نشر موقع ''
موندويس''
البريطاني تقريرا تحدث فيه عن قصص
غزة التي من الصعب روايتها؛ جثث تتحلل في الشوارع
وتأكلها الحيوانات، وأحياء في انتظار الموت.
وقال الموقع في
تقريره الذي ترجمته "عربي21"؛ إنه خلال النهار، تكرس العائلة بأكملها نفسها
لهدف واحد؛ هو البحث عن الطعام والماء. ففي جنوب قطاع غزة، يمكن أن يُقارن البحث عن
مثل هذه الأشياء بالتنقيب عن الذهب.
وقبل بضعة أسابيع،
كانت العائلات تعتاد الشكوى من الطوابير الطويلة بشكل لا يصدق أمام المخابز، في انتظار
يستمر من 6 إلى 8 ساعات للحصول على كيس صغير من الخبز. الآن، مع إغلاق المخابز أبوابها
بسبب نقص الطحين والوقود، يلجأ الكثيرون إلى صنع الخبز في المنزل، باستخدام وسائل تبدو
مستحيلة؛ حيث يرسل الآباء أطفالهم للبحث عن البلاستيك المهمل، أو الورق المقوى، أو
أي شيء يمكن أن يحترق لإشعال نار، وهؤلاء يعتبرون من العائلات المحظوظة التي تمكنت
من الحصول على بعض الطحين. ومع حلول الليل، يعود الجميع إلى مأواهم أو منازلهم ويتحدثون
عن الحرب؛ حيث تدور أغلب محادثاتهم عادة حول الموت، وأحيانا حول مدى
الدمار.
وحسب الموقع؛ فقد
روى أحد الأشخاص من سكان غزة أنه ''في يوم أمس، وأنا جالس في الفناء الأمامي للمنزل
الذي كنت أنا وعائلتي نقيم فيه، سمعنا صفيرا حادا قبل أن تسقط قنبلة في منطقة قريبة
منا. شاب، مندهش من الصوت، سألني عما إذا كان لدينا وقت كافٍ للهروب إذا تم إطلاق القنبلة
في اتجاهنا". وتدخل شاب آخر وقال: "عندما تسقط القنبلة علينا، لن نكون قادرين
على سماع أي شيء. ستقتلنا قبل أن نكون قادرين حتى على التفكير في الهرب."
وتتحول المحادثات؛
حيث يقودنا الحديث عن الحرب إلى إحصاء وفيات الأشخاص الذين نعرفهم، ويسأل أحدهم عن
شخص للاطمئنان عليه، فيكون الجواب صارم: "لقد تم قتله"، ويسأل شخص آخر عن
عائلة في حي شهد هناك قصفا كثيفا. الجواب: "كانوا عالقين تحت الأنقاض لساعات،
ولم ينج أحد"، وتتكرر المحادثة نفسها حيث نبدأ في التراهن على من بيننا قد ينجو.
خلال هذه التجمعات، تسمع قصصا غريبة لا يمكن تصديقها؛ حيث تحكي امرأة فرت من الشمال قصة ابنها ''عصام''
البالغ من العمر 29 عاما، وهو متزوج ولديه ثلاثة أطفال ويبيع مياه الشرب. وتقول؛ إنه
لم يرغب في الانتقال إلى الجنوب؛ لأنه أراد الاستمرار في توفير الماء لأولئك الذين يحتاجون
إليه في شمال مدينة غزة، أرسل زوجته وأطفاله بعيدا، لكنه بقي خلفا، كان عصام يقود
في أحياء دمرت بحثا عن الأشخاص الذين انقطعت عنهم السبل ولم يتمكنوا من الوصول إلى
المياه، وكان يقوم أيضا بتسليم المياه في المستشفيات التي كان يمر بها على طول الطريق.
وعلى الرغم من أن مثل هذه الظروف تكون مهيأة للمستغلين، الذين يمكنهم استغلال الوضع
ورفع الأسعار، إلا أن هناك أيضا أبطالا يظهرون في هذه الأوقات. لم يأخذ عصام أي أموال
مقابل المياه، ولكنه كان يقبل التبرعات لتمويل سيارته والاحتفاظ بها، حيث قالت والدته؛ إنهم فقدوا الاتصال بعصام لمدة أربعة أيام، وأنها سألت العديد من الأشخاص من منطقتهم
في النصر، الذين تمكنوا من الفرار إلى الجنوب عما إذا كانوا قد رأوه. في اليوم الخامس،
أعطى رجل والدة عصام الأخبار عن ابنها. وكان ينام في سيارته بعد تدمير مبنى شقتهم في
النصر خلال بداية الهجوم البري في شمال غرب قطاع غزة، ومن ثم، تم قصف السيارة في أثناء
نوم عصام فيها. كانت جثته محترقة تماما عندما نقلوه إلى المستشفى.
كما قال الكاتب
أيضا؛ إن قصص الحرب تتواصل، والفيضان الهائل لمعاناة الإنسان كبير وعظيم، لدرجة أنه
قد يحتاج منا إلى حياة لتوثيقه وسرده للعالم.
امرأة أخرى تُدعى
''مريم قنوع'' تخبرنا بأن لديها ابنا لم يتمكن من الفرار إلى الجنوب معهم من مدينة
غزة، وأنها كانت عازمة على العودة للعثور عليه، سواء كان حيّا أم ميتا. وتقول مريم؛ إنها استطاعت الوصول إلى الشمال خلال ساعات محددة عندما سمح الاحتلال بالمرور المحدود،
وعندما وصلت إلى الحي الذي كان فيه منزلهم، قالت؛ إنها لم تستطع الوقوف أمام هذا المنظر؛
حيث إن الجثث ملقاة في الشوارع والأرصفة، والغربان تتناول لحومها مع تحللها، وكان ابنها
من بينهم، وكانت قادرة فقط على التعرف عليه من خلال السروال الذي كان يرتديه دائما
وحزامه الجلدي المميز.
وتقول؛ إن الجثث
كانت تحمل علامات غير عادية وعلامات للعض؛ حيث كانت الغربان تتسلقها نهارا، وتتجمع
عليها الحيوانات البرية ليلا عندما لا يكون هناك أحد في المنطقة.
هذه هي المناطق
التي اقتربت منها الهجمات البرية، نفس المناطق التي لم تعد تستطيع سيارات الإسعاف الوصول
إليها، حيث تركت جثث الناس لتتحلل.
وتقول مريم؛ إنها
لفت جثمان ابنها بلحاف وحملته لأكثر من كيلومتر سيرا على الأقدام، حتى استطاعت أن تجد
شخصا يقود إحدى العربات المسحوبة بالحيوانات التي أصبحت شائعة منذ نفاد الوقود، ونجحت
في نقل جثمان ابنها إلى الجنوب، حيث دفنته.
ووفق الموقع، فإن
قصص الحرب غالبا ما تروي الأحداث المروعة، والآن تندمج أيضا بالأحداث السريالية،
وطوابير طويلة للحصول على الخبز والماء، لم تعد ملحوظة الآن بسبب قوائم الانتظار لمن
يتم إنقاذهم من تحت الأنقاض ولمن يتم حفر جثتهم المتحللة. وقبل أيام، قام صديقي وزميلي
''هاني أبو رزق'' بنشر قصة على إنستغرام، تروي قصة عائلة دُفنت تحت الأنقاض نتيجة لضربة
جوية إسرائيلية، واتصل جيران العائلة بالدفاع المدني، يتوسلون لهم بالقدوم لإنقاذ العائلة.
ورد الدفاع المدني كان هناك قائمة انتظار للمنازل المدمرة بالفعل مع عائلات أخرى مدفونة
تحتها، وعليهم أن ينتظروا دورهم.
لم يكن ذلك قسوة،
بل كان تصريحا عاجزا عندما يتعلق الأمر بالواقع، وهناك آلاف العائلات محاصرة تحت
الأنقاض، في انتظار دورها لتكون محظوظة.
وأفاد الموقع، أن
كل شيء كان حيّا، يحتضر الآن، وكل ما هو جميل في غزة الآن مشوه؛ مبانيها، ونصبها البارزة،
وتربتها، وشعبها، ولكن الواقع ومدى التطهير العرقي أسوأ بكثير مما يصل إلى العالم.
الصحفيون الآن محاصرون حيثما كانوا موجودين قبل بداية الهجوم البري. معظمهم في الجنوب
في المستشفيات والملاجئ، ولا يستطيعون توثيق ما يحدث في المشهد الحربي الذي يتجاوزهم.
القلة القليلة الموجودة في المجتمعات المحاصرة لا تستطيع سوى فهم جزء ضئيل من ما يحدث.
واختتم الموقع
بالقول؛ إنه وراء القصص التي يتم دفنها تحت الأنقاض التي لا يمكن الوصول إليها، وهناك
تلك القصص التي لا يمكن للكلمات وصفها، وهناك أشخاص يعتقدون أنهم نجوا من الحرب حتى، الآن ولكن يكادون يعجزون عن التعرف على أنفسهم، وأشخاص لا تزال أجسادهم سليمة، ولكن
ليس لديهم شيء يذكرهم بأنهم على قيد الحياة.