نشرت صحيفة "
دنيا" التركية مقال رأي للكاتبة بورجو كوسام تناولت فيه التحديات التي تواجه جهود تحقيق التوازن في
الاقتصاد التركي.
وقالت الكاتبة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في ظل الظروف الحالية علينا أن نتحمل جميعًا مرارة ارتفاع أسعار الفائدة من أجل خفض
التضخم. فمنذ شهر حزيران/ يونيو، يبحث الاقتصاد التركي عن التوازن مع العودة إلى السياسات التقليدية.
تم رفع معدل الفائدة من 8.5 بالمئة إلى 40 بالمئة. وقد أعقب هذه الخطوة تطبيع السياسة النقدية بما في ذلك "الودائع المحمية بسعر الصرف". في هذه الأثناء، تم رفع تصنيف
تركيا الائتماني بدرجتين من قبل مؤسسة واحدة، وبدرجة واحدة من قبل مؤسسة أخرى، وانخفضت درجة مقايضة العجز الائتماني (CDS) الخاصة بها تدريجيًا من 700 إلى 300. كل هذا ساهم في المقام الأوّل في تحسين ظروف التمويل الخارجية.
وقد تم قبول هذه الخطوات على أنها خطوات صحيحة نحو استعادة الثقة في المؤسسات الاقتصادية، بما في ذلك البنك المركزي. ومن ناحية أخرى، فإن كل فرد في المجتمع يفهم بوضوح شديد ما يعنيه ارتفاع أسعار الفائدة خلال العامين الماضيين.
وأشارت الكاتبة إلى أن ارتفاع تكلفة التمويل الداخلي الناجم عن ارتفاع سعر الفائدة يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم بشكل كبير إذا تم إدارته بشكل غير صحيح، كما أن تكلفة التضخم باهظة الثمن بشكل خاص للأشخاص ذوي الدخل الثابت. في الوضع الحالي، نحن مضطرون إلى تحمل تكلفة الوصفة المؤلمة لارتفاع أسعار الفائدة من أجل خفض التضخم. هذه المرة، تريد الادارة الاقتصادية مشاركة هذه التكلفة على قدم المساواة مع جميع أصحاب المصلحة في المجتمع. لكن هل سيكون هذا ممكنًا؟ بالطبع، سنرى ونحلل بعد أن نعيش ذلك لأنه أمامنا فترة تراجع التضخم لم تبدأ بعد وستبدأ في النصف الثاني من 2024.
إذن، هل يمكننا قول إن هذه أيامنا الجيدة حتى يبدأ الانكماش ويتراجع التضخم؟ هل ينبغي مناقشة سياسات الإدارة الاقتصادية؟ متى سنحصل على النتائج؟
تتفق الكاتبة مع السياسات التي تنفذها الإدارة الاقتصادية حاليًا ... لكن الأيام القادمة ستكون صعبة للغاية. ورؤية ذلك لا تتطلب التشاؤم، بل الواقعية. وكما هو واضح على الصعيد العالمي، لا يوجد لدى أي بنك مركزي في العالم عصا سحرية ولكن مسؤولية خفض التضخم ليست على عاتق البنوك المركزية وحدها.
أمام تركيا بعض العقبات في طريقها لخفض التضخم في عام 2024، أحدها مقدار الضرر الذي سيستمر في تكبده أصحاب الدخل الثابت، مثل الحد الأدنى للأجور والوظائف التي تقاربها.
وبحسب الكاتبة، فإنك إذا بدأت أولاً بالتفكير في التعويضات التي تم تقديمها، فإليك أبسط إجابة يمكن تقديمها: أولاً، يمكن إلقاء نظرة على النسبة المئوية لزيادة الرواتب بين عامي 2020 والآن، ثم عدد المرات التي زادت فيها النفقات التي يمكن تحملها بذاك الراتب مقارنة بما هي عليه الآن. بعبارة أبسط، ما هي النسبة المئوية لما كنت قادرًا على شرائه أو تحمله في عام 2020، مثل الإيجار والنفقات الأخرى، التي يمكنك تحملها اليوم براتبك الحالي؟
على الرغم من أن زيادة الراتب ظلت إيجابية من حيث النسبة المئوية، فقد انخفضت نسبة المعيشة إلى الجانب السلبي. هذا ما يسمى بـ"غلاء المعيشة". ومرة أخرى، من الواضح أن التضحيات تقع على عاتق ذوي الدخل الثابت بشكل كبير!
لنأتي الآن إلى الوضع المتوقع، هناك موضوع زيادة الحد الأدنى للأجور، الذي بدأ هذا الأسبوع وسيتم اتخاذ قرار بشأنه في أربع جلسات خلال هذا الشهر. كما أن هناك المناقشات حول القيام بذلك مرة واحدة في السنة لأن الزيادة المخطط لها مرة واحدة في السنة يبدو أنها قد أفسدت حسابات الزيادة التي تم إجراؤها مسبقًا إلى حد كبير.
في النقطة التي تم الوصول إليها مؤخرًا، قالت الكاتبة إن الزيادة ستكون أعلى من 50 بالمئة في الكواليس. من ناحية أخرى، فإن الزيادة في الأجور للعاملين الذين اقتربوا من الحد الأدنى للأجور بنسبة 60 بالمئة هي أيضًا أحد الموضوعات المتداولة.
وذكرت الكاتبة أن الرغبة العامة هي أن يحصل العمال ذوو الدخل المنخفض الذين يعانون من ضائقة مالية ويكافحون حتى نهاية الشهر على أكبر زيادة ممكنة في الأجور، إلا أن هناك أيضًا نقاشًا حول هذا الموضوع على المستوى العالمي. وهو أن الزيادة كلما ارتفعت زادت تحفيز التضخم.
وأضافت الكاتبة أن نسبة كبيرة من شركات القطاع الحقيقي في تركيا تنتج منتجات متوسطة ومنخفضة التكنولوجيا لكنها كثيفة العمالة. وبالتالي، فإن أهم منافسي صادرات المنتجات من هذا النوع في الأسواق الخارجية هي بلدان مثل بنغلاديش وفيتنام حيث يكون الحد الأدنى للأجور منخفضًا للغاية، أي أنهم يتمتعون بميزة تنافسية من حيث التكلفة. وبطبيعة الحال، فإن مسألة كيفية مساهمة الزيادة في الصادرات ومنه في الاحتياطات ورصيد الحساب الجاري هي قضية إشكالية أخرى. أما المشكلة الأخرى هي زيادة تكاليف الائتمان للقطاعات التي تعاني من عجز في رأس المال العامل.
وأوردت الكاتبة أن الشركات التي لا تستفيد من المزايا التي توفرها لها الدولة من خلال القروض الانتقائية للتصدير والاستثمار، ستقع تحت عبء كبير بسبب ارتفاع تكاليف المدخلات والتمويل. وإذا كنا صادقين، كما ذكرنا أعلاه، فإنه لا توجد صيغة يمكن أن تجعل كلا القطاعين، أي العمال وأرباب العمل، سعداء في نفس الوقت أو بشكل منفصل في هذه الفترة الصعبة.