اتهم تقرير أصدرته المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد"، اللجنة الدولية للصليب الأحمر ووكالة "الأونروا"، بالفشل في القيام بواجباتهما تجاه سكان قطاع
غزة، بداعي الحياد.
وقالت "شاهد"، في بيان، وصل لـ"عربي21" نسخه منه، إن "المنظمتين المذكورتين فشلتا فشلا مهنيا
وأخلاقيا في توفير الحماية والرعاية التي كان يحتاجها سكان قطاع غزة، بشكل عام
وسكان الشمال على وجه الخصوص".
ورصد
التقرير، ملاحظات كثيرة على أداء تلك المنظمتين، من خلال شهادات وتقارير ميدانية، أو
من خلال تحليل البيانات والمواقف الصادرة عنهما.
وقالت "شاهد" في تقريرها، إنها "ليست المرة الأولى التي تواجه فيها
المنظمات الدولية في غزة تساؤلات حول الأداء".
وأظهر العدوان الأخير على قطاع غزة المحاصر، فشلاً عميقاً وخذلانا واضحا من طرف المنظمات الدولية للمدنيين، فيما يرقى إلى مستوى
التآمر على السكان في غزة، وفق التقرير.
وتناول التقرير بشيء من التفصيل، الولاية القانونية لعمل اللجنة
الدولية للصليب الأحمر، المنطلق من اتفاقيات جنيف والنظام الأساسي للجنة الدولية. كما
عرض الاختصاص النوعي والاختصاص المكاني.
وعدّد التقرير، أبرز الملاحظات
على أداء اللجنة من خلال عدة مواقف وأحداث، منها: عندما خذلت فيها اللجنة الدولية سكان غزة خلال عام 2014، وعندما تركت المدنيين تحت الأنقاض عقب مجزرة
الشجاعية شرق مدينة غزة.
وأرجعت فشلها إلى عدم توفر ضمانات لسلامة فرقها من قبل سلطات
الاحتلال الإسرائيلية. وكذلك الأمر فيما يتعلق بسكوت
اللجنة عن اقتحام جيش الاحتلال لمكتبها في القدس المحتلة، واعتقال نواب في المجلس
التشريعي الفلسطيني في 17/6/2011؛ إذ كانوا
موجودين فيه، وفي الوقت الذي صدر فيه بيان الاحتلال الإسرائيلي حول الأمر من أنه: "لا حصانة ولا أي وضعية
دبلوماسية تسري في مبنى
الصليب الأحمر"، لم يصدر أي موقف
ولا حتى توضيح لما جرى.
وكذلك الأمر
عندما استعانت اللجنة بقوات حرس الحدود
وشرطة الاحتلال عام 2016، بوجه ذوي الأسرى الذين اعتصموا أمام مقرها في القدس عقب
تقليص زيارات السجون.
أما فيما يتعلق بحرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، فقد كان الأداء أكثر
فشلاً عندما اقتحمت قوات الاحتلال
المستشفيات والمراكز الطبية من خلال حملة تشويه إسرائيلية واسعة النطاق.
وحينها طالبت
الهيئات الحكومية في غزة، المؤسسات الدولية، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وفي أكثر من مناسبة وفي مؤتمرات صحفية، بالدخول إلى جميع المستشفيات (الشفاء مثال) والاطلاع الميداني وأن هذه الأماكن مفتوحة لكشف
ادعاءات الاحتلال وإعداد تقاريرها حول المستشفيات وإطلاع العالم عليها ولكنها
وبداعي الحياد لم تقم بذلك.
أما الموقف الأكثر إثارة هو امتناع اللجنة الدولية عن إجلاء الأطفال حديثي الولادة
من مستشفى النصر الذين تركوا دون مرافق على أسرة المستشفى ليتم العثور عليهم بعد
ذلك ميتين، وفق التقرير.
وعقبت اللجنة على ذلك، بأن "الوضع الأمني لم يكن يسمح بذلك". وبخصوص
النداءات المتكررة لإنقاذ مصور الجزيرة، سامر أبو دقة، الذي ظل ينزف لمدة ست ساعات دون إنقاذه، فقد كان
فشل اللجنة أكثر وضوحاً وصدمة.
وطرح التقرير نفسه، عدة تساؤلات منها: "ألم تفشل اللجنة الدولية، أو على
الأرجح تمتنع، عن تنفيذ مهمتها المتمثلة في إنقاذ حياة المدنيين والنازحين في
مراكز النزوح؟".
بالإضافة إلى أسئلة حول: "من المسؤول عن الإعدامات الميدانية أثناء عملية إجلاء المرضى والنازحين من
المستشفيات بعد أوامر الإخلاء غير القانونية وغير الإنسانية التي أصدرها جيش الاحتلال
الإسرائيلي؟ أين التنسيق الثنائي حين ألقت اللجنة الدولية المدنيين للموت عندما
نصحت الناس بمغادرة المستشفيات وأشارت إلى أن الطريق آمن ليتم استهدافهم وقتلهم؟".
وأيضا، "لماذا لم تستجب اللجنة لنداءات المدنيين بالإنقاذ؟ ألم يتم استهداف قافلتها أثناء
توصيل المعدات الصحية إلى المستشفى؟ ولماذا تستمر اللجنة الدولية للصليب الأحمر
بإطلاق صفة "الرهائن" على الإسرائيليين و"المحتجزين" على
الفلسطينيين؟".
أما بخصوص وكالة "الأونروا" فقد اعتبر التقرير أن "الأخيرة هي الوكالة
الوحيدة التابعة للأمم المتحدة بموجب تفويض حصري من قبل الجمعية العامة للأمم
المتحدة، وهي الجهة الأكبر والأجدر من حيث
الكفاءة البشرية والمادية لتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين الذين
يشكلون 70 في المئة من سكان قطاع غزة".
وعرض التقرير الولاية القانونية والجغرافية
والاختصاص النوعي. كما عرض المهام والواجبات أثناء النزاعات وأن عملها تطور ليشمل
توفير خدمات الطوارئ، برغم أن نظامها الأساسي لا يفوضها المسؤولية في حالات
الحروب ولكن المجتمع الفلسطيني يعول كثيرا على عملها كتعبير عن إرادة المجتمع
الدولي إزاء أطول قضية لجوء عرفها العصر الحديث.
وعرض التقرير، ما تعرضت له وكالة "الأونروا" خلال الحرب الأخيرة على غزة، والمواقف الصادرة عنها حيال ذلك. وقال التقرير إنه "حتى تاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر، بلغ عدد العاملين في
الأونروا الذين قتلوا منذ بداية الأعمال العدائية 136 موظفاً".
في حين أن "299
نازحا لجأوا إلى ملاجئ الأونروا قد قتلوا
وأصيب 1,037 آخرون على الأقل منذ بدء الحرب. كما دمرت آلة الاحتلال الإسرائيلية
عدة مراكز ومدارس تابعة للوكالة أمام مرأى ومسمع العالم حتى تفاخر الجنود بالضحكات
الساخرة".
ورصد التقرير "المواقف الصادرة عن الأونروا التي اكتفت بوصف ما جرى
لمراكزها وموظفيها حيث ذكرت الفعل ولم تذكر الفاعل، أي أنها لم تشر بشكل واضح إلى
جيش الاحتلال الإسرائيلي".
واعتبر التقرير أن "الإدانة الخجولة المترددة غير كافية
خاصة أن الفاعل واضح جدا، وأن هذه المواقف لا تشكل أية ضغوط على الاحتلال حتى من
باب تشكيل رأي عام مساعد".
المسؤولية عن إخلاء الشمال
وفي 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قامت المنظمات الدولية، بما في ذلك اللجنة
الدولية للصليب الأحمر ووكالات الأمم المتحدة وكذلك الأونروا بإخلاء الشمال مما
أدى إلى الضغط على السكان المدنيين للانتقال جنوبًا.
كانت تلك استجابة فورية من هذه المنظمات للإنذارات التي وجهها لها
جيش الاحتلال الإسرائيلي بضرورة إخلاء المنطقة الشمالية من القطاع. وحينها شكلت إعلانًا
رسميًّا عن وقف خدماتها الصحية والإغاثية والإنسانية بشكل كامل في الشمال، وترك
أكثر من مليون نسمة عرضة للإبادة المفتوحة بلا حساب.
وقال التقرير إن "نقل موظفي المؤسسات الإغاثية والإنسانية وإن كان بدافع
الحفاظ على سلامتهم" و"لتعذر تقديم الخدمات أو القيام بمهامها في
الشمال، شكّل عاملاً دافعاً للنزوح الجماعي للسكان، إذ شكلت أداة ضاغطة حتّمت
التهجير القسري للسكان نحو جنوب القطاع خدمةً لسياسة الاحتلال في إخلاء الشمال".
كما أن إخلاء مقارها وهي على علم تام بمكوث آلاف النازحين داخلها
ودون أية ترتيبات أمنية أو تنسيق مع سلطات الاحتلال وفي ظل الإنذارات المتتالية
كان بمثابة العزل. هنا يطرح
التساؤل، أين تقع حصانة الأمم المتحدة ومنشآتها من العدوان، وهل تسقط هذه الضمانات
بإخلاء هذه المنشآت؟
وذكر التقرير قضية المخازن المليئة بالمواد التموينية والتي أظهرت إذا ما أخذنا تبريراتها على محمل الجد، تقاعس وكالة الأونروا عن تطويع إجراءاتها
العملية لتلائم حجم الكارثة الإنسانية وضرورات الطوارئ.
واعتبر التقرير أن "مبدأ الحياد الذي وضع لخدمة العمليات الإنسانية
وضمان الوصول إليها لم يعد إلا ورقة ترفعها المنظمات الدولية، كلما فشلت في عملياتها أو تقاعست عن أداء عملها".
وعلى الرغم من الانتقادات الحادة التي سجلت على أداء المنظمات
الدولية إلا أن التقرير اعتبر أنه لا يمكننا الاستغناء عن دورها لا في غزة أو في مناطق
أخرى. إذ أنها تعبر أن إرادة المجتمع الدولي من جهة ومن جهة الاحتياج الفعلي لا
خصوصا خلال العدوان والحصار، فضلا عن الدلالة القانونية التي تمثلها وكالة الأونروا بالمعنى السياسي لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
ومع ذلك اعتبر التقرير أن "مهام وصلاحيات هذه
المنظمات لا يجب أن تبقى على ما هي عليه (تقنياً، لوجيستياً، مادياً) بعد أحداث
السابع من أكتوبر. وأن خيار المساءلة الشعبية
يجب أن يبقى قائما".
وقدم التقرير، مجموعة من التوصيات، أهمها "عودة خدمات وكالة الأونروا، واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى جميع أراضي قطاع غزة لا سيما في الشمال، ودعوة
وكالة الأونروا إلى إعلان حالة طوارئ عاجلة وعقد مؤتمر دولي يوضح الاعتداءات
الإسرائيلية على منشآتها وقتل العشرات من المدنيين في مراكزها التي تتمتع بحماية
دولية خاصة، والمطالبة بفتح تحقيق دولي في قتل موظفيها الأممين".
كما دعا التقرير، الدول الأطراف المتعاقدة، على اتفاقيات جنيف لعقد اجتماع عاجل لتقييم مدى فعالية
الآليات الدولية لحماية المدنيين زمن الحرب (الحماية بمفهومها الشامل).