نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية، تقريرا، أعدّه المحرر الدبلوماسي، باتريك وينتور، قال فيه إن "الطلب الذي تقدمت به
جنوب أفريقيا لمحكمة
العدل الدولية لإصدار أمر عاجل بحق إسرائيل التي تنتهك التزاماتها في اتفاقية
الإبادة الجماعية لعام 1948، يرفع الرهانات".
وأوضحت الصحيفة، أن "قرار إسرائيل الدفاع عن نفسها أمام المحكمة سيجعل من الصعوبة عليها تجاهل أي نتيجة سلبية"، مضيفة أن "طلب جنوب أفريقيا إصدار أمر مؤقت لمنع إسرائيل من ارتكاب أفعال إبادة محتملة - ووقف العمليات القتالية في المقام الأول - أخذ طابعا ملحا ومتعلقا لم يكن معقولا قبل أسبوعين".
وتابع المحرر الدبلوماسي، أنه "قد تم تجميع فرق قانونية وأصدرت دول بيانات داعمة لجنوب أفريقيا، حيث قالت إسرائيل إنها ستدافع عن نفسها أمام المحكمة، متخلية عن سياسة عقود من مقاطعة المؤسسة التابعة للأمم المتحدة وقضاتها المنتخبين وعددهم 15 قاضيا".
وتم تحديد الجلسة الأولى في هيغ يومي 11 و 12 كانون الثاني/ يناير، ولو كانت هناك سوابق فمن المرجح أن تصدر المحكمة قرارا مؤقتا في غضون أسابيع، وبالتأكيد وسط استمرار هجمات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر. بينما جاء طلب جنوب أفريقيا، لحكم مؤقت متطابقا مع الوجهة العامة في محكمة العدل الدولية بقرارات كهذه.
إلى ذلك، سعت الأطراف للحصول على تدابير مؤقتة بوتيرة منتظمة وحصلت عليها. فقد أصدرت المحكمة في العقد الماضي تدابير مؤقتة في 11 حالة، مقارنة مع عشر قرارات في الخمسين الأولى من إنشائها، أي ما بين 1954 و1995. ومثل الأوامر المؤقتة الصادرة عن المحاكم الوطني، تسعى التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية إلى تجميد الوضع القانوني بين الأطراف للتأكد من نزاهة الحكم النهائي في المستقبل.
وكانت الأحكام الصادرة عن المحكمة، ولفترة قصيرة، محلا للشكوك وكونها ملزمة. إلا أن هذه الشكوك تبددت في الحكم الصادر في قضية لاغراند عام 2001، حيث اعتبرت الأحكام ملزمة، نظرا "لوظيفة المحكمة الأساسية للتسوية القضائية في النزاعات الدولية". ويقصد من الأحكام أن تكون ملزمة ولكن هي من الناحية العملية؟
ويجيب تقييم أعده المحامي الأمريكي، ماتي أليكيانو، أن الدول التزمت في قرارات المحكمة بنسبة 50 في المئة من الحالات، وفي بعضها، وبخاصة الكبرى مثل أوكرانيا ضد روسيا خلال عام 2022؛ ومزاعم الإبادة في غامبيا ضد ميانمار في 2020 وناغورو كاراباخ والعقوبات الأمريكية ضد إيران، تحدت الدولة المهزومة المحكمة. وليس غريبا أن تزيد حالة عدم الإلتزام بالقرار كلما كان متدخلا في السيادة الوطنية.
ولو وضعنا جانبا، قضية التزام الاحتلال الإسرائيلي بأي أمر من محكمة العدل الدولية لتغيير أساليبها العسكرية والتوقف عن أي فعل يعتبر إبادة جماعية، فإن الضرر على سمعة الاحتلال الإسرائيلي، بسبب الأمر ستكون جوهرية، وربما أدى في الحد الأدنى لتعديل في حملتها العسكرية.
كذلك، فإن قرار دولة الاحتلال الإسرائيلي الدفاع عن نفسها أمام محكمة العدل الدولية، التابعة للأمم المتحدة، ومن ضمن الموقعين على ميثاق الإبادة يجعل من الصعوبة عليها تجاهل أي نتيجة سلبية.
ويرى الكاتب أن "إسرائيل أمام مخاطرة عالية، لكن ما هي فرص التوصل لنتيجة سلبية؟"، مردفا بأنه: "يجب القول إن طلب جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية جاء مفاجئا، في 29 كانون الأول/ ديسمبر، لكنه لم يكن تحركا قام المحامون بتجميعه وهم يفتحون هدايا أعياد الميلاد. فإن الطلب مجهز بعناية ويتكون من 80 صفحة وحافل بالتفاصيل والإشارات لمسؤولي الأمم المتحدة البارزين وتقاريرهم، ولا ينحرف عن هدفه الأساسي، أي إثبات أن إسرائيل لديها نية إبادة جماعية".
وسوف ترسل جنوب أفريقيا أفضل ما لديها من محامين إلى هيغ، ومعظم الجدل القانوني الذي قدمته جنوب أفريقيا، قائم على التدابير المؤقتة للمحكمة في حالة غامبيا ضد ميانمار في 2020. وبحسب الطلب فإن "الأفعال والإهمال من جانب إسرائيل هي إبادة جماعية في طبيعتها وارتكبت بهدف محدود مقصود لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من الهوية الوطنية الفلسطينية الإثنية والعرقية بشكل عام".
وإن "سلوك الاحتلال الإسرائيلي، عبر مؤسسات الدولة وعملاء الدولة والأشخاص الآخرين والكينونات التي تصرفت بناء على توجيهاتها وتتحكم بها أو تؤثر عليها؛ وفي ما يتعلق بالفلسطينيين في غزة، هي انتهاك التزاماتها لميثاق الإبادة".
وبطلب جنوب أفريقيا قرار تخفيف بناء على بند 74 للمحكمة كمضاد لحكم قاطع، فإنها "خفضت عتبة المطلوب منها إثباته قبل أن تقدم المحكمة القرار المخفف وربما التخفيض من بعض شروط الصلاحية القضائية التي تواجه المحكمة. وبالتأكيد تناقش جنوب أفريقيا أن "المحكمة ليس مطلوبا منها التأكد من حدوث انتهاكات إسرائيلية بناء على ميثاق الإبادة الجماعية".
كذلك، فإنه "عوضا عن هذا، فما يطلب من المحكمة عمله في مرحلة إصدار القرار بشأن التدابير المؤقتة هو تحديد ما إن كانت الأفعال محل الشكوى، يمكن أن تندرج تحت بنود ميثاق الإبادة الجماعية. ولا تحتاج المحكمة لأن تثبت أن الأفعال محل الشكوى يمكن أن تقع تحت بنود الميثاق".
وما يكفي في هذه الحالة هو أن "بعض الأفعال، على الأقل تندرج ضمن بنود الميثاق". و"بالمثل لا تحتاج المحكمة لأن تستخلص من المواد المعروضة أمامها أن نية الإبادة الجماعية هي النتيجة الوحيدة، لأن هذا الشرط من شأنه دفع المحكمة بالبت في مزايا الدعوى".
وتحاول جنوب أفريقيا إثبات أن أفعال دولة الاحتلال الإسرائيلي ذهبت أبعد من مجرد الدفاع عن النفس إلى تدمير الفلسطينيين. ويحتوي الزعم المقدم على التفاصيل المعروفة والصادمة وحصيلة الموت والتهجير القسري والحرمان من الطعام والقيود على الولادة من خلال الهجوم على المستشفيات، وهي أدلة كافية لاستخلاص نية الإبادة الجماعية منها.
ويضيف الزعم عنصرين آخرين، مستوى تدمير الحياة الثقافية واستهدافها ومستوى تبني مسؤولين الاحتلال الإسرائيلي وبدون رادع تدمير الفلسطينيين وليس حماس. وتقدم جنوب أفريقيا عدة تفاصيل من "التحريض المباشر والعام من مسؤولي دولة إسرائيل لارتكاب إبادة جماعية، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".
وقد تم توثيق التهديد بجعل غزة منطقة غير قابلة للسكن، والإشارة للفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية، في الطلب المقدم من جنوب أفريقيا. إلى جانب دعوات وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن، إيتمار بن غفير، لإعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة، حيث وثقت أيضا.
وفي داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي كتب مسؤولون سابقون إلى النائبة العامة غالي بهاراف- ميرا، يطالبونها باتخاذ إجراءات ضد المسؤولين الذين دعوا للتطهير العرقي. ووقع على الرسالة السفير السابق، ألون ليل، والبروفيسور، إيلي بارنافي، وإيلان باروخ، وسوزي باتشار. وقالوا: "أصبحت الدعوات الواضحة لارتكاب جرائم ضد ملايين الناس، ولأول مرة تمر علينا، جزءا مشروعا وطبيعيا في الحوار الإسرائيلي".
ولكن على المحكمة أن توازن الدعوى الجنوب أفريقية، بالنقاش، مثل تردد نتنياهو في الحديث عن خطط اليوم التالي للحرب في غزة، مما قد يعقد عملية إثبات نية الإبادة الجماعية.
وفي محاولة للرد على الدعوى من جنوب أفريقيا، قام المتحدث باسم حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي، إيلون ليفي، بجولة ركز فيها على حق الدفاع عن النفس والطرق "الإبداعية" لتقليل عدد الضحايا المدنيين.
وتساءل عن الطلب من جنوب أفريقيا التي ليست على خلاف حقيقي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وشكك في نيتها الحقيقية كمعارض للإبادة الجماعية في ضوء دعمها للرئيس السوداني السابق، عمر البشير، المتهم بجرائم حرب في دارفور. واتهم جنوب أفريقيا بالمدافع الخير عن حماس.
وحاولت جنوب أفريقيا حماية نفسها، من خلال شجب عملية حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وإرسال ملاحظة أولية للدعوى التي لم ترد عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي. وقالت إن "كلا البلدين وقعا على ميثاق الإبادة الجماعية 1948 ويقضي التزامهما ببنوده".