أعاد تصريح رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ملف
دعم
المحروقات إلى دائرة الضوء بقوله إن قرار استبدال الدعم اتخذ ولا رجعة فيه، الأمر
الذي أثار ردود فعل لم يخلُ بعضها من التسييس.
تُرجع الحكومة أسباب إعادة النظر في سياسة الدعم إلى الكلفة الباهظة
والتي حسب رئيس حكومة الوحدة تصل إلى 50% من الإيرادات العامة، ونقل عن رئيس
المؤسسة الوطنية للنفط أن ما يذهب لدعم المحروقات يصل إلى 12 مليار دولار أمريكي
(الإيرادات في العام 2023م بلغت نحو 21 مليار دولار)، حيث يستهلك تشغيل محطات
الكهرباء وما في حكمها نحو 8 مليارات دولار من الوقود وتذهب 4 مليارات دولار في شكل
بنزين وديزل، أما تقرير ديوان المحاسبة للعام 2022م فيتخطى هذه الأرقام حيث أورد
أن ما أنفق على المحروقات بلغ 83 مليار دينار.
وبالإضافة إلى الفاتورة العالية لتشغيل محطات توليد الكهرباء وتوفير
البنزين بسعر متدن جدا هناك التهريب الذي يهدر من 750 مليونا إلى مليار دولار
سنويا، عبر شبكات تنشط في الغرب والشرق والجنوب.
المعارضون للدبيبة يرون أن الدوافع خلف تغيير سياسة الدعم ليست الهدر
والتهريب، حيث يتهمون الدبيبة وحكومته في التورط في فساد كبير وبالتالي لا معنى
لتبرير
رفع الدعم أو استبداله بمقابل مالي بحجة الهدر والتهريب، وأن الدوافع قد
تكون سياسية.
وما هو معلوم أن كل أو جل خبراء الاقتصاد يرون أن سياسة الدعم التي
تعود إلى نحو 60 عاما، وذلك منذ إنتاج النفط وتصديره بكميات وفيرة منتصف الستينيات
من القرن الماضي، تحتاج إلى مراجعة، وما حال دون تبني خيارات إصلاحية هو الوضع
الاقتصادي المختل وغير المستقر والذي من مظاهره تدني مستوى دخول الأفراد والافتقار
إلى البدائل الخدمية من شبكة قطارات وحافلات ووسائل نقل مريحة.
البيانات لا تزال تمثل مشكلة في
ليبيا، وقد أقرت الحكومة بذلك بسبب
عدم الوقوف بشكل دقيق على احتياجات البلاد من المحروقات وتكلفتها، والمستهلك
والمهدر عبر التهريب، غير أن خبراء يؤكدون أن البنزين المستورد والذي يشكل أكثر من
80% من الاستهلاك المحلي يكلف الخزانة العامة 80 سنتا أمريكيا للتر الواحد (حوالي
أربعة دنانير ليبية) فيما يباع في محطات الوقود بخمسة عشر قرشا ليبياً للتر (حوالي
3 سنتات)، ويمثل هذا الفرق الكبير في سعر الشراء والبيع السبب الرئيسي في تعاظم
التهريب.
التحدي يكمن في خوف قطاع واسع من الليبيين من أن ترتفع أسعار الوقود بشكل كبير بعد رفع الدعم وأن لا تفي الحكومة بوعودها في توفير البديل النقدي بشكل مستمر. أيضا يتخوف كثيرون من الأثر المتعدي لرفع الدعم عن المحروقات في شكل ارتفاع في أسعار السلع، ويطالبون بأن تأخذ الحكومة هذا في تقديراتها لمقدار البديل النقدي لرفع الدعم.
مصادر مطلعة أكدت أن المهربين يتحصلون على شاحنة نقل الوقود بما
قيمته 6 آلاف دينار ليبي ويبيعونها بنحو 90 ألف دينار، حيث تهرب مئات الشاحنات
يوميا، وترتب على هذا الوضع عدم توفر الوقود في عديد المدن خاصة الجنوب، واضطراب
توزيعه حتى في مدن الشمال.
اللجان التي تشكلت، في السابق والوقت الراهن، بغرض دراسة سياسة الدعم
والبحث عن بديل عنها، جميعها اتجهت إلى وضع استبدال الدعم بمقابل مالي يمنح للفرد
أو الأسرة على رأس قائمة البدائل، واختلفت في تحديد قيمة البديل ماليا، وفي كيفية
إيصال هذا البديل. ولم تغفل الدراسات فكرة منح حصص ثابتة للفرد عبر كروت مخصصة
لذلك بالسعر الحالي والزيادة عن المخصص تكون بالسعر بعد رفع الدعم.
التحدي يكمن في خوف قطاع واسع من الليبيين من أن ترتفع أسعار الوقود
بشكل كبير بعد رفع الدعم وأن لا تفي الحكومة بوعودها في توفير البديل النقدي بشكل
مستمر. أيضا يتخوف كثيرون من الأثر المتعدي لرفع الدعم عن المحروقات في شكل ارتفاع
في أسعار السلع، ويطالبون بأن تأخذ الحكومة هذا في تقديراتها لمقدار البديل النقدي
لرفع الدعم.
رفض مجلس النواب والحكومة التابعة له والمتنفذة في شرق البلاد
لتوجهات حكومة الوحدة بخصوص الدعم يمكن أن يشكل عائقا حقيقيا أمام تبني خطة استبدال
الدعم، ومن الواضح أن ردود الفعل انتهت إلى تراجع الحكومة عن توجهها، فكلام الدبيبة
مع لجنة المحروقات الذي ذكر فيه أن القرار اتخذ ولا رجعة فيه قابله تصريح لاحق أكد
فيه أن الموضوع لم يحسم بعد وأن
رأي الشارع الليبي سيؤخذ في الاعتبار عبر
استطلاعات واستبيانات، مما يعني أن رفع الدعم لن يقع في المدى القصير، وسيعتمد
التغيير على موقف الرأي العام وعلى نشاط الحكومة التعبوي بالخصوص.