في جولته بالمنطقة العربية، الرّامية بحسب تعبيره إلى "منع اتساع رقعة النزاع بين إسرائيل وحركة حماس إقليميا"؛ كانت المحطة الأخيرة، لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني
بلينكن، هي القاهرة، الخميس. وذلك في رابع جولة عربية له، منذ بدء الحرب على قطاع غزة المحتل، قبل ثلاثة أشهر.
وضمّت المحطات السابقة لِبلينكن، على التوالي كلا من تركيا واليونان والأردن وقطر؛ فيما نبّه في جميع المحطات إلى "خطر توسع الحرب بين حماس وإسرائيل إلى صراع إقليمي".
تصريحات بارزة
قال بلينكن، خلال لقائه مع رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، في القاهرة، الخميس، إنه "لا بد من مناقشة الجهود المشتركة لتسريع تقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى غزة".
وأوضح بلينكن، في تغريدة، عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقا): "كررت التزام الولايات المتحدة بالسلام والأمن الإقليميين، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية"، مؤكدا أنه "ركز خلال جولته في المنطقة، التي استمرت 7 أيام وشملت 10 محطات، على عدد من الأهداف الرئيسية".
وتابع: "أولها منع الصراع من الانتشار، إضافة لإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها وزيادة الحماية للمدنيين وإخراج الأسرى، وكذا الاستمرار في دعم إسرائيل في جهودها للتأكد من أن 7 أكتوبر لن يتكرر مرة أخرى".
وأردف وزير الخارجية الأمريكي، في عدد من التصريحات، نقلتها السفارة الأمريكية لدى مصر، أنه: حتى يمكن إنهاء هذا الصراع، فقد أجرى أيضا محادثات حول اليوم التالي لانتهاء النزاع، والقيام بالعمل اللازم للتحضير لذلك، فضلاً عن الأمن الدائم على المدى الطويل.
إلى ذلك، يرى بلينكن، أن "ما كان مختلفا في هذه الرحلة، هو أنه في رحلاتنا السابقة إلى المنطقة، كان هناك إحجام عن الحديث عن بعض قضايا اليوم التالي والاستقرار والأمن على المدى الطويل على أساس إقليمي، ولكننا الآن نجد أن شركاءنا يركزون بشدة على ذلك ويريدون المشاركة في هذه المسائل".
وأضاف: "لذلك فقد كان هذا جزءا كبيرا من محادثتنا أيضا، ومن الواضح كذلك أنهم مستعدون لاتخاذ خطوات والقيام بأشياء وتقديم الالتزامات الضرورية لمستقبل غزة وللسلام والأمن على المدى الطويل في المنطقة"، مبرزا بالقول: "خرجنا بعدد من الخطوات الملموسة إلى الأمام".
واسترسل: "أولها موافقة إسرائيل على إرسال الأمم المتحدة فريق تقييم إلى شمال غزة للنظر في الظروف الضرورية للبدء في إعادة الفلسطينيين إلى الشمال، كما أن لدينا التزاما من السلطة الفلسطينية بالسعي إلى إجراء إصلاحات ذات معنى"؛ مشيرا إلى أنه "من ناحية ثالثة فنحن أيضا لدينا مجلس الأمن في الأمم المتحدة، الذي يعلن عن رأيه بشأن العدوان الحوثي المستمر، والذي كان يشكل خطرًا على الشحن في البحر الأحمر، ويشكل تهديدا في جميع أنحاء العالم".
وفي الوقت الذي نوّه فيه الوزير الأمريكي بصدور قرار، اعتبره أقوى من مجلس الأمن وبقيادة الولايات المتحدة، يصر على وقف هذه الأعمال، أضاف أن هناك "اتفاقا بين دول المنطقة، بين شركائنا العرب، للعمل معا وتنسيق جهودنا من أجل المضي قدما، سواء من أجل غزة نفسها أو من أجل السلام والاستقرار على المدى الطويل في المنطقة".
جولة دبلوماسية.. ما أثرها؟
من أجل إبراز أثر زيارة وزير الخارجية الأمريكي، لعدد من الدول العربية، تحدثت "عربي21" مع المختص في الأمن القومي العربي، منعم أمشاوي، الذي أكد أنه: "رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تسعى إلى الحفاظ على الطابع المحدود للنزاع، غير أن هذه الجولة تأتي في سياق مختلف، يُنذر باتساع رقعة الأعمال القتالية في المنطقة".
وأوضح أمشاوي: "خصوصا مع استمرار عمليات الحوثيين في الاستهداف البحري للسفن الإسرائيلية أو المتوجّهة لإسرائيل، وكذلك مع التصعيد الإسرائيلي خارج قطاع غزة، واستهداف قيادي حركة حماس في الجنوب اللبناني".
وأضاف: "هي تطورات لا شك أنها تضع ضغوطا إضافية على الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا من طرف حلفائها في المنطقة، الذين يتخوفون من اتساع الأعمال القتالية بشكل قد يؤثر على أمن واستقرار بعض بلدان المنطقة".
وتابع: "الأمر الواضح من تصريح وزير الخارجية القطري، في المؤتمر الصحفي المشترك مع بلينكن، في معرض تعليقه على هجمات الحوثيين البحرية أن العمل العسكري ضد الحوثيين ليس حلا"، مردفا أن "الأمر سوف يبقي المنطقة في حلقة لن تنتهي أبدا وسيخلق توترا حقيقيا".
وأكد أنه "في الجانب الآخر بات واضحا أيضا القلق الأمريكي من التطورات التي تشهدها الجبهة اللبنانية بعد اغتيال قيادي حركة حماس، وما تبع ذلك من تصعيد حزب الله لهجمات على الأهداف الإسرائيلية. وهو ما اعتبره بلينكن مصدر قلق حقيقي وحاول دعوة الجهات ذات النفوذ على حزب الله إلى التدخل لضبط الموقف والحيلولة دون تَفجره".
ولفت إلى "التطورات التي باتت تعرفها ساحات أخرى كالعراق وتزايد الأنشطة القتالية للجماعات المسلحة، والتي تستهدف المصالح الأمريكية وتزايد خطورة هجماتها"، مشيرا إلى أنه "على المستوى السياسي، واضح أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تبحث عن مخرج مع حلفائها في المنطقة لتهدئة الأوضاع".
واسترسل: "هو ما عبّر عنه بلينكن في زيارته لدول المنطقة، بأن الولايات المتحدة لديها خطة لمعالجة عدم الاستقرار المتزايد، وتتوقف على إنهاء الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة والعمل مع الدول العربية والإسرائيليين لإقامة سلام "دائم" للفلسطينيين".
إلى ذلك، تابع بأن: "بلينكن بعد جولته المكوكية في دول المنطقة لا شك سيبلغ الإسرائيليين وسوف يناقش معهم تطورات الأوضاع بعد ما يمكن أن نعتبره جس نبض جديدا لمواقف دول المنطقة.
وسيعمل على إقناعهم بإيقاف
الحرب على غزة أو على الأقل تخفيف حدة عملياتها، أو البحث عن هدنة مؤقتة وحقن المنطقة بجرعة مسكنة تحول دون تفجر الأوضاع في منطقة باتت على شفا حرب أوسع".
سيناريوهات مُقبلة
أما بخصوص السيناريوهات المقبلة للمنطقة العربية، فأكد المختص في الأمن القومي، أن "الأمر متوقف على التطورات الميدانية للعدوان الإسرائيلي على غزة، فعمليا إسرائيل لم يتبق لها الكثير من الأهداف القابلة للتحقق".
وأضاف: "خصوصا تحرير الأسرى وهي أهم نقطة تحرج وتهم الإسرائيليين، غير أنه بعد أكثر من 3 أشهر من العمليات القتالية، وتدمير قطاع غزة لم تنجح إسرائيل في الوصول إلى أهدافها، لا العملياتية كتحرير الأسرى واستهداف قيادات حماس الكبرى، ولا السياسية المتمثلة في تهجير الفلسطينيين للخارج".
وتابع: "بالتالي فإن النقطة الأهم في اعتقادي هي نقطة العودة. إلى أي نقطة ستعود الأوضاع، فإن إسرائيل حتى الآن لم تقض على حماس ولم تُهجر الفلسطينيين ولم تحرر الأسرى. فهل يكفي الدمار والإبادة الجماعية المرتكبة لإقناع الإسرائيليين بتحقيق الانتصار؟".
إلى ذلك، استرسل أمشاوي في حديثه لـ"عربي21" بالقول: "أعتقد أن بلينكن يكثف جهوده لِلقفز للأمام وإيجاد مخرج سياسي لإسرائيل يغطي على الفشل الميداني في تحقيق أهداف العملية العسكرية، بعدما منحت الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل الوقت والدعم الكافيين لتحقيق أهدافها في غزة".