أثارت الأنباء التي كشفتها الصحافة الإيطالية عن تدمير
طائرة روسية بعد هبوطها في قاعدة جوية تابعة للواء الليبي خليفة
حفتر، بعض الأسئلة والتكهنات عن دلالة الحادث ومن يقف وراءه وعلاقته بخطوة موسكو إنشاء قواعد عسكرية في شرق
ليبيا.
ونقلت وكالة "نوفا" الإيطالية عن من أسمته مصدرا ليبيا مطلعا أن "طائرة روسية عسكرية من نوع "إليوشن" تحمل رقم "76" تدمرت بعد هبوطها في قاعدة الجفرة الجوية التي تسيطر عليها قوات حفتر في وسط البلاد"، وأن الطائرة كانت قادمة من القاعدة الروسية في اللاذقية بسوريا.
وأوضح المصدر، الذي يبدو من معلوماته أنه عسكري في قوات حفتر أن "الطائرة العسكرية كانت تحمل أجهزة إلكترونية مصممة للتشويش على أجهزة الاستقبال وأنها كانت معدة لدعم خطوة إنشاء فيلق عسكري روسي جديد يتم تدريبه في أفريقيا، وأن الشحنة كانت متجهة جزئيا إلى ليبيا وجزئيا إلى السودان أيضا عبر قاعدة "أم الجرس" في تشاد"، وفق المصدر.
"يد أمريكية"
وتوقع المصدر الليبي أن "يكون تفجير الطائرة الروسية تم عبر خطة أمريكية أو طائرة بدون طيار كون الحادث جاء بعد هجوم وغارة شنتها قوات "دولية" (دون ذكر جنسيتها) بالقرب من بلدة زلة، على بعد حوالي 200 كيلومتر شرقي الجفرة، بالقرب من الهلال النفطي الذي يقع تحت سيطرة قوات الجنرال حفتر"، وفق الوكالة.
ولم يصدر أي تعليق من قبل قوات حفتر حول هذه المعلومات حتى الآن، لكن القوات التابعة لحفتر في منطقة سرت والجفرة قامت بتكثيف تمركزاتها وأجرت مناورة عسكرية حضرها قادة كبار في جيش حفتر على رأسهم نجله اللواء صدام خليفة حفتر الذي يترأس العمليات في القوات البرية حاليا.
فمن يقف وراء استهداف الطائرات الروسية في شرق ليبيا؟ وهل بدأت "واشنطن" فعليا باستهداف التواجد الروسي في ليبيا؟
"نقطة ارتكاز"
الضابط الليبي السابق وعضو المجلس الأعلى للدولة، إبراهيم صهد، رأى من جانبه أنه "ليس ثمة ما يثبت حتى الآن أن استهداف وتدمير الطائرة الروسية في قاعدة الجفرة تم عبر عملية أمريكية، لكن إذا كانت "واشنطن" قد قامت فعلا بتدمير هذه الطائرة فلا بد من الاستغراب لعدم قيام روسيا بأي ردة فعل حتى الآن".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أنه "في جميع الأحوال تأخرت أمريكا كثيرا بل تجاهلت لوقت طويل تأثيرات وجود مرتزقة "فاغنر" الروس، سواء على المشهد الليبي أو بحقيقة ما مثله هذا الوجود كنقطة ارتكاز لتوسيع رقعة الوجود العسكري الروسي إلى بلدان الساحل وإلى ما وراءها"، وفق قوله.
"فرض سيطرة وإعادة تموضع"
في حين أكد الباحث التونسي في العلاقات الدولية، بشير الجويني، أن "التنافس الروسي الأمريكي الآن على أشده وزادته الحرب في أوكرانيا والتطورات في الشرق الأوسط، لكن يبقى السؤال: إلى أية درجة ستكون المرحلة المقبلة محددة في استراتيجيات كل منهما؟".
وأشار في تصريحه لـ"عربي21" إلى أنه "مع اختلاف الرؤى حول المرحلة المقبلة بين البلدين إلا أن هناك ثلاثة مرتكزات يجب وضعها في الاعتبار: الأولى، أن وجود روسيا على سواحل جنوب المتوسط أمر مرفوض وهو بمثابة العرف المستقر حتى الآن، ثانيا: تدفع أمريكا ثم تقهقر وجودها في أفريقيا ككل وشمالها على وجه الخصوص، وهي تعمل على تدارك الأمر بحضورها المباشر وبالعمل مع وكلاء من المنطقة والإقليم"، بحسب رأيه.
وتابع: "القاعدة الثالثة: تنبؤ التطورات الأخيرة أن أمريكا تحاول إيصال رسائل مباشرة للحلفاء أنها قادرة على إدارة ما سيقدم للخصوم وإن وقت الهدوء قد ولى، فهل سيكون ذلك عمليا مرحلة نزاع ميداني مسلح أم إن توازن الرعب هو الذي سيطبع المرحلة؟"، كما تساءل.
"تغذية الصراع الأفريقي"
وقال الباحث السوداني المتخصص في الملف الليبي، عباس محمد صالح، إن "قاعدتي الجفرة الليبية وأم جرس التشادية أصبحتا مؤخرا مصدر قلق حقيقي بشأن احتمالات تغذية الصراعات في المنطقة وزعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي أيضا".
وبخصوص الطائرة الروسية وتدميرها في قاعدة الجفرة، فإنه توقع أن "تكون الدول الكبرى هي التي تقف وراء هذه العملية رغم أن دول المنطقة، رغم افتقارها للقدرات العسكرية للقيام بمثل هذه العملية المتطورة، هي صاحبة المصلحة في تعطيل هذه القواعد العسكرية التي تهدد أمنها"، وفق تقديره.
وأضاف لـ"عربي21": "لكن واشنطن على وجه التحديد هي المعنية باحتواء النفوذ الروسي في القارة الأفريقية وتحديدا أنشطة مجموعة "فاغنر"، فهي تسعى لاحتواء المخاطر جراء عمليات نقل الأسلحة إلى مجموعات محلية وتهديد الأوضاع الهشة في بلدان المنطقة التي تعاني من عدم الاستقرار والاضطرابات".
"استغلال أحداث غزة"
ورأى المحلل السياسي الليبي وخبير الاستراتيجيات الدولية، أسامة كعبار، أن "روسيا تحاول استغلال الانشغال الأمريكي بالحرب الدائرة في غزة، وأن تنفذ مشروعاتها التوسعية في القارة الأفريقية من خلال البوابة الليبية، فأصبحت ليبيا اليوم رقعة شطرنج يحاول عدة لاعبين اتخاذ تموضعات جيواستراتيجية من خلالها".
وأشار إلى أن "روسيا حققت اختراقات كبيرة في القارة الأفريقية وتحديدا منطقة الساحل والصحراء من خلال البوابة الليبية على حساب فرنسا، وفشلت فرنسا في قراءة التعاون بين روسيا وحليفها حفتر، كما أن تركيا تتموضع بشكل ذكي بين الفرقاء الآخرين".
واستدرك قائلا: "لربما غضت أمريكا الطرف عن روسيا من خلال تهديدها مصالح فرنسا ووجودها في منطقة حزام ليبيا الجنوبي، لكن أي تموضعات جديدة لروسيا ستكون تهديدا مباشرا للمصالح الأمريكية ولن تسمح واشنطن بحدوث ذلك"، بحسب تصريحه لـ"عربي21".