لا يجب التغاضي أو
تجاهل أو المرور مرور الكرام على مطالبة وزير ما يسمى بالتراث اليهودي، عميحاي
إلياهو، منذ فترة بإلقاء قنبلة نووية على
غزة لإبادة أهلها عن بكرة أبيهم والتخلص
منهم مرة واحدة للأبد، حتى بثمن التضحية بالأسرى
الإسرائيليين، كون حياتهم ليست أغلى
من حياة الجنود حسب تعبيره، ومن ثم العودة للاستيطان
فيها وضمّها إلى الأراضي المحتلة العام 1948.
تصريحات إلياهو أثارت
-ولا تزال- ضجة في إسرائيل وردود فعل دولية واسعة رافضة وشاجبة لها، بدا بعضها
منفصما ومنافقا خاصة من الغرب الداعم فعليا لجيش الاحتلال الذي ألقى على غزة آلاف الأطنان من المتفجرات وبما يعادل عدة قنابل
نووية، خلال عشرة أسابيع من الحرب المجنونة ضد غزة.
تُظهر وتفضح تصريحات إلياهو المشهد في إسرائيل على حقيقته، فهذا المتطرف لم يعد هامشيا، وإنما بات في متن الحياة السياسية والحزبية
بداية، تُظهر وتفضح
تصريحات إلياهو المشهد في إسرائيل على حقيقته، فهذا المتطرف لم يعد هامشيا، وإنما بات
في متن الحياة السياسية والحزبية، علما أنه كان عضوا بحزب رئيس الوزراء السابق
نفتالي بينيت (البيت اليهودي) وأدت استقالته من الائتلاف الحاكم نهاية العام
الماضي إلى سقوط حكومة الرؤوس الثلاثة، بينيت ويائير ليبد وبيني غانتس، وعودة بنيامين
نتنياهو وحلفائه الأكثر تطرفا إلى السلطة، بمن فيهم إلياهو نفسه الذي انضم إلى حزب
القوة اليهودية بزعامة وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير؛ المدان بقضايا إرهابية
وعنصرية والمدافع عن سياسة التطهير العرقي والفصل العنصري في الضفة الغربية، مع حليفه
بتسلئيل سموتريتش وزير المالية ورئيس حزب الصهيونية الدينية وصاحب خطة الحسم
النهائي، وتخيير الفلسطينيين بين القتل أو التهجير أو الاستسلام أمام النظام
الاستعماري العنصري.
هنا وفي سياق الانزياح
المستمر إلى أقصى اليمين لا بد من الانتباه إلى التبييض المستمر لغلاة
المتطرفين ودمجهم
رسميا بالساحة السياسية والحزبية، تماما كما حصل مع وزير الدفاع والمالية السابق أفيغدور
ليبرمان الذي طالب ذات مرة بقصف السد العالي وإغراق مصر، وبات الآن في صلب المنظومة
الإسرائيلية وحتى أحد خبرائها وحكمائها، بالمعنى المحلي الداخلي الضيق طبعا.
في ردود الفعل الإسرائيلية
الداخلية كان لافتا الصوت العالي لأهالي الأسرى لدى حركة حماس؛ الذين وافق إلياهو على
التضحية بهم كون حياتهم ليست أغلى من حياة جنود جيش الاحتلال كما قال، حيث اعتبروا
تصريحاته متناقضة مع الروح والمُثل اليهودية والصهيونية، دون أي اكتراث بحياة
ملايين الفلسطينيين مع طلب تشديد الحصار ومنع إدخال المساعدات لهم، علما أن ما دعا
إليه إلياهو يجري تطبيقه على الأرض فعلا في ظل التنكيل والإجرام والوحشية والبطش
بغزة، وتنفيذ بروتوكول "هانيبال" منذ اليوم الأول للعدوان والذي يسمح بقتل
الأسرى مع آسريهم بمجرد اليقين بصعوبة أو استحالة استعادتهم أحياء.
سياسيا وحزبيا، بدا
الإجماع على رفض التصريحات ووصف صاحبها بالغبي فقط من زاوية كونها تنسف الدعاية الإسرائيلية
"الهسبراه" كلها، والتي تتشدق باحترام القانون الدولي والجيش الأكثر أخلاقية
بالعالم، وتقمص دور المظلومية والضحية، وخوض حرب التنوير والتحضر ضد التخلف والهمجية
والرجعية، بينما أتت تصريحات علنية لمسؤول ووزير في الحكومة كي تنسف وتنقض كل ذلك.
بدا لافتا كذلك صمت
حزبه وحلفائه في اليمين المتطرف، في تصرف يفضح القبول والرضى عن التصريحات التي
كانت صدرت أولا عن نائب من حزب الليكود بالكنيست (تالي غوتليب)، ولكن دون أن تنال
الصدى الإعلامي الواسع، كما حصل مع الوزير إلياهو.
في السياق، بدا رد
فعل نتنياهو لافتا مع تكرار واجترار عبارات الدعاية الإسرائيلية الممجوجة نفسها، وإصدار
قرار بمنع وزير التراث من حضور جلسات الحكومة بكامل هيئتها، علما أنها لا تنعقد أصلا
منذ الحرب مع الاكتفاء باجتماعات مجلس الحرب المصغر، والمجلس الأمني الكابينيت الذي
كان مصغرا أصلا وبات موسعا إثر انضمام حزب المعسكر الوطني والجنرالات بيني غانتس وإيتان
إيزنكوت للحكومة.
بدا لافتا كذلك
ومثيرا للاستهجان حتى من بعض أروقة تل أبيب نفسها عدم مبادرة نتنياهو إلى إقالة إلياهو،
كونه لا يجرؤ على مواجهة عتاة المتطرفين في حكومته مع وضعه الأكثر سوءا، كما بسبب تعلقه
بهم وخشيته من سقوط الحكومة في حالة الصدام معهم، علما أنها كذلك فعلا وبات رحيل
هذه الحكومة مسألة وقت وبمجرد انتهاء الحرب مباشرة، وهو ما يحاول نتنياهو تأخيره قدر
الإمكان.
ثمة دلالات
ومضامين أخرى لافتة ومهمة جدا بتصريحات إلياهو تتعلق بالقضية الفلسطينية، وبعد 75 عاما
من الاستعمار والمجازر المستمرة على اختلاف مسمياتها وأشكالها تبدو إسرائيل عاجزة عن
إخضاع الفلسطينيين أو فرض الاستسلام عليهم، بما في ذلك الترانسفير (التهجير والنزوح
القسري)، بعدما بدت الخطة الأخيرة دموية وفظة وعلنية بحيث بات من الصعوبة وحتى من
المستحيل تمريرها أو القبول بها عربيا أو دوليا.
في الدلالات،
واضح كذلك أن معضلة عزة لا تزال حاضرة ومتجذرة في الذهنية الصهيونية، وأنها لا تزال
"الثقب في الرأس" حسب عبارة المؤسس دافيد بن غوريون، والتي تمنى رئيس
الوزراء السابق إسحق رابين غرقها في البحر. والآن يريد إلياهو ضربها بقنبلة نووية بعد
75 عاما من الاحتلال، و16 عاما من الحصار الخانق، وشهرين ونصف من القصف الإجرامي
والإبادة الجماعية وقتل وإصابة أكثر من 70 ألفا، وتشريد ملايين وتدمير نصف مباني
ومؤسسات وبيوت غزة وبناها التحتية، بينما يستبطن التصريح العنصري الإجرامي قناعة
باستحالة إخضاعها أو فرض الاستسلام التام عليها.
وفيما يخص ردود الفعل
الدولية الغربية الرافضة للتصريحات فقد بدت منفصمة وازدواجية، مع استخدام إسرائيل آلاف
أطنان المتفجرات التي تعادل مجتمعة أكثر من قنبلة نووية خلال عشرة أسابيع من الحرب
المسعورة في تأييد ودعم غربي واضح وجلي لاستخدام النووي بالتقسيط أو المفرق؛ لا الجملة.
تجب الإشارة كذلك
إلى رد الفعل العربي الخجول والإنشائي والعاجز أمام هذه التصريحات الإسرائيلية،
كما الصمت والعجز أمام استهجان إلقاء قنبلة بل قنابل نووية على غزة، ولكن على مرات
وليس لمرة واحدة، وعدم انتباه للمغزى الكامن بالتصريح والمطالبة الجدية بفتح ملف السلاح
النووي الإسرائيلي، مع التذكير باستقبال الوزير المتطرف نفسه بحفاوة بالغة في الإمارات
قبل شهور قليلة فقط، كما زملائه الأكثر تطرفا من دعاة الفصل العنصري والإبادة الجماعية
للشعب الفلسطيني.
نحن أمام إقرار واعتراف رسمي من وزير في الحكومة بامتلاك إسرائيل السلاح النووي، وهو الأمر المسكوت عنه وسط غض طرف غربي ودولي، مع رفض امتلاك السلاح نفسه من دول عربية أو إسلامية أخرى
بالعموم، أظهر تصريح
إلياهو إسرائيلَ على حقيقتها دون مساحيق تجميل، ودون قناع التحضّر والتنور الغربي،
مع الإفصاح عن اليأس من إخضاع واستسلام الشعب الفلسطيني، واليقين أن غزة لا تختفي من
الوجود ولا تستسلم ولا تُظهر أي بوادر للخضوع.
قبل ذلك وبعده،
نحن أمام إقرار واعتراف رسمي من وزير في الحكومة بامتلاك إسرائيل السلاح النووي، وهو الأمر المسكوت عنه وسط غض طرف غربي ودولي، مع رفض
امتلاك السلاح نفسه من دول عربية أو إسلامية أخرى.
وفي سياق الدعوة إلى
استخدام النووي لا بد من التذكير باقتراح أو فكرة مماثلة طرحها وزير الدفاع السابق
الجنرال موشيه دايان في الأيام الأولى لحرب 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وتعرضه للتوبيخ
من رئيسة الوزراء غولدا مئير، ما يعيد التذكير والتشابه مع صدمة 7 تشرين الأول/
أكتوبر 2023 وشعور القيادة الإسرائيلية بعقلها الجمعي بالعجز عن تحقيق انتصار حاسم
وردع العرب عن التحدي، ناهيك عن جرأة التخطيط والتنفيذ والانتصار ولو في معركة على
طريق الانتصار الحاسم في الحرب التي يعي المستعمرون جيدا أن هزيمتهم فيها هي حتمية
كذلك.