نشرت مجلة "
فورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا تحدثت فيه عن تأثير التقنيات الذكية على
العلاقات الدولية في سنة 2023.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن شركة أوبن إيه آي التي تتخذ من كاليفورنيا مقرًّا لها حددت مسار الأحداث لسنة 2023 في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 من خلال طرح روبوت الدردشة تشات جي بي تي، الذي حفز سباقًا عالميًا لتطوير نماذج أكثر قوة، وأنهت الشركة السنة بإقالة مديرها التنفيذي سام ألتمان بشكل مفاجئ، ليعود إليها بعد خمسة أيام بمجلس إدارة جديد وسلطات موحدة على ما يبدو على رأس السلطة.
وذكرت المجلة أن "تشات جي بي تي" والجدل الذي أعقب ذلك أثار قلق صناع السياسات في جميع أنحاء العالم؛ حيث تحركت الحكومات في
الولايات المتحدة وأوروبا والصين بسرعة لمحاولة وضع حواجز تنظيمية حول
الذكاء الاصطناعي، وسعت الجهود المتعددة الأطراف في اجتماعات مجموعة السبع ومجموعة العشرين والأمم المتحدة وقمة سلامة الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة إلى توسيعها .
وأوضحت المجلة أن هناك سببا وجيها للقلق؛ حيث يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على إعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع والديمقراطية في جميع أنحاء العالم، فضلًا عن التطبيقات العسكرية المهمة، وبعضها قيد الاستخدام بالفعل. ولا يحتدم السباق لتطوير الذكاء الاصطناعي بين الشركات فحسب، بل بين الدول.
وجاءت التحذيرات الصارخة من أولئك الذين يصنعون هذه التكنولوجيا؛ حيث تأرجح ألتمان - مثل كثيرين في صناعة الذكاء الاصطناعي - بين كونه مبشرًا ومتشائمًا، داعيًا إلى مزيد من التنظيم في واشنطن وخارجها. وفي معظم سنة 2023؛ كان الدبلوماسي الأبرز في الصناعة، حيث التقى بقادة من الهند وأستراليا والشرق الأوسط. وهذا بدوره أثار الذعر بشأن مدى التأثير الذي تمارسه الشركات الكبيرة على تطوير التكنولوجيا والإشراف عليها.
وأشارت إلى أنه في الوقت نفسه؛ حددت
الصين هدفها المتمثل في أن تصبح رائدة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول نهاية العقد، وقد حققت تقدمًا كبيرًا على عدة جبهات. وتهدف العديد من التحركات الكبرى الأخيرة في السياسة الخارجية التي اتخذتها واشنطن - مثل فرض قيود واسعة النطاق على أشباه الموصلات والاستثمار التكنولوجي في الخارج - إلى إبطاء تقدم بكين.
وتتمثل الأسئلة الكبرى حول الذكاء الاصطناعي في سنة 2024 فيما إذا كانت القواعد التنظيمية فعالة وقابلة للتكيف بالقدر الكافي لمواكبة القدرات سريعة التطور، وفي نهاية المطاف ما إذا كان بوسع البلدان في مختلف أنحاء العالم أن تتفق على حواجز الحماية. ومع انطلاق الانتخابات الوطنية في العديد من أكبر الدول الديمقراطية في العالم السنة المقبلة، لا يمكن إلا أن تكون المخاطر أكبر.
حراس بوابة الذكاء الاصطناعي ليسوا مستعدين لما هو قادم
على الرغم من أن التركيز المبكر على منافسة الذكاء الاصطناعي كان على الصناعة نفسها، إلا أن المحادثة توسعت بسرعة لتشمل كيفية تأثير التكنولوجيا التحويلية على الجغرافيا السياسية، وما هي الدول الأكثر استعدادًا للاستفادة من هذه اللحظة، وما الذي يحدد من سيتفوق في هذا السباق.
وتطرقت المجلة في مقال رئيسي بقلم بول شاري، نائب المدير التنفيذي ومدير الدراسات في مركز الأمن الأمريكي الجديد لهذا الجدل. وقال شاري إن الحكومات لا تستطيع تحمل تكاليف الجلوس على الهامش بينما تعمل الشركات الكبرى على تعزيز نماذج الذكاء الاصطناعي للقيام بأشياء أكبر وأفضل؛ أو أسوأ.
وقد تحققت العديد من توقعات شاري، فمع تضافر العديد من الجهود التنظيمية الوطنية وعبر الوطنية في الأشهر الأخيرة. لكن سنة 2024 ستجلب تحديات جديدة للجهات التنظيمية، بما في ذلك إمكانية تسهيل الذكاء الاصطناعي تنفيذ هجمات إلكترونية ضارة أو المساعدة في بناء أسلحة بيولوجية.
ما يمكن للولايات المتحدة أن تتعلمه من الصين حول تنظيم الذكاء الاصطناعي
ونوهت المجلة إلى أن أحد أكبر الأسئلة حول الذكاء الاصطناعي هو "من سيفوز في هذا السباق"، ولا سيما بين الولايات المتحدة والصين. وفي مقال آخر؛ سلط ماريانو فلورنتينو كويلار ومات شيهان من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي الضوء على السبب الذي قد يجعل هذا السؤال خاطئًا، وكيف ينبغي لكلا البلدين التركيز على كبح جماح التكنولوجيا ودرء "مخاطر الذكاء الاصطناعي".
وفي مقال يعود تاريخه إلى أيلول/ سبتمبر؛ قال شيهان إن لوائح الذكاء الاصطناعي الصارمة التي سنتها بكين يمكن أن توفر بعض الدروس لواشنطن، وأهمها الاستعداد إلى التكيف بسرعة مع التكنولوجيا بدلًا من السعي إلى وضع تشريعات شاملة، وكتب شيهان: "لقد اختارت الصين تطبيقات محددة كانت تشعر بالقلق إزاءها، وطورت سلسلة من اللوائح لمعالجة هذه المخاوف. وقد سمح ذلك لها ببناء أدوات سياسية جديدة وتنامي المعارف التنظيمية مع كل لائحة جديدة".
الذكاء الاصطناعي كالسلاح النووي !
ونظرًا لطبيعة الذكاء الاصطناعي المتغيرة النموذجية وإمكانية ارتكاب هذه التكنولوجيا حوادث كارثية؛ فليس من المستغرب أن تقارن على المستوى الجيوسياسي بالأسلحة النووية. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من بين الأصوات التي دعت إلى نظام عالمي لحوكمة الذكاء الاصطناعي على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الهيئة التي أنشئت في سنة 1957 لضمان منع الانتشار النووي.
وأفادت المجلة بأنه على الرغم من أن هذا النموذج يمكن أن يقدم بعض التوجيه، إلا أن هناك بعض الأسباب التي تجعله غير مناسب تمامًا لتنظيم الذكاء الاصطناعي، كما جادل بيل دريكسيل ومايكل ديب من المركز الأمني الأمريكي الجديد في حزيران/ يونيو. إن الذكاء الاصطناعي أكثر اتساعًا في تطبيقاته ويتحرك بسرعة كبيرة بحيث لا يمكن لنظام مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يكون فعالًا حقًّا. وكتب دريكسيل وديب: "تميل المعاهدات والاتفاقيات المتعددة الأطراف إلى التحرك بشكل أبطأ بكثير من الذكاء الاصطناعي". ومع اقتراب سنة 2023 من نهايتها؛ بدأت تتشكل بعض الجهود المتعددة الأطراف، ولكن الطريق لا يزال طويلاً أمامنا.
وذكرت المجلة أنه مع اكتساب تنظيم الذكاء الاصطناعي زخمًا في جميع أنحاء العالم، فمن المفيد أن نسأل من هم الأصوات المؤثرة في هذه الصناعة. في آب/ أغسطس؛ سلط باسكار تشاكرافورتي، عميد إدارة الأعمال العالمية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، الضوء على كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي إلى تفاقم التفاوتات في كيفية تخصيص شركات التكنولوجيا الكبرى للموارد للإشراف على المحتوى خارج الغرب.
وخلصت المجلة إلى القول إنه في منتصف آب/ أغسطس، أثناء أكبر مؤتمرات أمان الكمبيوتر في العالم، تعاونت ثماني شركات كبرى في مجال الذكاء الاصطناعي مع حكومة الولايات المتحدة لفتح نماذجها أمام ما يسمى بتمرين الفريق الأحمر. وكان الهدف من ذلك دفع تلك النماذج إلى القيام بأشياء ضارة، مثل تعليم المستخدم كيفية مطاردة شخص ما أو توليد حقائق مضللة.