السيناريوهات الخبيثة والخطط العسكرية والإستراتيجيات السياسية نفسها، يُكررها الكيان الصهيوني، مرة كُل أعوام عدة.. والعرب جميعهم ينظرون، لا بل ينتظرون رصاصة الرحمة، التي تُريحهم من تأنيب الضمير، أو حتى الالتفات إلى صوت هنا أو تجمع هُناك، يُذكرهم بواقع أليم، مرير، مغموس بهوان، لا يرتضيه حر.
بعد 40 يومًا من بدء العدوان العسكري الإسرائيلي الجديد على قطاع
غزة، وهو الرابع خلال نحو 17 عامًا، ها هو المُحتل الغاصب يقضم أجزاء أو يحتل أراضي جديدة، وأقصد هُنا شمال غزة، مُكررًا أسلوبه القديم الجديد، ليفرض أمرًا واقعًا، تاركًا وراءه أصوات الأُمتين
العربية والإسلامية، تصدح، وإن كان بعضها على استحياء، بالمُطالبة باسترجاع الأراضي المُحتلة الجديدة، وقبل وأثناء وبعد ذلك، تنديدات واستنكارات، لا يتبعها أبدًا إجراءات جدية على أرض الواقع، توحي للعدو بأننا ما نزال أُمة قائمة.
بُعيد العام 1948، أو بمعنى أصح عام «النكبة»، أقدمت آلة البطش الصهيونية في العام 1967 (عام النكسة) على احتلال أجزاء من ثلاث دول عربية، إذ احتلت سيناء وقناة السويس من مصر، ومرتفعات الجولان من سورية، والضفة الغربية من الأردن.. لتبدأ معها الدول العربية المُتضررة، وتلك المؤيدة لها ولقضيتها، شقيقة كانت أم صديقة، بالمُطالبة باستعادة الأراضي التي احتلت أيام «النكسة» فقط.
ثم بدأ فصل جديد من سيناريو بات معلومًا للجميع من أبناء جلدتنا، يتمثل ببناء مُستوطنات غير شرعية، على أراض مُحتلة، أو التوغل في أراض عربية جديدة، تاركة للعرب، كالعادة، حُرية التنديد والتصريحات في المحافل الإقليمية والدولية، من أجل ردع أو منع الاحتلال من الاستمرار في ذلك السيناريو.
ما أقدم عليه الاحتلال الإسرائيلي، خلال العقود الماضية، يُكرره ثانية في غزة، فبعد أن قصفها بأعتى المُتفجرات من صواريخ ومدفعيات وطائرات، لمُدة قاربت الـ38 يومًا، توغلت جيوشه في شمال القطاع، بعد أن جعلته عبارة عن شبه رماد، بلا أدنى رحمة، أو احترام قوانين ومواثيق دولية، وضعها الغرب، مُدعي الحُريات والديمقراطية.
لا أحد يستطيع أن يُنكر بأن جيش الاحتلال، يواجه بمُقاومة شرسة من قبل الفصائل الفلسطينية، بقيادة حركة حماس، ويتكبد خسائر جمّة، إلا أن الخشية من أن يُعيد العرب السيناريو القديم نفسه، والذي يتمثل بمُطالبة الكيان بالخروج من شمال غزة فقط، وكُل الخوف أن يكتفوا بذلك كعادتهم، وكأنهم يُريدون أن يقنعوا أنفسهم والآخرين بأنهم أدوا ما عليهم من واجبات تجاه الأشقاء.
ما يدُب الرعب في قلوبنا، ويجعلنا نعيش خوفًا، مجهول المصير، من تلك الكلمات، هو ما يُلاحظ من تسليط الضوء على «حرب المستشفيات».. فهذه الحرب، على الرغم من وحشيتها، وهمجيتها، إلا أنه يتوجب عدم نسيان القضية الأهم، أو تأخيرها لدرجة أقل.. الخوف هو أن يكون لسان الحال الآن، يوحي بنسيان كميات المُتفجرات التي ألقاها العدو على غزة، والتي تجاوزت الـ32 ألف طن، وما صاحبها من استشهاد الآلاف من الأطفال، بينهم رُضع وأجنة في بطون أمهاتهم، ونساء، وشيوخ، فضلًا عن تدمير البيوت السكنية على رؤوس قاطنيها العزل.
صمود الغزيين حتى الآن، تُرفع له القبعات، فترى الأُم تحتضن فلذة كبدها، صارخة بأعلى صوتها «إننا باقون.. فدا فلسطين»، وكذلك يفعل الأب والأخ والأخت.. هذا الثبات وتلك العزيمة، يتزامنان مع صمود
مقاومة، أبلت بلاء حسنًا، على الرغم من قلة العتاد.. كُل ذلك يلزمه دعم عربي وآخر إسلامي.. دعم مادي أولًا وأخيرًا، وأقصد هُنا الدعم العسكري.
(الغد الأردنية)