فشلت مبادرة الحكومة
المصرية مجددا في خفض أسعار
السلع الغذائية الاستراتيجية التي جاءت بعد التوافق بين التجار والمستوردين على خفضها بنسب لا تزيد على الـ20% مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إنما جاءت بنتائج عكسية.
أظهر تقرير صادر عن البنك الدولي بشأن الأمن الغذائي، تصدر مصر قائمة أكثر عشرة دول تعاني من التضخم في أسعار المواد الغذائية، بنسبة بلغت 36%، في الفترة بين نهاية تموز/ يوليو وتشرين أول/ أكتوبر الماضي.
تلتها لبنان في المرتبة الثانية بـ 31%، ثم رواندا في المرتبة الثالثة بنسبة 15%، ثم الأرجنتين في المركز الرابع بنسبة 12%، وفي المركز الخامس جاءت غانا بـ 12%، حلت تركيا سادسا بـ 11%، فيما جاءت سيراليون بالمركز السابع بنسبة 10%، والمرتبة الثامنة والتاسعة والعاشرة جاءت كل من بلجيكا ومالاوي وسورينام بنسبة 9% لكل منهم.
وبلغ معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية في شهر تشرين أول/ أكتوبر الماضي 38.5%، مقابل 40.3% في أيلول/ سبتمبر السابق، وفقا للبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
مخاوف من الاحتقان الشعبي
كان رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أعلن أنه جرى التوافق بين الحكومة والصناع والتجار على مبادرة لخفض أسعار السلع الأساسية، مطلع الشهر الماضي، بعد أن شهدت أسعار السلع الغذائية ارتفاعا كبيرا.
وتخشى
الحكومة المصرية من تزايد حالة الاحتقان الشعبي في الشارع مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في الفترة من 10 إلى 12 كانون الأول/ ديسمبر 2023، وتسعى إلى امتصاص غضب الشارع من
الغلاء الذي تصفه الحكومة نفسها بأنه "غير مبرر".
كانت خطة الحكومة المصرية مع التجار والمستوردين تقتضي أن تكون هناك وفرة في مختلف السلع بالأسواق، بما يسهم في انخفاض الأسعار، خاصة السلع الغذائية، والتنسيق مع البنك المركزي على توفير المكون الدولاري المطلوب، إلا أن الأسعار واصلت الصعود.
تضمنت المبادرة تخفيض أسعار 7 سلع أساسية بنسب تتراوح بين 15% و25%، تشمل السكر والزيت والعدس والألبان والجبن والمعكرونة والفول والأرز لمدة 6 أشهر، وإعفاء نحو 12 سلعة غذائية من الضريبة الجمركية لمدة 6 أشهر.
من بين تلك السلع الألبان، والزبد، والجبن، والشاي، ودهون وشحوم زيوت حيوانية ونباتية مهدرجة، والسكر، والمعكرونة، والأدوية، ومحضرات من الأنواع المستعملة لتغذية الحيوانات، والدواجن، واللحوم من طيور الدواجن، وأحشاء وأطراف صالحة للأكل من فصائل الأبقار والضأن والماعز، طازجة أو مبردة أومجمدة.
وطالب التجار والمستوردون الحكومة في المقابل بإجراءين لتطبيق المبادرة، الأول تدبير الدولار بالسعر الرسمي (31 جنيها) بدلا من 40 جنيها في السوق السوداء، لاستيراد السلع والمواد اللازمة للصناعة، ولكن الدولار واصل الصعود إلى 50 جنيها.
أما الإجراء الثاني، فيتمثل في صدور قرارات حكومية، من بينها خفض الأرضيات الجمركية على السلع ومستلزمات الإنتاج المستوردة والتي تضمن بعض المواد الغذائية الاستراتيجية، ولم يتضح ما إذا كانت الحكومة وفرت هذين الإجراءين أم لا.
نفاد السكر وارتفاع ملحوظ في الأسعار
رصد مراسل "عربي21" أسعار بعض السلع الاستراتيجية التي أعلنت الحكومة عن تخفيض سعرها ووجد إنها ارتفعت بنسب متفاوتة وانحصرت الأسعار المخفضة في المجمعات الاستهلاكية التابعة للحكومة وبعض الأسواق ولكن بكميات قليلة لا تلبي الطلب.
وارتفعت أسعار السكر بأكثر من 50% وصعدت من 27 جنيها إلى 50 جنيها للكيلو الواحد مع الإشارة إلى أنه كان قبل المبادرة بـ16 جنيها، وارتفعت أسعار زيوت الطعام والفول والعدس والمكرونة والدقيق المعبا بنسب متفاوتة، بحسب
الرسم البياني لبوابة الأسعار المحلية والعالمية التابعة لمجلس الوزراء المصري.
الأزمة دفعت وزير التموين والتجارة الداخلية، على المصيلحى، إلى التهديد باللجوء إلى فرض أسعار جبرية، وأمهل الأسواق مدة 10 أيام من أجل عودة استقرار أسعار السكر وإلا سيتقدم بطلب لرئيس مجلس الوزراء لتطبيق التسعير الجبري على سعر كيلو السكر فى السوق، مشيرًا إلى أن الاحتياطى الاستراتيجى من السكر يكفى لمدة 3 أشهر.
شكاوى متكررة من الغلاء واختفاء السلع
في محافظة الجيزة، خلت محال تجارية كبرى وسلاسل تجارية شهيرة من وجود كيلو واحد سكر، وعند سؤال المشرف على صالات البيع، قال أحدهم لـ"عربي21": "لقد نفذت الكمية، تصل لنا كميات محدودة ويتم عرضها بسعر 27 جنيها للكيلو وهو السعر الذي حددته الحكومة، وتنفد في الدقائق الأولى من عرضها".
وقفت سيدة في العقد الرابع وبرفقتها اثنين من أطفالها تجادل أحد البائعين في أحد المتاجر الكبيرة عن سبب اختفاء السكر وارتفاع أسعار الشاي والزيت وعدم الالتزام بالمبادرة الحكومية، قائلة: "أين هي مبادرة الحكومة في تخفيض الأسعار؟ لماذا لا تلتزمون بها؟ الأسعار في زيادة منذ تم الإعلان عن المبادرة".
وعندما طلب منها مشرف قسم البقالة الذهاب إلى الجمعيات الاستهلاكية الحكومية للحصول على السلع بأسعار مخفضة، أجابته غاضبة بأنها "مجمعات بالاسم والسلع كالعادة إما غير موجودة أو نفدت أو غير جيدة ولا تستحق حتى الثمن بعد التخفيض".
يقول أبو شادي صاحب محل للحلوى في أحد ضواحي مدينة الجيزة لـ"عربي21": "لا نجد السكر ولا نستطيع العمل، وأسعار الحلوى والمخبوزات زادت بسبب شح الشكر وارتفاع سعره، إلى جانب الزيوت والسمن الاصطناعي والزبد الطبيعي، والمواطن هو من يتحمل أي زيادة".
ولفت إلى أن "الأزمة تكمن في ضعف الرقابة الحكومية على كبار التجار والمستوردين الذين يتحكمون في السوق، في كل فترة يتم تبادل الاحتكار من سلعة إلى أخرى بالأمس كان الشاي ثم الأزر واليوم السكر، وهكذا فهم يضعوننا في دوائر من الاحتكار الممنهج".
مبادرات إعلامية
يعزو مستشار وزير التموين الأسبق، إسماعيل تركي، فشل المبادرة الحكومية بعد مرور نحو خمسين يوما على انطلاقها "بأنها مبادرة إعلامية وليست حقيقية فالكميات المطروحة وعدد المنافذ أقل بكثير من احتياجات الناس في بلد يعج بالسكان، وليست المرة الأولى التي تفشل فيها مثل هذه المبادرات التي لا تكون من خلال إنتاجي حقيقي".
وأكد في حديثه لـ"عربي21" أن "إلقاء الشماعة على التجار غير مبرر؛ فالتاجر لايمكن أن يبيع بخسارة يمكن أن يقلل ربحه لفترة لكن لا يمكن أن يبيع بخسارة فالدولة تضع سعر رسمي للدولار لا يتم التعامل به فى الواقع، والسوق أقوى من الحكومة بكل تأكيد".
اللافت أن المبادرة الحكومية بالتوافق مع التجار والمستوردين بدأت في تشرين أول/ أكتوبر عندما كان الدولار يعادل 40 جنيها في السوق الموازي، لكنه الآن يتجاوز الـ50 جنيها وهو ما يعني ارتفاع قدره 30% على الأقل في الأسعار.
وأوضح تركي أن "التاجر أي المستورد حين يوفر الدولار من السوق السوداء لاستيراد المنتجات فلابد أن يحسب سعر المنتج وفقا لما اشترى به الدولار ويتحسب لصفقته القادمة حتى لا يتآكل رأس ماله، وطالما أن هناك سعرين للدولار، رسمي وآخر فى السوق السوداء، فلا بد أن يحدث الغلاء والفساد لاسيما أن سعر الدولار فى السوق السوداء فى زيادة مضطردة".