دعا أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، لإجراء
"تقييم وطني شامل لكل ما جرى" بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة،
وذكَر أن لا أحد فوق القانون والمحاسبة والمساءلة، وأنه "يجب أن يكون هناك
حوار وطني
فلسطيني شامل مسؤول، وأن نتحلى بالمسؤولية وبالجرأة وأن نواجه أنفسنا
بكل صراحة وبكل مسؤولية ودون تردد، لا أحد فوق النقد"..
في ظاهر هذه الدعوة التي أسهب الشيخ فيها بكثير من النقاط عن المسؤولية
ودور
منظمة التحرير وبالإشارة المباشرة لـ"تكتيكات"
حماس والمقاومة وما
إلى ذلك؛ ما قد يعتبرها البعض "صحوة" في زمن العدوان الإسرائيلي، لكنها
بإنعاش أمريكي بعد زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى تل أبيب
ورام الله لمناقشة اليوم التالي بعد القضاء على حركة "حماس"..
يمكن أن تكون هواجس أمين سر اللجنة التنفيذية "صحيحة" وفي سياقها
لو أن هناك رغبة حقيقية للتقييم الشامل الذي ينادي به الكل الفلسطيني منذ ما بعد
أوسلو بأيام قليلة، أي منذ ثلاثين عاما، والسلطة تدير ظهرها لكل هذه الدعوات، لا
بل عطلت معظمها واختارت المضي في ملاحقة السراب المرتبط بالعلاقة مع الاحتلال
وأوهام السلام، إلى بقية القصة المعروفة عن ترهل السلطة الفلسطينية وتعطيلها لكل
المؤسسات ولأي حوار، وقمعها لأي نقدٍ للاحتلال وللسلطة.
حسين الشيخ هو أحد الرموز والأشخاص الذين يقودون "باقتدار" إسرائيلي عملية التنسيق الأمني العالي حتى في ذروة العدوان على غزة، ليحصل على الثناء الأمريكي الإسرائيلي لتعطيله أي تفعيل للنقد وقمعه أي تحرك في الشارع الفلسطيني لإرباك الاحتلال
وحسين الشيخ هو أحد الرموز والأشخاص الذين يقودون "باقتدار" إسرائيلي
عملية التنسيق الأمني العالي حتى في ذروة العدوان على غزة، ليحصل على الثناء
الأمريكي الإسرائيلي لتعطيله أي تفعيل للنقد وقمعه أي تحرك في الشارع الفلسطيني لإرباك
الاحتلال.
ولا يُفهم من كلامنا أننا ضد التقييم الوطني الشامل، لكن لتكن بدايته
بإلغاء تعيين "أمين سر" منظمة التحرير الذي وصل لمنصبه بدون انتخابات، وقبل
الإصلاحات التي تشمل المنظمة ومؤسساتها. ولأن المنظمة لديها أمين سر، وكل أسرارها
بين أيدي الشاباك وغرف التنسيق مع الاحتلال، فدون أن يتحرر الشعب من مرجعياته
المهترئة، لن يكون هناك تقييم يترك العقل طليقا يفتش عن الخطأ والصواب.
وينبغي النظر لهذه الطروحات في الوقت الذي يراكم فيه الاحتلال المجازر في
غزة، ويوسع العدوان في مدن الضفة من جنين شمالا إلى الخليل جنوبا والقدس. كان
الفلسطيني المقموع والمقتول يتأمل أفعال وممارسات وتصريحات السلطة من رئيسها إلى أمين
سرها، إلى أن جاء جيك سوليفان ليُفصح أمين السر عن الرغبة المشتركة في رؤية اليوم
التالي للفلسطينيين أن يكون "إسرائيليا"، أن تكون أيامنا مثل الأيام
التي يقضيها من هم تحت قبضة السلطة وتنسيقها الأمني، وأن تنفذ الرغبة الإسرائيلية
بأن يكون لها السيطرة الأمنية المباشرة على غزة بإدارة السلطة التي تكون قد أنهت
"التقييم الشامل" حسب المصلحة الأمريكية الإسرائيلية.
وبمنطق أمين السر القائل لرويترز "لا يوجد أحد فوق المساءلة أو منزها،
إذن يجب أن يكون تقييم وطني فلسطيني شامل لكل ما جرى وما سيجري في المستقبل"..
لكن ما جرى في الماضي أهم، وكان الطريق المعبد للكارثة التي وصلت إليها القضية
الفلسطينية برمّتها.
فحين يعتبر أمين السر لمنظمة التحرير أن اتفاق أوسلو "يتعثر" فيعني
أن هناك إمكانية لتقويم قدمي الاتفاق وجعله ينهض مجددا رغم كل الرهانات التي لا
علاقة لها بالتقييم السليم للمنطق وللتاريخ وللأحداث التي قتلت كل فرص السلام،
وليس القيام "بتعثيرها".
وعلى اعتبار أن رموز السلطة ما زالوا غرقى في متاهة الانفعال والتجريب
وتبديد الطاقات وضرب كل حوار وقمع كل نهوض وطني شامل، فإن الحديث يُفهم في سياقه
الإسرائيلي مع الرغبة الأمريكية في تحسين وضع السلطة الفلسطينية بإعادة نسخ دورها
الوظيفي في قطاع غزة لتأمين أمن الاحتلال، وهو شرط من شروط أوسلو وبند لم يتعرض للاهتزاز
والمراجعة والتقييم، وقد أكسب هذا الشرطُ السلطةَ الفلسطينية الكثير من عادات
وتقاليد التخلي الفعلي عن المشروع الوطني الفلسطيني التحرري بمعناه الواسع والضيق.
لأن هذا السلوك هو نتاج ثلاثة عقود من الحسابات النمطية لقيادات نمطية مستفزة لمساهمتها المباشرة في تراكم الأخطاء والكوارث، فينبغي النظر لطرح أمين السر في منظمة التحرير على محمل الجد، ومطالبته بتغيير نفسه ودوره وأن يكون لأمانة السر وللمنظمة وللفصائل والقوى التصاق بمشروع الفلسطينيين التحرري، وأن يكون التقييم الجاد والطليق يبدأ من المصلحة الفلسطينية الواسعة ويتجاوز الأطر الضيقة التي حشرت بها السلطة نفسها من خلال الابتعاد عن المصلحة الوطنية ورهانها على الاحتلال
مراقبة دور وسلوك وصمت السلطة الفلسطينية في جولة العدوان على غزة والضفة،
وانخراطها مع حالة عربية متصهينة حتى العظم، ليس بحاجة لشرح في إدارة صد العدوان
عن غزة وعن الشعب الفلسطيني في كل مدنه وقراه في الضفة والقدس وغزة، ولأن هذا
السلوك هو نتاج ثلاثة عقود من الحسابات النمطية لقيادات نمطية مستفزة لمساهمتها
المباشرة في تراكم الأخطاء والكوارث، فينبغي النظر لطرح أمين السر في منظمة
التحرير على محمل الجد، ومطالبته بتغيير نفسه ودوره وأن يكون لأمانة السر وللمنظمة
وللفصائل والقوى التصاق بمشروع الفلسطينيين التحرري، وأن يكون التقييم الجاد
والطليق يبدأ من المصلحة الفلسطينية الواسعة ويتجاوز الأطر الضيقة التي حشرت بها
السلطة نفسها من خلال الابتعاد عن المصلحة الوطنية ورهانها على الاحتلال، وهو ما
أدى لتبخر مشروع الدولة والسلطة في آن واحد.
أليست النداءات والمناشدات الكثيرة منذ ثلاثين عاما، تنادي بوقف المهزلة
الفلسطينية التي منحت الاحتلال هدوءا مكنه من السيطرة على الأرض وتوسيع عدوانه
مقابل البند "السحري" الذي ربط علاقة السلطة بالاحتلال؟ فكيف كان رد
السلطة على كل الدعوات والمناشدات التي اكتشفها أمين السر بحضور جيك سوليفان؟ الرد
معروف من خلال الجنرال الأمريكي كيث دايتون ونسله المتوالد في أروقة السلطة
الفلسطينية في رام الله، وواحد من الذين يسهرون على رعاية هذا النسل أمينُ سر
المنظمة نفسه مع بقية أزلامها الذين يسهرون على الحيلولة لمنع تقييم شامل؛ يبدأ
بدونهم وبدون وجود وظيفتهم المشتركة مع الاحتلال.
twitter.com/nizar_sahli