دخلت
الحرب على قطاع
غزة وعلى الشعب
الفلسطيني كله في الأراضي الفلسطينية المحتلة شهرها
الرابع، وهي أطول حرب خاضها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين والعرب منذ نشوء
الكيان في العام 1948، فقد كان العدو الصهيوني يعمل لحسم الحروب التي يخوضها ضد
الدول العربية في أقصر مهلة وبعضها انتهت في أيام قليلة، ومنها حرب العام 1956 وحرب
العام 1967 وحرب لبنان في العام 1982، وحتى حرب تشرين في العام 1973 والتي بدأها
الجيشان المصري والسوري فقد عمد العدو الصهيوني إلى تغيير مسارها ونقل المعركة إلى
داخل مصر ووقف التقدم في الجولان خلال أيام قليلة.
وأما
الحروب على لبنان وقطاع غزة خلال العقود الثلاثة الماضية فقد كانت تستمر من أسبوع
إلى حوالي الشهر وأيام قليلة، وبعضها استمر لشهر ونصف، لكن للمرة الأولى تستمر
الحرب لمدة أربعة أشهر دون أن تتضح نهايتها ودون أن ينجح الجيش
الإسرائيلي بحسمها،
بل هي امتدت إلى جبهات أخرى في لبنان واليمن والعراق وسوريا وإيران، وهناك تخوفات
من أن تتطور إلى حرب شاملة في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقفها خلال هذا الشهر.
لم تعد هذه الحرب مقتصرة على الجبهات العسكرية في فلسطين ودول المنطقة، بل امتدت إلى كل العالم ولكن من خلال التحركات الشعبية وعلى صعيد الحرب الإعلامية والمحاكم الدولية
ولم
تعد هذه الحرب مقتصرة على الجبهات العسكرية في فلسطين ودول المنطقة، بل امتدت إلى كل
العالم ولكن من خلال التحركات الشعبية وعلى صعيد الحرب الإعلامية والمحاكم الدولية،
فقد شهدنا تقديم شكوى ضد الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية، كما أن التحركات
الشعبية والمعارك انتقلت إلى الجامعات والمؤسسات الثقافية والفكرية، حيث يواجه الكيان
معركة قاسية بسبب الجرائم التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني وفي ظل بروز وعي عالمي
جديد للتضامن مع الفلسطينيين وانكشاف الحقيقة الإجرامية البشعة للكيان الصهيوني، إضافة
للمعركة المتصاعدة داخل هذا الكيان بين مختلف المجموعات السياسية، والتي تؤكد أن
هذا الكيان يعيش مرحلة جديدة من التصدعات الداخلية ولن تنفع معها كل الجهود الأمريكية
والدولية (وحتى للأسف من بعض الدول العربية) لحمايته وإعادة الشرعية له.
واليوم
وبعد دخول هذه الحرب الكبرى شهرها الرابع واحتمال أن تتمدد إلى شهور أخرى في حال
لم تنجح الجهود الدبلوماسية بوقفها والذهاب إلى المفاوضات مجددا، ما هي أبرز
الحقائق التي أفرزتها هذه الحرب على مستوى الوعي؟ وما هي الأوهام التي سقطت والتي
ينبغي إعادة النظر بها؟ ونترك الحديث عن النتائج العسكرية والميدانية للمختصين
والمحللين العسكريين؛ لأن هذه الحرب ستدخل إلى تاريخ الحروب الكبرى كونها من أعظم
معارك الصمود والمواجهة الشعبية والعسكرية.
من أبرز
الحقائق التي أكدتها والأوهام التي أسقطتها هذه الحرب الكبرى:
أولا:
أن الشعب الفلسطيني والشعوب العربية في المنطقة تمتلك قدرات هائلة قادرة على صنع
المعجزات في حال توفرت الإرادة السياسية والقيادة الحكيمة، وأن هذه الشعوب قادرة
على كسب المعارك وامتلاك كل الخبرات العسكرية والعلمية وتقديم أرقى ما يمكن من أشكال
الصمود، وأن زمن الهزائم السريعة انتهى، وأننا اليوم أمام عصر جديد القرار فيه
لقوى المقاومة وللشعوب الحرة فقط لا غير.
العالم اليوم لم يعد يصدق الرواية الصهيونية عن الاضطهاد والمظلومية وأن هذا الكيان واحة للحرية والديمقراطية، وقد تجلّت بشاعة جرائمه بأبشع صورها في كل أنحاء العالم رغم سيطرة اللوبي الصهيوني على وسائل الإعلام الكبرى وعلى العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، وكل الدعم الأمريكي والأوروبي وبعض الدعم العربي أيضا الذي يحظى به
ثانيا:
أن هذا الكيان الصهيوني لم يعد قادرا على حماية وجوده وأنه بحاجة لدعم غربي مستمر
كي يستطيع خوض الحروب، ولولا الدعم الغربي لما استطاع حماية وجوده، وها هو اليوم
يواجه حروبا على جبهات متعددة ولم يعد قادرا على حسمها.
ثالثا:
العالم اليوم لم يعد يصدق الرواية الصهيونية عن الاضطهاد والمظلومية وأن هذا
الكيان واحة للحرية والديمقراطية، وقد تجلّت بشاعة جرائمه بأبشع صورها في كل أنحاء
العالم رغم سيطرة اللوبي الصهيوني على وسائل الإعلام الكبرى وعلى العديد من مواقع
التواصل الاجتماعي، وكل الدعم الأمريكي والأوروبي وبعض الدعم العربي أيضا الذي
يحظى به.
رابعا:
أن في هذه الأمة وفي هذه الشعوب المضطهدة قوة كامنة تحتاج من يفجرها ويرعاها
وبذلك يتحقق الصمود والانتصار، وأن كل الروايات والنظريات عن الضعف العربي والنقد
للعقل العربي وللفكر الديني قد سقطت، وأن العقل العربي قادر على الإبداع، وأن
الفكر الديني قادر على تفجير الطاقات في الاتجاه الصحيح إذا توفرت القيادة الحكيمة
والوعي الصحيح.
خامسا:
أن كل الرهانات على الصراعات المذهبية والقومية والعرقية قد سقطت، وها هي فلسطين
توحد الأمة والعالم لأنها معركة الحق والحقيقة، وأن علينا مراجعة كل المرحلة
الماضية ودراسة الأسباب التي دفعتنا لخوض الصراعات الخاطئة وإعادة توحيد الطاقات
في الاتجاه الصحيح.
وهناك حقائق كثيرة أخرى تولد اليوم وهناك أوهام كثيرة تسقط، ونحن سنكون بعد وقف هذه الحرب الكبرى أمام عالم جديد لا يشبه أبدا العالم الذي ينهار أمام عيوننا اليوم وأمام عيون أطفال ونساء ورجال وشباب فلسطين
سادسا:
أن كل المقولات التي كانت ترفع حول القوانين الدولية وحقوق الإنسان ونشر
الديمقراطية قد سقطت على أبواب قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وها هي الدول التي
تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان تسقط أمام دماء الأطفال والنساء في غزة
ومنها ألمانيا وبريطانيا وأمريكا وفرنسا، وليس أمامنا سوى الدفاع عن أنفسنا بقوة
ولن تنفعنا القوانين والمعاهدات الدولية.
سابعا:
رغم قسوة المشهد العالمي وفشل المؤسسات الدولية، فإن في هذا العالم قوة جديدة
تدافع عن الحق والحرية وتنصر المظلومين، وها هي جنوب أفريقيا تقدم النموذج الرائع في
محكمة العدل الدولية، وفي العالم الشعوب تتحرك في الجامعات وفي شوارع المدن،
وعلينا البحث عن إخوة لنا في كل أنحاء العالم تجمعنا بهم روح الإنسانية الحقيقية
كي نشكّل تحالفا إنسانيا حقيقيا قائما على العدل ورفض الظلم، بعيدا عن الانتماءات
القومية والدينية والمذهبية.
ثامنا
وليس أخيرا: مهما اشتد الظلم والطغيان ورغم كل التضحيات والدمار فإن فجرا جديدا
سيولد؛ بفضل المقاومين ودماء الأطفال وصراخهم، وبفضل الوعي الجديد القادم من رمال
ودمار غزة وعيون أطفالها ونظرات نسائها وصمود مقاوميها وتضحياتهم.
وهناك
حقائق كثيرة أخرى تولد اليوم وهناك أوهام كثيرة تسقط، ونحن سنكون بعد وقف هذه
الحرب الكبرى أمام عالم جديد لا يشبه أبدا العالم الذي ينهار أمام عيوننا اليوم وأمام
عيون أطفال ونساء ورجال وشباب فلسطين.
twitter.com/kassirkassem