صحافة دولية

هل هناك فرصة لوقف القتال وإنقاذ السودان من الانهيار؟

بعد مرور 8 أشهر على اندلاع الحرب بدأ أخيرا إطلاق مبادرة سلام جادة في نهاية الأسبوع الماضي - جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن الوضع السياسي والعسكري في السودان والدور الذي تلعبه الإمارات العربية المتحدة وروسيا في دعم النظام السوداني من خلال واردات الأسلحة واستغلال موارد الذهب.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هناك فرصةً لوقف المذبحة وإنهاء المجاعة وإنقاذ السودان من الانهيار، حيث تجري حاليا لعبة دبلوماسية معقدة يشارك فيها الزعماء الأفارقة والعرب بالإضافة إلى الولايات المتحدة.


بعد مرور حوالي ثمانية أشهر على اندلاع القتال في العاصمة السودانية الخرطوم، وما أعقبه من فظائع جماعية في تلك المدينة وفي المنطقة الغربية من دارفور، فقد بدأ أخيرا إطلاق مبادرة سلام جادة في نهاية الأسبوع الماضي.

وقد وافق الزعماء الأفارقة، في قمة عُقدت في جيبوتي بمبادرة من الرئيس الكيني ويليام روتو، على صيغة شاملة لوقف إطلاق النار وإجراء محادثات سياسية. وقد شاركت الولايات المتحدة والسعودية القمة ودعمتا نتائجها.

وذكرت المجلة أن قمة جيبوتي تأتي في أعقاب الاهتمام السياسي المتزايد بالسودان في واشنطن. ففي الرابع من كانون الأول/ ديسمبر، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على اثنين من أعضاء نظام عمر البشير السابق لدورهما في تسهيل الدعم الخارجي للقوات المسلحة السودانية وداعميها الإسلاميين.

وفي السادس من كانون الأول/ ديسمبر، أدان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الفظائع، حيث وجد رسميًا أن قوات الدعم السريع مسؤولة عن جرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي. وتحدث عن "أصداء مخيفة للإبادة الجماعية التي بدأت قبل نحو 20 سنة في دارفور".

وقال بلينكن أيضًا إن القوات المسلحة السودانية ترتكب جرائم حرب.

أي شخص يشكك في تداعيات الإبادة الجماعية التي تترتب على الغزوات العسكرية لقوات الدعم السريع ليس عليه إلا أن يشاهد مقاطع الفيديو عن الفظائع التي ترتكبها المليشيات ضد المدنيين في غرب دارفور.

وما لا يقل رعبا عن الأفعال نفسها هي الإهانات التي يوجهها القتلة والمغتصبون وصيحات الاحتفال من قبل المتفرجين.

وتجدر الإشارة إلى أن قوات الدعم السريع هي الوريث الحقيقي لمليشيات الجنجويد الدارفورية سيئة السمعة التي ارتكبت إبادة جماعية في تلك المنطقة قبل عقدين من الزمن.

وبحسب المجلة، فقد لا يكون التطهير العرقي هو الأجندة الرئيسية لقادة الدعم السريع - فهم يسعون وراء السلطة والمال قبل كل شيء - لكنهم متأثرون بشكل كبير بأيديولوجية التفوق العربي السامة. ومن أجل فهم قوات الدعم السريع، فإن من الضروري العودة إلى أبعد من مليشيات الجنجويد التي أرهبت المجتمعات غير العربية في دارفور قبل عقدين من الزمن.

وكان معظم رجال المليشيات هؤلاء من البدو الرحل الناطقين باللغة العربية الذين هاجر أجدادهم إلى دارفور قبل 300 سنة أو نحو ذلك. وقبل الاستعمار الأوروبي، كانوا أسياد الصحراء، وبنوا ثروات من التجارة ورعي الإبل، وكانوا ينظرون إلى الشعوب الزراعية ذات البشرة الداكنة في السافانا على أنهم أقل شأنا من الناحية الاجتماعية، وحتى عبيدهم.

‌ودمّرت الحدود الاستعمارية الجديدة والسكك الحديدية قوافلهم المربحة عبر الصحراء.

وفي العصر الحديث، كانوا من بين المجتمعات الأكثر حرمانا في السودان. وعلى مر العقود، تراجعت حياة بدو الإبل على حافة الصحراء، حيث جفت المراعي وأغلق المزارعون طرق الهجرة إلى السافانا الأكثر رطوبة. وينحدر آخرون من الجنجويد من تشاد المجاورة وبعضهم من أماكن أبعد. وكان بعضهم يحلم بتحويل الأراضي الخصبة، مثل دارفور، إلى مناطقهم الخاصة.

وأصدرت مجموعة تعرف باسم "التجمع العربي"، التي اجتمعت في المعسكرات الصحراوية في ليبيا تحت حكم العقيد معمر القذافي في الثمانينيات، بيانًا يسمى "قريش" يوضح كيف سيفعلون ذلك. وعندما اندلعت حرب دارفور في سنة 2003، تحالفوا مع البشير لتحويل أجندتهم العنصرية العربية إلى واقع.

وبالنسبة لسكان الصحراء، فإن قوات الدعم السريع تعدّ بمثابة مكتب توظيف وتكتل تجاري. فهي تجتذب المجندين من أماكن بعيدة مثل النيجر وتدفع لهم أموالاً سخية للقتال في السودان أو ليبيا أو اليمن.


وهناك أموال يمكن جمعها لحماية مناجم الذهب في دارفور وحقول النفط في ليبيا، وتهريب المهاجرين إلى البحر الأبيض المتوسط، ونهب جمهورية أفريقيا الوسطى بالشراكة مع مجموعة فاغنر، وإعادة بيع السلع المنزلية والسيارات المسروقة من الخرطوم إلى المشترين في غرب أفريقيا.


وذكرت المجلة أن شراكة قوات الدعم السريع مع مجموعة فاغنر تعود إلى الأيام الأخيرة من نظام البشير، عندما استولى حميدتي للتو على أكبر مناجم الذهب في السودان، بما في ذلك جبل عامر في دارفور.

وكانت روسيا مهتمة بالذهب والعمل إلى جانب مقاتلي قوات الدعم السريع كمضاعف للقوة. ومن المحتمل أن يكون زعيم فاغنر الراحل، يفغيني بريغوجين، قد اعترف بحميدتي على أنه روح عشيرة - رجل أعمال سياسي أظهر فعالية السياسات على غرار المافيا عبر الوطنية في أفريقيا.

ويُذكر أن حميدتي زار موسكو لمناقشة توقيع اتفاقيات في اليوم الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا.

حتى هذا الأسبوع، قاد حميدتي وشقيقه عبد الرحيم قوات الدعم السريع إلى حافة السيطرة على منطقة دارفور ومعظم كردفان المجاورة – بأسلحة قدمتها روسيا والإمارات العربية المتحدة، وهم يحتلون معظم الخرطوم.

ويتحدث دبلوماسيون عن "سيناريو ليبيا" الذي ينقسم فيه السودان مع سيطرة قوات الدعم السريع على العاصمة والمناطق الواقعة غربي النيل، بينما يقع الشرق تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية والإسلاميين. وسيكون هذا أمرًا كارثيًا، لكن لا يوجد سبب للاعتقاد بأن طموحات الأخوين دقلو ستتوقف عند هذا الحد.

ولا يقل النقد أهمية عن الأسلحة التي تمتلكها قوات الدعم السريع حيث تمتلك شركة آل دقلو، "الجنيد"، تدفقًا مستمرًا من النقد المتأتي من الذهب وغيره.

وعلى الرغم من أن المجمع العسكري التجاري المحيط بالقوات المسلحة السودانية وداعميها الإسلاميين أكبر، إلا أن قوات الدعم السريع و"الجنيد" لديهم أموال أكثر في متناول اليد.

وأوضحت المجلة أن قوات الدعم السريع مرتزقة عابرة للحدود الوطنية، وقواتها شبه العسكرية هي آلة نهب وكل مدينة اجتاحتها تتبع فيها نمطًا مشابهًا.

ويواصل مقاتلو قوات الدعم السريع وعناصر المليشيات المساعدة في أعمال العنف، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص واغتصاب النساء وإحراق ونهب المنازل، وهم يقومون بنهب المتاجر والشركات، ويخربون وينهبون المستشفيات والمدارس.


ولبعض الوقت، ظلّ متمردو دارفور السابقون الذين انضموا إلى الحكومة في سنة 2020 محايدين في الصراع، رغم الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد مجتمعاتهم غير العربية.

وأصبح عدم التدخل أكثر صعوبة مع اقتراب قوات الدعم السريع من مدينة الفاشر، المدينة الوحيدة المتبقية في دارفور التي لم تسيطر عليها بعد، وإعلان متمردين سابقين بارزين معارضتهم لقوات الدعم السريع. ومن المرجح أن تتحول معركة الفاشر إلى حمام دم للمدنيين.

وأوردت المجلة أنه على الرغم من الرسائل المطمئنة التي يرسلها مستشارو العلاقات العامة في قوات الدعم السريع والنداءات النموذجية للتهدئة، فإن القادة التابعين لحميدتي يشرفون على عمليات النهب.

ولا تعتبر العصابة التي تدعم البرهان أقل فسادا ووحشية فقد استهدفت غاراتها الجوية البنية التحتية الرئيسية مثل جسور الخرطوم، حتى لو نفت القوات المسلحة السودانية ذلك.

والبعض مصمم على أنه إذا لم يتمكن من حكم الدولة، فيجب أن تصبح في حالة خراب. وفي ما يبدو وكأنه محاولة لتخريب عملية السلام، تحاول وزارة الخارجية - التي يسيطر عليها الموالون للبشير - التنصل من تنازلات البرهان في جيبوتي. وهناك أعضاء في الحركة الإسلامية يريدون تسوية تفاوضية وحكومة مدنية.

وتبدو واشنطن قلقة من انتصار قوات الدعم السريع، وهذا يعني أن مجموعة فاغنر الروسية ستتواجد في خمس دول تمتد من بوركينا فاسو ومالي في غرب أفريقيا إلى البحر الأحمر، ومن شواطئ البحر الأبيض المتوسط في ليبيا إلى حوض الكونغو.

قبل 19 سنة، عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، كولن باول، أن مليشيات الجنجويد مسؤولون عن الإبادة الجماعية، فإنه كان بوسع الحكومة الأمريكية أن تضع الأجندة الدولية للسودان.

ولم يعد هذا هو الحال. وبينما كان باستطاعة إدارة جورج دبليو بوش أن تضغط بنجاح لنشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دارفور، فإن أي اقتراح مماثل سيواجه حق النقض شبه المؤكد من جانب الصين وروسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وفي الشهر الماضي، أمر البرهان - الذي لا يزال يمثل السودان في الأمم المتحدة - بإغلاق بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، وامتثل مجلس الأمن على النحو الواجب. ولا يقل أهمية عن ذلك أن دول الشرق الأوسط - بما في ذلك العديد من حلفاء أمريكا الرئيسيين في المنطقة - تسعى اليوم إلى تحقيق مصالحها الخاصة، وهو ما يتعارض أحيانًا مع سياسات الولايات المتحدة. وتمارس الإمارات تأثيرا كبيرا، إذ أصبحت اللاعب الخارجي الأكثر نشاطا في القرن الأفريقي على امتداد السنوات الخمس الماضية.

وعلى الرغم من أن أبو ظبي تنفي ذلك، إلا أن الأدلة تشير إلى قيام الإمارات بتسليح قوات الدعم السريع باستخدام قاعدة في تشاد تتخفى وراء مستشفى للسكان المحليين.

وقد أصبح الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، الحليف الأخير المتبقي للغرب في المنطقة، حاليا في خطر داهم. لقد مال نحو حميدتي، ما يعكس قوة المال  وولاءات جزء واحد من عائلته. لكن ديبي ينتمي إلى جماعة الزغاوة العرقية، التي يعارض قادتها في دارفور قوات الدعم السريع.

ويسيطر الزغاوة على الجيش التشادي. ولا يملك ديبي خيارات جيدة ولا خبرة في الإدارة في مثل هذه الأوضاع المضطربة.

واستخدم رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الأموال والإمدادات من الأسلحة لكسب تأييد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وكذلك ديبي. وتعمل هذه الرعاية على تحييد الاتحاد الأفريقي، الذي تتضمن مبادئه تعزيز الديمقراطية ومنع ارتكاب الفظائع.

ويرأس مفوضية الاتحاد الأفريقي وزير الخارجية التشادي السابق موسى فقي، الذي عاد إلى علاقات جيدة مع ديبي بعد خلاف بينهما في السنة الماضية، ولن يفعل أي شيء من شأنه أن يزعج الدولة المضيفة له، إثيوبيا. ويضع محمد بن زايد نفسه في موقع صانع الملوك في منطقة واسعة من أفريقيا.

وباعتباره حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة، فإنه يتمتع الزعيم الإماراتي بقدر كبير من الحرية في المناطق المجاورة له، بما في ذلك القرن الأفريقي. وتشارك كل من الإمارات وروسيا والسودان في تجارة الذهب. وقد بدأت قوات الدعم السريع بالتعامل مع مجموعة فاغنر في الأيام الأخيرة من نظام البشير، بعد سيطرة حميدتي على أكبر مناجم الذهب في السودان، التي تقع في جبل عامر في دارفور. وتقوم روسيا بتسليح قوات الدعم السريع من خلال قواعد في جمهورية أفريقيا الوسطى.


 ولم توجّه واشنطن انتقادات إلى الإمارات منذ فترة طويلة، لكن هذا الوضع يتغير. وفي جلسات استماع بالكونغرس الأسبوع الماضي بشأن منطقة الساحل والسودان، أثار النائبان الأمريكيان جون جيمس وسارة جاكوبس مخاوف بشأن الإمارات.

وتساءل جيمس: "هل الإمارات حليف أم عدو في إنهاء هذا الصراع دبلوماسيا؟"، وردت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، مولي في: "أعتقد أن الدعاية لهذه الجلسة وبيانكم وطلبكم من الإمارات النظر في التأثير الضار لدعمها لقوات الدعم السريع سيكون مفيدًا للغاية".

وذكرت المجلة أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يدعم البرهان، لكنه يشعر بالقلق إزاء الإخفاقات العسكرية للقوات المسلحة السودانية وعودة الإسلاميين السودانيين إلى الظهور كوسطاء السلطة الذين يقفون وراءها، فضلاً عن محاولات القوات المسلحة السودانية الحصول على أسلحة من إيران. كما أن اعتماد مصر على عمليات الدعم المالي الإماراتية يقيد خيارات السيسي.

وأقام رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، علاقة مع البرهان الذي أدخل السودان في اتفاقيات أبراهام، لكن الزعيم الإسرائيلي يشاركه نفس القلق بشأن إيران.

ويبدو ساحل السودان على البحر الأحمر أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية من أي وقت مضى، حيث يهدد الحوثيون في اليمن أي سفن تعتبر أنها تتفاعل مع دولة الاحتلال في الممر المائي الضيق.

ونظريًا، فإنه يمكن للسعودية أن تكون صاحبة النفوذ المعتدل، إذ أعربت عن انزعاجها بشأن السياسات الإماراتية، لكنها لم تكبح جماح جارتها بعد. ومن الواضح أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام في السودان دون موافقة أبوظبي والرياض والقاهرة.. لهذا السبب تحتاج الولايات المتحدة إلى مبعوث خاص يتمتع بمكانة بارزة للتأثير على قادة تلك الدول.

وليس لدى حكومة الولايات المتحدة خيارات سهلة، وهي تدرك أنه لا يوجد شيء اسمه تجاهل حميد في السياسة المتعلقة بأفريقيا. وتدرك الإدارة حاليا أنها بحاجة إلى تكثيف مشاركتها.