أثارت انتقادات الرئيس الأمريكي
جو بايدن، غير المسبوقة لرئيس حكومة
الاحتلال الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو جدلا واسعا، إذ كشفت عن حجم الخلافات بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، التي لم تكن معلنة حتى وقت قصير، إلا أنها ظهرت إلى العلن عندما حذر بايدن من أن "إسرائيل" قد تفقد الدعم الدولي، بالتزامن مع تعنت نتنياهو العلني والرافض للخطط الأمريكية المتعلقة في مرحلة
غزة ما بعد الحرب.
إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها من الحرب
أستاذ العلوم السياسية أيمن البراسنة يرى أن تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن تشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي بات عبئا على السياسة الأمريكية وخاصة في خضم الحرب على قطاع غزة.
وقال في حديثه لـ"عربي21": "هناك قناعة أمريكية سواء لدى الإدارة أو المؤسسات الأخرى بما فيها الكونغرس والمؤسسات الأمنية التي أصبحت تقيم الحرب على قطاع غزة، أن إسرائيل فشلت فشلا ذريعا في تحقيق الأهداف التي قالتها منذ بدء الحرب على غزة والمتمثلة في اجتثاث حماس والقضاء على المقاومة و تحرير الأسرى لدى حماس بدون تفاوض، وضمان أن لا يشكل قطاع غزة أي تهديد لأمن إسرائيل".
ويضيف أن "فشل الاحتلال في تحقيق هذه الأهداف ساهم في اضطرار الإدارة الأمريكية بعد 68 يوما من الحرب لإعلان أن ما تقوم به إسرائيل لا يمكن أن يحقق الأهداف المرجوة، وهذا ما أدى إلى تغير خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وانتقاده ووصفه بشخص لا يملك أي رؤى سياسية ".
ويعزو البراسنة تغير الخطاب الرسمي الأمريكي تجاه حكومة الاحتلال ووصفه لنتنياهو بأنه لا يملك أي رؤية سياسية وانتقاده لنظرة الحكومة الإسرائيلية تجاه الحرب على غزة إلى "تعنت وعناد نتنياهو المتزايد للمطالب الأمريكية المتمثلة في تجنب قتل المدنيين وتقليل عدد الضحايا، والتي لم تلق حكومة الاحتلال أي بال لها، ومضت قدما تجاه التدمير والإبادة الجماعية في القطاع وخاصة الشجاعية وخان يونس".
كما أن هناك متغيرات أدت لتحول الموقف الأمريكي العام وتصريحات بايدن العلنية وغير المسبوقة في مقدمتها الضغوطات الداخلية التي يتعرض لها بايدن، بعد قيام مجموعة من موظفي البيت الأبيض بلقاء مستشاريه والاعتراض على الدعم الأمريكي السخي للاحتلال الإسرائيلي، وذلك في ظل تغير الرأي العام الأمريكي والغربي إجمالا بعد انتشار صور القتلى المدنيين في غزة وقصف المستشفيات والبنى التحتية، وفق حديثه.
ويرى أنه "لم تعد هذه الضغوطات تقتصر على الشارع الأمريكي والأوروبي وإنما تسللت إلى أروقة صنع القرار".
وجاء ذلك من خلال استقالة المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية جوش بول بسبب تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع الحرب الدائرة في قطاع غزة، وقوله إنه لا يستطيع دعم المزيد من المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، واصفا رد الإدارة بأنه "رد فعل متهور" قائم على "الإفلاس الفكري".
الحماية الأمريكية لإسرائيل لا تعني حماية نتنياهو
وأشار البراسنة إلى أنه "في الأوساط الأمريكية هناك اتفاق عام، وخاصة بين الحزبين الرئيسين الديمقراطي والجمهوري على دعم إسرائيل وضمان أمنها وتفوقها العسكري في المنطقة، ولكن دعم إسرائيل ليس بالضرورة أن يكون مجسدا بدعم حكومة يمينية متطرفة، فالحفاط على أمن إسرائيل مصلحة أمريكية عليا بالمقابل هذا لا يعني دعم توجهات مخالفة للتوجه الأمريكي".
ويضيف أن "إدارة بايدن ملتزمة في حماية أمن إسرائيل لكنها غير ملتزمة في حماية أمن نتنياهو وحكومته، لهذا طلب بايدن من نتنياهو تغيير حكومته بغية تقويتها وإعطاء نتائج أفضل، وهذا يشير إلى رغبة أمريكية في إعفاء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية مثل إيتمار بن غفير و سموترج لعدم رضاها عن وجود تلك الحكومة التي لا تلقي أي أهمية لكل التحذيرات العالمية".
وتابع: "جاءت زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى إسرائيل لبحث قضيتين مهمتين الأولى تتمثل في وضع جدول زمني للعمليات الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ تسربت بعض المعلومات من الصحف الأجنبية أن الإدارة الأمريكية أعطت لنتنياهو جدولا زمنيا لغاية بداية شهر يناير لإنهاء الحرب على قطاع غزة وبحث موضوع الضحايا المدنيين الذين يتزايد استهدافهم يوما بعد يوم".
وأردف: "هي محاولة لإقناع الحكومة الإسرائيلية بأهمية وجود دولة فلسطينية، وخاصة بعد أن أثار نتنياهو غضب الإدارة الأمريكية أمام الكنيست حينما رفض فكرة قيام دولة فلسطينية بل وقال إن السلطة الفلسطينية تستهدف إسرائيل بشكل تدريجي، برغم أن السلطة الفلسطينية هي الشريك في المفاوضات، وهذا الرفض يشير إلى رفضه لأي مقومات ومكونات فلسطينية لتكون جزءا من الحل".
سيناريوهات حول مستقبل التصعيد
ويرى خبير الأمن الإستراتيجي، الدكتور عمر الرداد "أن هناك العديد من السيناريوهات المتوقعة لمستقبل التصعيد بين الإدارة الأمريكية الحالية والحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، لكن من غير المتوقع أن يكون من بينها صدامات بين الطرفين، بل ستعمل واشنطن على التضييق على هذه الحكومة، ولكن بعد انتهاء الحرب، ومن المتوقع أن تراهن واشنطن على انتخابات جديدة في إسرائيل تطيح باليمين بقيادة نتنياهو".
وفي حديثه لـ "عربي21" يؤكد الرداد أنه "قد تختلف الإدارات الأمريكية في مواقفها تجاه الحكومات الإسرائيلية لكنها لا تختلف في دعمها لإسرائيل، وبايدن بمواقفه الحالية يترجم مقولة دعم إسرائيل شعبا ودولة والاختلاف مع حكوماتها في تحديد مرجعية العلاقات معها".
ويذكر هنا أن بايدن أمام انتخابات مصيرية بعد أقل من عام ولا يستطيع إلا أن يميز بين دعمه لإسرائيل وموقفه من حكومة يمينية، وهو موقف ينسجم إلى حد كبير مع الصراع في أمريكا بين الديمقراطيين والجمهوريين، فالحزب الجمهوري يؤيد ضمنيا اليمين الإسرائيلي بحكم التوافق بين إيديولوجية الجانبين.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تحدثت أن هذه التصريحات تعبر عن حالة التوتر والخلافات مع نتنياهو المتواصلة منذ بداية ولاية بايدن، الذي رفض استقباله في البيت الأبيض.
وقال القنصل الإسرائيلي الأسبق ألون بينكاس في مقال في صحيفة "هآرتس" إن نتنياهو ذاته يعي ويفهم رسائل خطاب بايدن، وأنه سيوظف تصريحات الرئيس الأمريكي في مسيرته السياسية ليسوقها للجمهور الإسرائيلي على أنها دليل على أن رئيسا أمريكيا يحاول إقالته وهو في السلطة، ويقود إسرائيل في زمن الحرب.
ويرى بينكاس أن الرسالة لا تكمن في ما قاله بايدن وإنما "في ما لم يقله، بايدن لم يقل إن نتنياهو -بحسب تقديرات البيت الأبيض- يسعى للمواجهة والصدام مع الإدارة الأمريكية بشأن إدارة وسير الحرب، والواقع الأمني بغزة مستقبلا، وجر واشنطن لحرب إقليمية مع الحوثي وحزب الله".
الحديث ذاته قاله المحلل السياسي ناحوم برنياع في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن تصريحات بايدن تشير إلى خلاف مؤجل، لكنها لا تحمل أي تغييرات في سياسات الرئيس الأمريكي تجاه إسرائيل حتى خلال الحرب على غزة.
مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي الذي يواصل الدعم العسكري لإسرائيل، وجه بالمقابل قولا لنتنياهو مفاده أنه "يجب أن تتوصل إلى اتفاقيات بشأن مستقبل غزة في اليوم التالي للحرب، وتغيير سياسة الحكومة تجاه الفلسطينيين".