كشف موقع “
ميدل إيست آي” البريطاني، عن قتل أحد قناصي جيش
الاحتلال الإسرائيلي سيدة
فلسطينية عقب استهدافها بشكل مباشر ومتعمد، فيما كان حفيدها بجوارها يلوح بعلم أبيض، خلال محاولتهما الفرار من مدينة
غزة نحو مناطق جنوب القطاع، التي يزعم الاحتلال أنها "آمنة".
وبحسب المقطع المصور الذي حصل عليه الموقع بشكل حصري، فإن الفلسطينية هالة رشيد عبد العاطي كانت تسير مع مجموعة من المدنيين الفلسطينيين أثناء محاولتهم الفرار من حي الرمال بمدينة غزة في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وهي تمسك بيد حفيدها الذي كان يلوح بالعلم الأبيض، قبل أن تقتلها رصاصة واحدة أطلقها جندي إسرائيلي.
ومن الممكن في المقطع المصور، سماع الشخص الذي كان يسجل المشاهد من المبنى المجاور، وهو يقول: “تم إطلاق النار على المرأة؛ لقد أطلق الأوغاد (جيش الاحتلال الإسرائيلي) النار على المرأة”.
كما أنه من الممكن رؤية رجل فلسطيني من المجموعة وهو يتوجه نحو هالة عقب إصابتها من قبل جيش الاحتلال، في حين كان حفيدها تيم البالغ من العمر 5 سنوات، يركض نحو المارة للاحتماء من الرصاص الإسرائيلي.
وبحسب عائلة هالة، فإن الرصاصة أطلقت من منطقة تمركز لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وشدد الأفراد الناجون من عائلة هالة، في حديثهم لـ" ميدل إيست آي"، على أن قرار العبور من هذا الطريق خلال نزوحهم من مدينة غزة جاء بالتنسيق مع الصليب الأحمر الذي قاموا بالاتصال به عدة مرات.
وكان الصليب الأحمر، بدأ في أعقاب معركة "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إلى جانب العديد من الدول الإقليمية الأخرى والولايات المتحدة، العمل مع الاحتلال لإنشاء “مناطق آمنة” افتراضية تسمح للفلسطينيين بالانتقال من شمال غزة إلى الجزء الجنوبي من القطاع.
وكان موقع “ميدل إيست آي” قد نشر، في وقت سابق، تقريرا عن الغارات الجوية الإسرائيلية ونيران القناصة التي أدت إلى مقتل العشرات من المدنيين الذين اتجهوا على مضض إلى ما يسمى “المناطق الآمنة” للوصول إلى جنوب غزة بعد أن تلقوا تعليمات بذلك من قبل الجيش الإسرائيلي وحكومته.
ونقل الموقع عن سارة باسم خريس، إحدى بنات هالة، قولها إنه قبل يوم واحد من فرار أسرتها من منزلهم، حاصرت القوات الإسرائيلية حيهم، ونشرت الدبابات والقناصة في المنطقة السكنية المكتظة بالسكان.
وأضافت: “استيقظنا على أصوات الصراخ وبكاء الناس… وبعد ساعتين من محاصرة الدبابات، اتصلنا بالصليب الأحمر لمساعدتنا في محاولة الإخلاء، فأخبرونا أنهم توقفوا عن العمل في شمال غزة، وأن المنطقة التي نتواجد فيها أصبحت ساحة معركة خطرة، وأنه يتعين علينا مغادرة المنطقة على الفور”.
ولفتت سارة في تصريحاتها للموقع البريطاني، إلى أن الأسرة بدأت تفقد الأمل مع اقتراب الدبابات لكنها قررت الاتصال بالصليب الأحمر مرة أخرى، الذي قال إن الوضع أصبح خطيرًا بشكل متزايد وأنهم مضطرون إلى المغادرة.
"رأيتُها تسقط على الأرض"
وذكرت سارة أنه في صباح اليوم الذي قُتلت فيه أمها، استيقظت العائلة بأكملها وصلوا معا مع اشتداد أصوات القنابل الإسرائيلية التي تقصف حيهم؛ ثم أعدت لهم هالة الإفطار وهم جالسون يقرؤون القرآن قبل الاستعداد للمغادرة.
وقالت إنهم وافقوا على الخروج فقط عندما أمكن سماع صراخ جيرانهم الذين حثوهم على المغادرة، وهو ما قالوا إنه تم تنفيذه بناءً على تعليمات من الصليب الأحمر، وفقا للموقع.
ومضت سارة قائلة: “في حوالي الساعة الـ11 صباحًا، سمعنا صوت القناصين والقنابل، وكان جيراننا يصرخون “ارحلوا، ارحلوا”، لذلك التقطنا أمتعتنا، وحملنا الأعلام البيضاء وغادرنا، بينما كانت الطائرات الحربية تحلق فوق رؤوسنا وكانت الذخيرة الحية تُطلق علينا بشكل عشوائي”.
ووفقا لحديث سارة، فقد غادروا منزلهم باتجاه شارع الشهيد عبد القادر الحسيني ثم باتجاه شارع عمر بن عبد العزيز، موضحة أن ما لا يقل عن 100 شخص آخرين انضموا إليهم، معظمهم من النساء والأطفال.
وأوضحت أنه بمجرد خروجهم إلى منتصف الطريق، رأت والدتها تسقط على الأرض مع دوي صوت إطلاق النار.
وقالت: “كانت والدتي ممسكة بحفيدها (ابن أختي) الذي سقط على الأرض عندما قُتلت”، مضيفة: “صرخت من أجل أمي.. وشعرت أننا نذوق الموت ألف مرة في كل دقيقة”.
أما هبة، شقيقة سارة خريس، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 28 عاما، فقد قالت في تصريحاتها لموقع “ميدل إيست آي”، إن سكانا محليين آخرين أخبروا أسرتهم مرارا وتكرارا بأنهم سيغادرون معًا لأن الوضع سيكون أكثر أمانا على الأرجح.
وأضافت: “التعليمات التي تلقيناها استندت إلى معلومات من الصليب الأحمر؛ حيث قيل لنا إنه سيكون هناك ممر آمن إلى جنوب غزة، وكانت والدتي تحمل ابني تيم”.
وأردفت: “كنت عند مخرج منزلنا أنتظر زوجي عندما سمعت صوت الذخيرة الحية وصراخ أختي وابنة عمي. وظلوا يصرخون “ارجعي.. ارجعي”، ثم رأيت جثة أمي هامدة. ثم خاطر أخي محمد، البالغ من العمر 22 عاما، بحياته للذهاب لأخذ جثة والدتي من الشارع وإعادتها إلى المنزل”.
وبحسب هبة، فإن والدتها عندما استشهدت، كانت تحمل معها أكياسا من الخبز وزيت الزيتون لأنها لم تكن متأكدة من المدة التي سيبقونها بعيدا عن المنزل وما إذا كانوا سيحصلون على الطعام وغيره من المؤن الأساسية.
ولفتت هبة إلى أن استشهاد والدتها عقب استهدافها من جيش الاحتلال، أدى إلى فصلها هي وزوجها يوسف عن ابنهما تيِّم منذ ذلك الحين، ما أضاف إلى معاناتهم المزيد من الألم والعذاب غير المحدود.
ونقل الموقع عن يوسف قوله: “كنت أجمع الأغراض في منزلنا وأستعد للمغادرة عندما سمعت الصراخ في الخارج. لم أكن أعتقد أنها عائلتنا… فخرجت للبحث عن تيّم ورأيت دبابة قريبة جدا منا. وعندما عدت إلى المنزل كانت حماتي ميتة في الداخل وكان تيم مفقودا”.
وبعد استشهاد جدته؛ تم نقل تيم إلى النصيرات من قبل أحد الجيران ومن ثم إلى رفح في جنوب غزة؛ حيث يوجد مع عمته، وليس من الواضح ما إذا كان والداه سيريانه مرة أخرى ومتى، وفقا لما أورده الموقع.
وتحدثت ابنة خالة هبة وسارة، ملك أنور الخطيب، 18 عاما، عن اللحظة التي قُتلت فيها هالة عبد العاطي بالرصاص، قائلة: “بعد استشهادها، تم نقل خالتي إلى منزلها وحاولنا إنقاذها لكنها كانت ميتة بالفعل، فصلينا على جثمانها ودفناها بالقرب من المنزل… وبعد ذلك؛ قيل لنا إن الصليب الأحمر سيساعدنا على المغادرة مرة أخرى ولكننا فقدنا الثقة ولم نكن مستعدين للمخاطرة بالمزيد من عائلتنا”.
وذكر الموقع أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم يرد على الأسئلة المتعلقة بمقتل هالة عبد العاطي، لكن صورة نشرها الجيش في نفس يوم الحادثة تظهر دبابات الجيش وقناصة متمركزين في شارع النصر، وهو طريق مواز لمنزل هالة، ويظهر في الصورة أيضا تواجد قوات الاحتلال في منطقة التقاطع الذي أطلقت منه الرصاصة.
وتواصل موقع “ميدل إيست آي” مع الصليب الأحمر للتعليق، لكنه لم يتلق ردا حتى وقت النشر.
وقالت الأسرة، إنهم بعد ذلك دفنوا هالة عبد العاطي بالقرب من منزلهم، وهو أمر يقولون إنهم ممتنون له؛ حيث لا تزال العديد من الجثث المتحللة متناثرة في الشوارع، وغالبا ما تدوسها الدبابات والمركبات العسكرية الإسرائيلية أو تأكلها الكلاب الضالة، بحسب “ميدل إيست آي”.