سلط إعلان أغنى رجل في
مصر، الملياردير ناصف
ساويرس، عن نقل مكتب عائلته إلى دولة
الإمارات، الضوء على بيئة الأعمال في البلاد، في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة الناجمة عن مجموعة من المشكلات.
ناصف، وهو أحد الأشقاء الثلاثة مع نجيب وسميح ساويرس، وكلهم ضمن قائمة الأثرياء الكبار في مصر، وتمتد إمبراطوريتهم الاقتصادية من آسيا إلى أوروبا وحتى أمريكا، بما فيها أفريقيا من خلال امتلاك مئات الشركات التي تعمل في العديد من القطاعات الاقتصادية.
ومن المقرر أن ينتقل مقر المجموعة NNS في سوق أبوظبي العالمي والعمل على بناء حصص كبيرة في عدد كبير من الشركات، خاصة في أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية، حيث باتت إمارة أبوظبي الإماراتية قبلة رجال الأعمال والأثرياء.
وقال ساويرس الذي تبلغ ثروته أكثر من 7 مليارات دولار، وفقا لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، ومالك نادي آستون فيلا بالدوري الإنجليزي الممتاز، في بيان، إن "أهمية دولة الإمارات العربية المتحدة بالنسبة للنظام المالي العالمي تجعل NNS تعتقد أن نقل أنشطتها الرئيسية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة سيساهم في مواصلة تطوير ونمو محفظتها وأنشطتها الأساسية".
وكان الشقيق الثالث، رجل الأعمال المصري، سميح ساويرس، أثار الجدل مؤخرا في مصر، في أيار/ مايو الماضي، رغم أنه قليل الحديث إلى الإعلام، عندما قال إنه لا يرغب في "بدء مشاريع جديدة في مصر"، مشيرا إلى شروعه في مفاوضات للاستثمار في السعودية.
لكن الشقيق الثالث نجيب ساويرس، وهو أكثر أبناء ساويرس انفتاحا على الإعلام، وأكثرهم انتقادا بشكل علني لطريقة إدارة الملف الاقتصادي وهيمنة الجيش على مفاصل الاقتصاد، رغم أن شركات الأسرة من بين أكثر الشركات المصرية شراكة مع شركات الجيش والدولة، بحسب رئيس النظام المصري عبدالفتاح
السيسي الذي دخل في جدال سابق مع ساويرس دون أن يسميه.
وكان ساويرس يمتلك مجموعة قنوات فضائية قبيل ثورة 25 كانون ثاني/ يناير 2011، وبعض الصحف، وأنشأ حزبا سياسيا استطاع من خلاله دخول برلمان الثورة، ولكن بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013 اضطر للتخلي عن القنوات والصحف والحزب للنظام الجديد الذي هيمن على كل الإعلام والصحافة.
وتأتي تصريحات الأشقاء ساويرس، باعتبارهم الأقدر على الحديث؛ بسبب شبكة علاقاتهم الدولية والإقليمية الواسعة، في أوقات بالغة الحساسية لمصر التي تمر بأوضاع صعبة وتعاني من عدم الاستقرار المالي والنقدي بشكل كبير.
ويرى البعض أنها مؤشر على تدهور المناخ الاستثماري في مصر، والبعض الآخر يرى أنها تضر بجهود الحكومة في جذب المزيد من المستثمرين الأجانب.
وفي غضون ذلك انخفضت ثقة شركات القطاع الخاص في مصر إلى أدنى مستوياتها منذ نيسان/ أبريل 2012، وأظهرت بيانات المسح أن التشاؤم بشأن مستويات الإنتاج خلال العام المقبل انخفض أيضا إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، إذ تتوقع الشركات أن يستمر التضخم في خفض الطلب ورفع تكاليف المدخلات.
ماذا وراء عزوف المستثمرين
وعن أسباب قرار ساويرس، وإذا ما كان يبعث برسائل سلبية عن مناخ الاستثمار في مصر، قال رجل الأعمال المصري الأمريكي محمد رزق: "المناخ العام غير ملائم للاستثمار فى مصر لأسباب كثيرة يطول شرحها سواء من الناحية التشريعية أو النقدية أو المنافسة".
وكان رزق قد زار مصر لحضور مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي عام 2015 في أعقاب تولي رئيس النظام المصري السلطة بعدة شهور بدعم من السعودية، وروجت له مصر على أنه أكبر مؤتمر استثماري على أرض مصر، وتوقعت حينها جذب استثمارات بمليارات الدولارات.
وأوضح رزق لـ"عربي21" أن "المؤتمر كان يمكن أن يساعد مصر في تحسين وضعها الاقتصادي، ولكنها لم تحسن استغلاله الاستغلال الأمثل، وكان المؤتمر بناء على دعوة من الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز للدول المانحة لمساعدة مصر والاستثمار فيها، لكنّ المؤتمر انقلب من مؤتمر للدول المانحة إلى مؤتمر اقتصادي كبير، وأدارته إحدى الشركات الإماراتية التي كانت تستهدف مستثمرين حول العالم، وكنت أحد هؤلاء المستثمرين، وكان هناك 1500 رجل أعمال من حول العالم".
وخلص رجل الأعمال إلى القول: "نتيجة ما سبق اكتشفنا أن المناخ العام في مصر غير ملائم للاستثمار، لأنه يفتقر للاستقرار سواء من ناحية التشريعات أو سعر صرف الدولار، و"بالتالي فقد تمخض الفيل فولد فأرا"، وتحدثت الحكومة عن جذب مئات المليارات وهو "ما ثبت زيفه، وكان الهاجس الأكبر للمستثمرين هو تغول المؤسسة العسكرية على كل مناحي الاقتصاد واحتكارها لمفاتيح هذه المشروعات، ما أدى إلى ارتفاع حجم المخاطر وعدم القدرة على وضع دراسات جدوى دقيقة".
إدارة سلبية للأزمة الاقتصادية
ووصف المستشار السياسي والاقتصادي الدولي، الدكتور حسام الشاذلي، مثل تلك التحركات بأنها "طبيعية"، وقال: "مع السقوط المدوي للمنظومة
الاقتصادية المصرية ومع حالة عدم الاستقرار السوقي وحالة التضخم التي لا يعرف لها نهاية، والموت السريري للجنيه المصري.. سنرى الكثير من رجال الأعمال يقفزون من المركب في محاولة لتجنب التأثيرات السلبية على دورة رأس المال وعلى الأهداف الاستثمارية لهؤلاء الأفراد ومجموعاتهم الاستثمارية".
واعتبر في حديثه لـ"عربي21" أن "إدارة الدولة للأزمة هي رسالة سلبية للمستثمرين وليس تحركات رجال الأعمال، وأشير هنا إلى أن مكتب عائلة ساويرس سحب طلب ترخيص بنك رقمي في مصر منذ فترة وجيزة، وسبق ذلك بيع الكثير من الأصول المملوكة للعائلة وذلك في خطوات تؤكد، أنه بالرغم من عدم مركزية مكتب مصر للخطط الاستثمارية للعائلة، فقد تم اتخاذ القرار بتهميش هذا المكتب تماما".
وأشار الخبير الاقتصادي، المقيم في سويسرا، إلى أن "رأس المال يبحث عن الظروف الاقتصادية الملائمة وعن حالة الاستقرار السياسي، والتي لا يمكن أن تتحقق مع وجود أكثر من 100 ألف معتقل سياسي بالسجون، وسيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد، وعدم احترام القوانين، واقتراب المنظومة الاقتصادية المصرية من شفا الإفلاس، وسيكون لهذا القرار تبعات كثيرة سلبية على مناخ الاستثمار في مصر وسيزيد من حالة التخوف الموجودة لدى رأس المال الأجنبي".