتاج
المحلي من المحصول، وتقليل فاتورة الاستيراد مع التوسع في الحقول الإرشادية لزيادة
متوسط إنتاجية فدان القمح.
وينطلق موسم زراعة القمح في مصر منتصف الشهر
الجاري، على أن يبدأ الحصاد منتصف نيسان/ أبريل المقبل.
وكشف تقرير النسخة الأولية لخطة التنمية
الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2023/ 2024، الصادر عن وزارة التخطيط والتنمية
الاقتصادية، عن التوزيع الجغرافي لواردات مصر من القمح، خلال الفترة من 2017 إلى
2021، والذي أوضح أن متوسط الواردات إجمالا للعام من القمح بلغ 2.7 مليار دولار.
وتنتج مصر ما بين 9 و 10 مليون طن من القمح
سنويا، وتشتري نحو 4 ملايين طن من المزارعين الذين يحتفظون بالكميات المتبقية للاستخدام
الشخصي وبيعها للقطاع الخاص بأسعار أعلى، فيما تستورد ما يصل إلى 12 مليون طن سنوياً
للقطاعين الحكومي والخاص بمتوسط 3 مليارات دولار سنويا.
وتستخدم الحكومة المصرية نحو 9 ملايين طن
من القمح لإنتاج الخبز المدعم على بطاقات التموين لنحو 71 مليون مواطن، وهي السلعة
الوحيدة العينية التي لم تتحول إلى دعم نقدي بسبب مخاوف الحكومة من اهتزاز الاستقرار
المجتمعي.
ولم تستطع الحكومة المصرية خلال السنوات
القليلة الماضية تحقيق المستهدف وجمع الكميات المطلوبة من السوق المحلي بسبب تدني الأسعار
مقابل الأسعار العالمية والتي يعتبرها كثير من الفلاحين أنها غير مجدية بسبب الكثير
من العوامل على رأسها التضخم وزيادة تكاليف الإنتاج ومشقة زراعة المحصول.
وجمعت الحكومة الموسم الماضي 3.4 مليون
طن مقابل 3.8 مليون طن العام السابق له بنسبة تراجع 10بالمئة، وأقل 15بالمئة من الكميات
المستهدفة حيث كانت تأمل في جمع 4 مليون طن لكن الأسعار التي حددتها الحكومة رغم زيادتها
بنسبة 16بالمئة لم تكن كافية.
"أسعار غير مشجعة"
اعتبر أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة
، الدكتور جمال صيام، أن السعر الاسترشادي الذي حددته الحكومة للأردب غير مشجع، وقال
إن: "زيادة السعر بنسبة 7 بالمئة فقط غير مناسب على الإطلاق؛ لأنه لا يغطي نسبة
التضخم البالغة 40 بالمئة، وكان ينبغي على الحكومة زيادته إلى 2000 جنيه للأردب على
الأقل، وعلى الحكومة أن تدعم المزارع من أجل الوصول إلى أهدافها".
وأضاف لـ"عربي21": "الحكومة تسعى
إلى زيادة المساحة من 3.2 مليون فدان إلى 4 ملايين فدان من أجل زيادة الإنتاج وشراء
كميات أكبر من السوق المحلي لتقليل فاتورة الواردات، وبالتالي لا بد من وضع حافز للفلاحين
للتوسع في زراعة القمح لأنه يتم أساسا على حساب البرسيم وهو المنافس الرئيسي للقمح
ويحقق ربحية عالية أكثر وأسرع وأسهل ولا يحتاج إلى حصاد أو أسمدة خاصة مع ارتفاع أسعار
العلف لمستويات قياسية".
وانتقد صيام تجاهل الحكومة انخفاض سعر الجنيه
بأكثر من 30 بالمئة، وأكد أن "استمرار تراجع قيمة الجنيه خلال الموسم الحالي والذي
ينتهي في نيسان/ أبريل كان يحتم على الحكومة تقديم سعر استرشادي أفضل حيث كان سعر الدولار
عند 30 جنيها والآن لامس 48 جنيها في السوق الموازي، ويبدو أن الحكومة احتسبت سعر طن
القمح العالمي الذي عاد إلى مستويات ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية بسعر البنك وليس
السوق السوداء على الرغم من أن لا أحد يعتد به".
"سعر ضامن وليس ملزم"
هذا السعر الاسترشادي ليس نهائيا، بحسب
نقيب الفلاحين المصريين، الحاج حسين عبد الرحمن أبو صدام، فضلا عن أن استمرار الحكومة
في إعلان الأسعار التعاقدية كان أحد أهم مطالب الفلاحين؛ لأنه سعر ضامن للمحاصيل وتحميهم
من أي خسائر مستقبلية، وقد يزيد ولكن لا ينقص، والحكومة سوف تأخذ بعين الاعتبار أي
زيادة في الأسعار العالمية كما حدث في الموسم الماضي.
في حديثه لـ"عربي21"، أوضح أبو
صدام أن "الحكومة زادت سعر أردب القمح مرتين العام الماضي من 1000 جنيه إلى
1250 جنيها، ثم إلى 1500 جنيه، لتشجيع الفلاحين على توريد الكميات المستهدفة للحكومة،
وذلك بسبب ارتفاع الأسعار العالمية لمستويات قياسية؛ لأن القمح هو أهم محصول استراتيجي
في مصر وخاصة الفلاحين".
ورأى أن الفلاح حر في قراره وقت الحصاد:
"لم يعد ملزما بتوريد كميات محددة من القمح للحكومة كما كان في العامين الماضيين،
ولو وجد الفلاح أن سعر البيع للتجار أفضل سيبيع لهم، وبالتالي من مصلحة الحكومة وضع
سعر عادل وقت التنفيذ والتوريد، مشيرا إلى أن "الحكومة تعتزم زيادة المساحة المزروعة
بالقمح إلى 4 ملايين فدان لزيادة الإنتاجية بعد تطبيق الدورة الزراعية".