واصلت جماعة أنصار الله الحوثيين عملياتها العسكرية البحرية ضد السفن والحاويات المتوجهة إلى الموانئ "الإسرائيلية" على البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، ما أثار قلق المجتمع الدولي على مستقبل التجارة والطاقة بين مضيق
باب المندب وقناة السويس.
وأعلنت جماعة الحوثي، الخميس، استهداف سفينة حاويات، كانت في طريقها إلى دولة
الاحتلال، بعد رفض طاقم سفينة "ميرسيك جبرلاتر"، الاستجابة لنداءات قواتهم البحرية، ما دفع إلى استهدافها بطائرة مسيرة وإصابتها بصورة مباشرة.
وأعلنت الجماعة منع مرور عدة سفن، كانت متجهة إلى الاحتلال، خلال الـ 48 ساعة الماضية، مؤكدة استمرارها في منع السفن كافة المتجهة إلى الموانئ "الإسرائيلية"، من الملاحة في البحرين العربي والأحمر، حتى إدخال ما يحتاجه إخواننا الصامدون في قطاع
غزة من غذاء ودواء".
وفي 19 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، أعلنت جماعة الحوثيين دخولها على خط المقاومة مع قطاع غزة، واستولت على سفينة الشحن "غالاكسي ليدر" التابعة لرجل أعمال "إسرائيلي" في البحر الأحمر، حيث تم اقتيادها إلى الساحل اليمني، كتعبير عن التضامن مع "المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة".
ما أهمية باب المندب لقناة السويس
باب المندب، هو مضيق يصل البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، وتتحكم به كل من اليمن وجيبوتي وإريتريا، وزادت أهميته عالميا بعد افتتاح
قناة السويس عام 1869، التي ربطت بين قارتي آسيا وأوروبا، وأصبح من بين أهم المضايق البحرية في العالم.
ويعبر من المضيق نحو خُمس الاستهلاك العالمي من النفط والغاز الذي تحتاجه أوروبا، ويؤمن مرور نحو 98% من السفن التي تدخل قناة السويس المصرية، سواء القادمة من دول الشمال للجنوب أو من دول الجنوب للشمال.
ونظرا للأهمية الاستراتيجية للمضيق، سارعت بعض الدول مثل أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وتركيا وإسرائيل والإمارات إلى إقامة قواعد عسكرية في الدول الأفريقية الهشة، المتشاطئة مع المضيق مثل جيبوتي والصومال وإريتريا.
أهمية قناة السويس لمصر
أما قناة السويس، فهي ممر مائي اصطناعي يربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وتختصر المسار التجاري البحري بين كل من آسيا وأوروبا، دون الحاجة إلى اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح حول القارة الأفريقية وقطع نحو 13 ألف كيلومتر.
ويمر عبر قناة السويس البالغ طولها 193 كيلومترا، نحو 30 بالمئة من حاويات الشحن في العالم يوميا، ونحو 12% بالمئة، من إجمالي التجارة العالمية من جميع السلع.
وتوفر قناة السويس موردا رئيسيا للنقد الأجنبي في مصر، وارتفعت إيراداتها العام الماضي بنسبة 34.7 بالمئة، إلى 9.4 مليارات دولار، وزادت أعداد السفن المارة بالقناة بنسبة 17.6 بالمئة، لتبلغ 26 ألف سفينة، حسب بيانات هيئة قناة السويس.
كم يكلف وقف الملاحة في البحر الأحمر
حذرت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية، من تصاعد التوتر في مضيق باب المندب؛ لما له من تأثيرات كارثية على حركة الملاحة العابرة للبحر الأحمر، ومن ثم قناة السويس المصرية، وقد يتسبب في حدوث ركود اقتصادي عالمي.
واضطرت العديد من شركات الشحن "الإسرائيلية" والسفن المتجهة إلى الاحتلال، تغيير مسارها واللجوء إلى طريق رأس الرجاء الصالح جنوبي "جنوب أفريقيا"، ومنها إلى مضيق جبل طارق، وصولا إلى الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط، ما يعني عدة أسابيع من تأخير تسليم الشحنات، وزيادة تكاليف النقل والتأمين عليها.
وتسلط واقعة جنوح السفينة العملاقة "إيفر غيفن" في قناة السويس في آذار/مارس 2021، وتعطل حركة الملاحة العالمية لمدة 6 أيام، الضوء على مدى الخسائر الفادحة للاقتصاد العالمي وقناة السويس.
وتراوحت تقديرات خسائر التجارة العالمية من إغلاق القناة لمدة أسبوع بنحو 70 مليار دولار، فيما بلغت خسائر هيئة قناة السويس نحو 100 مليون دولار، بحسب هيئة قناة السويس.
حرص عالمي ومصري على عدم التصعيد
وقلل عميد كلية النقل الدولي واللوجستيات بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، الدكتور خالد السقطي، من أثر ما يجري في باب المندب، وقال: "إيرادات قناة السويس مرتبطة بحمولات السفن وحجم التجارة، بغض النظر عن ارتفاع تكلفة التأمين على النقل، ولن تتغير إلا إذا تطورت الأمور وخرجت عن السيطرة، خاصة أن هناك تأمينا دوليّا كبيرا".
وأضاف لـ"عربي21"، أن "ليس من مصلحة العالم وليس مصر فقط تصعيد التوتر في مضيق باب المندب؛ حيث يمثل مع قناة السويس شريان التجارة العالمية ونقل النفط والغاز. وإغلاق المضيق سوف يكلف العالم عشرات مليارات الدولارات، ويؤثر على إمدادات الطاقة، وربما اضطراب الصناعة عالميا، وحدوث اضطرابات في أوروبا؛ خاصة في فصل الشتاء".
واعتبر أن "قناة السويس لا تزال هي الخيار الأفضل عالميا، وأشير هنا إلى واقعة جنوح سفينة إيفر غيفن وتكدس مئات السفن والحاويات على مدخلي قناة السويس الجنوبي والشمالي، وعدم اللجوء إلى طريق رأس الرجاء الصالح؛ لأنه يعني أسابيع من التأخير والتكلفة المادية".
الاحتلال المتضرر الأكبر
تأثير عمليات جماعة الحوثي حتى الآن تتعلق برفع تكلفة التأمين حتى الآن، بحسب الخبير في الإدارة الاستراتيجية وإدارة الأزمات، الدكتور مراد علي، مضيفا أن "هناك عاملا مهما هو ارتفاع تكلفة التأمين على السفن التي تمر عبر باب المندب، وهذا سوف يؤثر على سلاسل الإمداد والتوريد".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "سيكون أمام الشركات خياران، إما رفع الأسعار بسبب زيادة رسوم التأمين، ومن ثم زيادة أسعار السلع، وإما اللجوء إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وهذا سيؤدي إلى تأخير وأزمة أخرى في سلاسل الإمداد والتوريد".
واعتبر أن "المتضرر الأكبر في ظل تحديد جماعة الحوثي أهدافها، هو الاحتلال الإسرائيلي، وسوف تتأثر بشكل مباشر؛ لأنه سيؤدي إلى تأخر وصول السفن والبضائع، ويرفع من تكلفة استهلاك الوقود وإيجار السفن والحاويات، ومن ثم ارتفاع الأسعار والتضخم".
ومن أجل تهدئة الجانب المصري، أعلنت جماعة الحوثي أنها لا تستهدف قناة السويس، وقال رئيس اللجنة الثورية العليا لجماعة أنصار الله، محمد علي الحوثي، عبر موقع فيسبوك: "نقول للأشقاء في مصر؛ إننا مستعدون للدفاع عن مصالح قناة السويس وبكل قوة من الصهاينة، كما أننا مستعدون لأي معركة في سد النهضة مع إثيوبيا".