شهد
الملف السوري تطورات دراماتيكية خلال عام 2023، حيث بدا تعثر المشهد السياسي على
سوريا واضحا إلا في جزئيات زادت الملف تعقيدا بعد حملة
التطبيع العربي مع النظام
السوري وإعادة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية.
وأمام
قطار التطبيع العربي استمر الرفض الغربي للتطبيع مع النظام، كما واصل النظام تعطيل
أي مسارات للحل السياسي رغم الجهود الحثيثة التي قام بها المبعوث الأممي الخاص إلى
سوريا غير بيدرسون الذي طرح مسار جديد في العملية السياسية والتي عرفت بمبدأ خطوة
مقابل خطوة إلا أن جميع الجهود مع النظام لم تحرز أي تقدم يذكر.
وسيطر
على المشهد السياسي في سوريا حالة من الجمود والتعثر حيث بدأت مبادرات التطبيع
العربي مع
النظام السوري منذ مطلع العام بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا
وكان تأثيره الأكبر في شمال غربي سوريا التي تسيطر عليها
المعارضة السورية.
قطار
التطبيع العربي
حقق
مسار التطبيع العربي مع النظام السوري اختراقا غير مسبوق منذ بدئه نهاية عام 2018؛
حيث مر بمحطتين رئيسيتين وهما التطبيع السعودي مع النظام وزيارة وزير خارجيته فيصل
المقداد للرياض في 12 نيسان/ إبريل وتبعه عقد اجتماع عمان، والبيان الصادر عنه في
1 أيار/ مايو، الذي رسم خارطة التطبيع العربي مع النظام، ثم جاء قرار عودة النظام
للجامعة العربية في 7 أيار/ مايو وحضور بشار الأسد القمة العربية في جدة في 19 من
الشهر ذاته.
وبدأت
أول خطوات التطبيع تظهر جلية مع زيارة رئيس النظام السوري إلى سلطنة عمان بتاريخ
20 شباط/ فبراير 2023 بعد كارثة الزلزال التي ضربت شمال غرب سورية، هي الأولى
المعلنة والرسمية له إلى خارج البلاد منذ عام 2011؛ حيث حظي فيها على خلاف
الزيارات السابقة نحو روسيا وإيران والإمارات بمعاملته كرئيس وفق المراسم الرئاسية
والدبلوماسية المتبعة دولياً.
عقدت
لجنة الاتصال الوزارية العربية المكونة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر
وأمين عام الجامعة والمكلفة بمتابعة تنفيذ بيان عمان اجتماعا واحدا في القاهرة
منتصف آب/ أغسطس، والذي انتهى بخيبة أمل عربية كبيرة تجاه سلوك النظام من ناحية
عدم تنفيذه أيا من مخرجات بيان عمان المؤيد بقرارات الجامعة، ما وضع التطبيع
العربي في مسار متعثر، ودون تحقيق تقدم يذكر فيه.
التقارب
التركي مع النظام
شهد
عام 2023 تطور اللقاء الثلاثي بين تركيا وروسيا والنظام الذي عقد في موسكو بتاريخ
28 كانون الأول/ ديسمبر 2022، بين وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات إلى لقاء رباعي
بعد انضمام إيران إليه، وتم رفع مستوى المشاركة لوزراء الخارجية، وذلك في موسكو
بتاريخ 10 أيار/ مايو 2023.
قدمت
روسيا خلاله مسودة خارطة طريق تسقط القرار 2254 (2015) تركز على قضايا مكافحة
الإرهاب والتنظيمات الانفصالية، وضمان أمن الشريط الحدودي بين سورية وتركيا، وعدم
جواز انتشار القوات العسكرية الأجنبية على الأراضي السورية، وتسهيل عودة اللاجئين،
وإعادة الروابط اللوجستية للنقل بين البلدين، واستئناف التعاون التجاري والاقتصادي
دون أي حواجز.
وشهد
التقارب التركي مع النظام أيضا في مسار متعثر لعدم استجابة الطرفين للطلبات المتبادلة
بينهما، حتى إنه لم يصل إلى مستوى تبادل العلاقات الدبلوماسية كما حدث في المسار
العربي، ولا إلى لقاء بين الرئيسين.
اللجنة
الدستورية المتعثرة
تعطلت
أعمال اللجنة الدستورية خلال عام 2023 عقب الاجتماع الأخير في حزيران/ يونيو 2022
بسبب ادعاء روسيا بعدم حيادية جنيف مقر انعقاد اللجنة، والشروط التي وضعتها لتسهيل
وصول دبلوماسييها إلى جنيف بعد العقوبات الأوروبية المفروضة عليها إثر الحرب على
أوكرانيا.
وأكد بيان
لجنة الاتصال الوزارية العربية الذي عقد في 15 آب/ أغسطس 2023 إلى استئناف أعمال
اللجنة الدستورية في العاصمة العمانية مسقط بديلا عن جنيف، لكن فشلت جميع المساعي
اللاحقة لعقدها في مسقط أو في أماكن أخرى تم اقتراحها؛ حيث تضمنت آخر إحاطة
للمبعوث الأممي الخاص عام 2023 تأكيده بعدم وجود مقر في المنطقة متوفّر ويحظى
بإجماع كافة الأطراف، فضلا عن عدم وجود أية مؤشرات على أن هذا الوضع سيتغير قريبا،
وأن تعطيل عمل اللجنة الدستورية لمدة عام ونصف بسبب مقر انعقادها كان بمثابة إشارة
خاطئة وانتكاسة للعملية السياسية، وأنه سيستمر بالبحث عن مقرات بديلة، لكن
بالتعاون من أجل تمكين اللجنة الدستورية من الانعقاد من جديد في جنيف.
بيدرسن
والخطوة مقابل خطوة
حاول
المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون عام 2023 بلورة مقترح الخطوة مقابل خطوة،
مؤكدا حصوله على دعم أوروبي وأمريكي وعربي، إلا أنه أكد أن تلك المساعي تمر في
مرحلة من الغموض بعد رفض من الجهات الفاعلة بسبب عدم تقديم النظام أي خطوات
لبناء ثقة حقيقية من خلال إجراءات منسقة ومتبادلة وقابلة للتحقق.
وأكد
بيدرسن أنه سيتابع مساعيه مع الأطراف السورية، والأطراف الإقليمية والدولية في هذا
الصدد، رغم الموقف المعلن من هيئة التفاوض، ومن النظام، ومن روسيا في رفض مقاربته.
مسار
أستانا الموازي لقرارات مجلس الأمن
عقدت وفود
مسار استانا في 20 و21 حزيران/ يونيو، الجولة 20 من المباحثات، وكانت أول جولة تعقد
بعد إعادة النظام إلى
الجامعة العربية، وبعد انطلاق مسار تطبيع التقارب التركي مع
النظام وقد عقد على هامش الجولة اجتماع رباعي، على مستوى نواب وزراء الخارجية
التركي والروسي والإيراني والنظام، لبحث مسودة خارطة طريق التطبيع بين دمشق
وأنقرة، التي اقترحتها روسيا بعد الاجتماع الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية في
موسكو بتاريخ 10 أيار/ مايو.
انتهت
الجولة 20 بالاتفاق على عقد الجولة 21 من المباحثات في النصف الثاني من عام 2023
دون تحديد المكان وهو أستانا كما جرت العادة في الجولات السابقة، لكن ذلك لم يحدث
فعليا، عكس عدم انعقاد الجولة 21 رغبة النظام في إنهاء السبب الذي وافق بموجبه على
دخول القوات التركية إلى سوريا لضمان نظام وقف إطلاق النار بموجب مذكرة خفض
التصعيد (2017)، كذلك عكس استغلال النظام للوضع الناشئ بعد التطبيع العربي،
واستعادة مقعده في الجامعة حيث يعتبر النظام أن الإجراءات التي يتم من خلالها
التعامل مع وفد المعارضة كطرف ثاني يمثل الشعب السوري قد تلاشت لذلك فهو يرى أنه
لا معنى لاستمرار مسار أستانا مع تقويض شرعية المعارضة المستمدة ابتداء من قرارات
الجامعة العربية، وأنه يمكن حل القضايا الأخرى مع تركيا بشكل ثنائي أو عبر صيغة
معدلة عن أستانا، دون حاجة لوجود وفد المعارضة فيها.
الموقف
الأمريكي والغربي من التطبيع
وحيال
التطبيع العربي مع النظام السوري أبدت الولايات المتحدة والدول الغربية موقفا
رافضا لمسار التطبيع العربي والتقارب التركي مع النظام السوري؛ حيث تم الإعلان في
بيان رباعي مشترك بتاريخ 16 آذار/ مارس أكدت فيه الولايات المتحدة وبريطانيا
وفرنسا وألمانيا، عدم تطبيع العلاقات مع النظام قبل أن تشهد على تقدم حقيقي ودائم
نحو حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (2015)، ويستند إلى
العدالة والمحاسبة، وكذلك، عدم تمويل إعادة إعمار الأضرار التي تسبب بها النظام
خلال النزاع، وعدم رفع العقوبات المفروضة عليه قبل حدوث ذلك التقدم، وأن هذا هو
السبيل الوحيد لتحقيق السلام المستقر في البلاد.
رأت
الإدارة الأمريكية أن النظام لا يستحق العودة للجامعة العربية، وأن العودة كان يجب
أن تكون مربوطة بخطوات أمنية وإنسانية وسياسية ملموسة من جانب النظام، لكنها لم
تحبط التطبيع العربي بالكلية على أمل أن يحقق بعض الأهداف التي تتفق مع مصالحها في
المنطقة، ولاستثماره في مواجهة المسار الرباعي للتطبيع التركي. بالمقابل، حرصت على
استمرار وجود المعارضة السورية ودورها، وإظهار الدعم لها، وللمبعوث الخاص،
وللعملية السياسية الأممية.
انقسامات
المعارضة السورية
مرت
المعارضة السورية الرسمية ممثلة بالائتلاف والمؤسسات التابعة له، وهيئة التفاوض
واللجنة الدستورية المنبثقة عنها، بواقع غير مسبوق عام 2023؛ حيث واجهت واحدا من
أسوأ الأعوام في مسيرتها، تمثل في ضعف الاهتمام بالملف السوري عموما، وبالمعارضة
السورية خصوصا بعد أن خسر الائتلاف مقعد الجامعة العربية بعودة النظام لاستلامه،
وبعد أن خسرت هيئة التفاوض مقرها في الرياض.
جاء
ذلك في ظل عمليات التطبيع العربي والتقارب التركي مع النظام، والتعطيل الكامل لعقد
اللجنة الدستورية، والانشغال الدولي بالغزو الروسي لأوكرانيا، ثم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
لم
يحدث تغيير بنيوي، أو في مستوى القيادة في صوف المعارضة، عدا وصول قيادة جديدة
للائتلاف بدت عاجزة عن إحداث تغيير فعلي لتحسين أداء الائتلاف في المهام المناطة
به، وخصوصا في إدارة الشمال السوري،
تحركات
النظام السوري
حقق
النظام السوري خلال عام 2023 اختراق جديد في مسار التطبيع العربي باستعادة مقعد
سوريا في الجامعة العربية وحضور رئيس النظام بشار الأسد القمة العربية التي عقدت
في السعودية في أيار/ مايو وذلك لأول مرة منذ عام 2010.
وحاول
النظام الاستثمار في كارثة الزلزال للتخلص من عزلته الدولية، حيث استغلت العديد من
الدول العربية الكارثة للتواصل مع النظام بدعوى الدبلوماسية الإنسانية ومن جانبه استفاد
النظام من ظروف الكارثة باستعادة السيادة على معابر باب السلامة وباب الراعي شمال
حلب والخاضعين لسيطرة المعارضة؛ حيث منح الأمم المتحدة إذنا لاستخدامها من أجل
توسيع دخول المساعدات التي كانت تمر فقط عبر معبر باب الهوى.
وشهدت مناطق النظام عام 2023 سلسلة احتجاجات واسعة في درعا والساحل فضلا عن
السويداء التي كانت الحدث الأبرز؛ حيث اتسمت موجة الاحتجاج هذه المرة بالسقف
المرتفع للمطالب وباستهداف الرموز التابعة للنظام كحرق اللوحات التي تحتوي على صور
حافظ وبشار الأسد ورمي بعضها في القمامة كتعبير عن حجم الغضب الشعبي العارم
والمستمر منذ منتصف آب/ أغسطس.
وكانت
أبرز أسباب تلك الاحتجاجات تدهور الوضع المعيش والأزمة الاقتصادية التي تمر فيها البلاد،
لتتحول إلى كرة نار تتخطى البعد المعيش وشهدت احتجاجات السويداء، رفعا لرايات
الثورة السورية للمرة الأولى، وتوسعت إلى درعا، وطالب المتظاهرون في المحافظتين
برحيل النظام، وإطلاق سراح المعتقلين، وتطبيق القرار الأممي 2254. ولاقت
الاحتجاجات مؤازرة في ريف دير الزور، وريف حلب وإدلب، كما ظهرت تحركات محدودة في
مناطق سيطرة النظام في العاصمة دمشق، وطرطوس في غرب البلاد.
الإدارة
الذاتية الباحثة عن مخرج
حاولت
الإدارة الذاتية التي تمثل الجانب المدني والسياسي للمناطق التي تسيطر عليها قوات
سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا التقدم خطوة إلى الأمام فأعلنت الإدارة
الذاتية عن المصادقة على العقد الاجتماعي لمناطق سيطرة قسد، في 12 كانون الأول/
ديسمبر، والذي بموجبه تم اعتبار هذه المناطق إقليما قائما بحد ذاته في ما يبدو أنه خطوة
جديدة نحو تنفيذ مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي للانفصال أو على الأقل تطبيق
مبدأ الكونفدرالية كما ورد في العقد نفسه، وأسس هذا العقد أيضا
لانتخابات عامة لهذه الإدارة يفترض إقامتها خلال عام 2024.