"نقدر نعيش.. لو تحملنا سنعيش ونتجاوز المشكلة".. بتلك الجملة خلال الاحتفال
بعيد الشرطة، الأربعاء، حاول رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، دغدغة مشاعر
المصريين،
الذين يعانون معاناة غير مسبوقة، مع ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات، في حالة
تفوق جميع ما تعرضوا له طوال 10 سنوات من حكمه.
ومنذ مطلع العام الجاري،
تراجعت بشكل كبير قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية وخاصة الدولار، ما
دفع لارتفاعات رهيبة في أسعار جميع السلع، الأمر الذي يشكو منه المصريون في
الأسواق ومواقع التواصل الاجتماعي.
وبطريقته المعتادة، راح
السيسي يدغدغ مشاعر المصريين بالقول: "أنا مصري زيكم، مقدر حجم المعاناة كويس
جدا، الأسعار غالية والظروف صعبة".
وتابع: "كل حاجة
تهون، المهم سلامة مصر، وعاوز أقولكم كل اللي مر وبنعاني منه بفضل الله وهو يسمع
ويرى هينتهي إن شاء الله".
وفي مقابل مطالبة السيسي
المصريين بالصبر والتحمل، تابع إثارة مخاوفهم من أي تحرك غاضب على الأرض، مثلما
حدث في ثورة 25 يناير 2011، التي حلت ذكراها الـ13 الخميس.
وقال؛ إن "مصر فقدت
450 مليار دولار في أحداث 2011 و2012 و2013"، وإن "إثارة الرأي العام
كان هدفه القيام بدور سلبي يحفز ويدفع ويسيء للأجهزة والدولة، حتى يقوم الرأي العام
بما قام به في عام 2011".
وكما قارن طوال السنوات
الماضية أحوال المصريين بأوضاع سوريا والعراق، قارن السيسي بين أوضاع المصريين
أوضاع الفلسطينيين وأزمة الجوع في قطاع غزة، التي تعاني من حرب إبادة إسرائيلية
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وطوال 4 أشهر.
وقال: هناك "مثال حي
لناس مش عارفين ندخلها أكل. اللي هو الأساسيات يعني شوية قمح ودقيق وشوية زيت عشان
يعملوا رغيف عيش ياكلوه بقالنا أربع شهور".
حديث السيسي للمصريين
مجددا بضرورة التحمل لتجاوز المشكلة، وتخويفهم من وضع مماثل لقطاع غزة، وتحذيرهم
من تكرار أحداث ثورة يناير 2011، أثار الكثير من الانتقادات عبر مواقع التواصل
الاجتماعي.
انفجار هيرست
ويأتي حديث السيسي، بعد 4
أيام من مقال للكاتب البريطاني ديفيد هيرست، موقع "ميدل إيست آي"، قال
فيه؛ إن "فشل المستبدين العرب في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، قد يمثل وقودا
لانفجار قادم".
وأضاف أن "قلوب
السعوديين والمصريين والأردنيين والعراقيين تغلي غضبا"؛ بسبب ما يحدث في غزة
من قتل وتجويع، مشيرا إلى أن "هذا الغضب لا مفر من أن يطفوا في نهاية المطاف
على السطح، ثم ينفجر".
وتابع هيرست أن درجة الغضب
اليوم أعلى بكثير من أي وقت مضى، ما يعني أن "على الطغاة توخي الحذر فيما
يتمنونه. لا مفر من أن ترددهم العميق في التصدي لإسرائيل سوف ينفجر يوما في وجوههم".
ودفع حديث السيسي،
"
عربي21" لطرح بعض التساؤلات على سياسيين وكتاب ومحللين ونشطاء مصريين،
حول ما إذا كان لدى حكومته حلولا تنهي
الأزمة، أم إن حديثه ينضم إلى سلسلة
الوعود
السابقة التي لم يتحقق منها شيء؟ وكذلك إلى متى يمكن أن يتحملوا تلك الأوضاع؟ وإلى أي مدى يمكن أن ينجح تخويف السيسي لهم من
الثورة؟
"النفق المظلم"
الكاتبة الصحفية المصرية
مي عزام، أجابت على أسئلة "
عربي21"، قائلة: "بالطبع ليس لدى حكومة
السيسي الحالية أو القادمة حلول للوضع
الاقتصادي".
وأكدت أن "هذا الوضع
هو نتاج تفكير الرئيس السابق، الحالي، وترتيبه للأولويات، وعدم وجود
استراتيجية واضحة المعالم للتنمية والتطوير، نتاج تفكير المتخصصين".
وحول المدة الزمنية التي
يمكن للمصريين أن يتحملوا فيها الأوضاع خاصة مع الغلاء الذي لا يتوقف، قالت
عزام؛ إن "المصريين يعتادون"، ملمحة إلى أن لديهم القدرة على التأقلم مع
كل الظروف.
وعن موضوع ثورة المصريين
وتخويف السيسي، لهم من أي حراك على الأرض ضد نظامه، تعتقد عزام، أنه "حتى دون تخويف السيسي، لن تكون هناك ثورة بمعنى عمل منظم، وله أهداف واضحة وقاطرة
تقوده".
وأضافت: "ربما يكون
هناك هبات غضب تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الفيديوهات القصيرة، وكلها
بمنزلة تنفيس غير خلاق أو مبدع، ولا يمكن أحدا من الخروج من هذا النفق المظلم".
ولفتت إلى أن "أداء
الأحزاب والنخبة السياسية والعامة في الانتخابات الرئاسية السابقة في 2023، كان
محبطا للهمة، ولا يدل على أن هناك مسارا واضحا للتغيير".
وأشارت إلى أن
"المنطقة سيتم فيها تغيير كبير جدا في موازين القوى، نتاج (طوفان الأقصى)،
ومصر من أعمدة المنطقة رغم كل تعانيه من أزمة اقتصادية ومشاكل في الإقليم، وعلى
رأسها علاقتها المتوترة بإثيوبيا، وهذا التغيير في الإقليم سينوب مصر منه نصيبا".
وختمت بالقول: "لكن
لا أعرف على وجه الدقة، هل سيكون التغيير القادم في صالح عموم الشعب أم لا؟".
"الرعب من القادم"
من جانبه، قال القيادي
بحزب "البناء والتنمية" المصري المعارض، خالد الشريف؛ إن "السيسي،
مرعوب من الغضب القادم من المصريين نتيجة للأوضاع الكارثية التي يعيشونها، مرعوب
من استرداد الثورة ومطالبة المصريين بالحرية والعدالة التي فقدوها".
وأضاف
لـ"
عربي21"، أن "الأوضاع الراهنة تؤذن بثورة لا تبقي ولا تذر؛
نتيجة لعدة عوامل كثيرة متراكمة، أولها انقلاب السيسي، على الثوابت الوطنية،
وخذلانه لغزة، وتقزيمه لمصر، وتفريطه في سيادتها".
وأكد أن "السيسي أول
من يعرف بفداحة سياسته التي تؤجج الثورة في قلوب المصريين؛ لذلك هو لا يمل من
تخويف المصريين من الثورة على الأوضاع".
واستدرك الشريف بقوله:
"لكن هذا التخويف لن يجدي كثيرا، وسيسقط قطعا، حينما ينفجر بركان الغضب الذي
يملك توقيته الشعب، صاحب القرار وصاحب الثورة، وسيكون ذلك قريبا".
"هذا ما يصدقه المصريون"
من جانبه، قال الناشط
المصري المقيم في أمركيا سعيد عباسي: "في الحقيقة لم يعد السيسي قادرا على
دغدغة مشاعر المصريين؛ فهم بالأغلب أيقنوا كذبه بل إمعانه في الكذب، حتى صدق نفسه".
وفي حديثه
لـ"
عربي21"، أضاف: "لكن الشعب المصري يصدق الأحوال الاقتصادية،
يصدق الواقع الذي يُفرض عليهم، يفهم الناس أنه أسوأ مراحل مصر في هذه الحقبة
البغيضة التي أفلستهم وأفقرتهم بشكل غير مسبوق".
وتابع: "حتى الأعمال
لا يجد الحرفيون أي عمل إلا إذا التحق بعمل يخص الجيش، الذي ابتلع الاقتصاد كله،
وأيضا هروب رجال الأعمال والمستثمرين للخارج، وهبوط الجنيه أمام الدولار بشكل لم
يسبق له مثيل، ما يدل على هبوط صاروخي للقاع".
عباسي، أعرب عن تعجبه من
حديث السيسي بالقول: "لا أدري كيف يتفنن السيسي في اختلاق الأكاذيب وترويجها
ويناقض نفسه كل ساعه؟"، معتقدا أن "محاولة إخافة الناس لن تجدي، ولكن
الشعب المصري لديه صبر لا يطاق على هذا الإفقار، وهذه المذلة والمهانة بهذا الشكل".
وأكد أن "الناس أصبحت
في حالة لا تجد حتى الوجبة التي كانت اقتصادية، ما يمهد لانفجار قادم، متى؟ الله
وحده أعلم، لكنه قادم، لذلك يتوعد الوغد ويخوف الناس".
ولفت إلى أنه "بعدما
كان يقارن مصير مصر بسوريا والعراق، أشار أمس إلى غزة، التي علّمت العالم معنى
الصمود والكرامة والحفاظ على الأرض وتراب الوطن وقيمته، يأتي حديث السيسي الذي
يحاصر غزة، ويمنع عنها العلاج والطعام والماء بأوامر نتنياهو".
"ويفرض نظامه إتاوة على المصابين والجرحى والمرضي بمبالغ وصلت إلى 10 آلاف دولار
للخروج من معبر رفح"، بحسب عباسي، الذي أضاف: "كل هذه الدناءة يفعلها،
فمن لم يمت بقنابل إسرائيل يموت بحصار وتجويع السيسي له".
وأوضح الناشط المصري، أنه
ولذلك، فإن "السيسي لم يعد يُقنع أحدا، وليس لديه حلول؛ لأنه ببساطة ما جاء
لمصر إلا لتدميرها والقضاء عليها وبجميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية
والأخلاقية والزراعية والصناعية، عبر خطة دمار شامل".
"لم يعد بالقوس منزع"
من جانبه قال الكاتب
والمحلل السياسي المصري، مجدي الحداد: "هو يعلم جيدا أن المصريين خبروه جيدا
خلال العشرية السوداء، وأنه قد أدمن الوعود الناعمة الكاذبة، وذلك في بداية توليه
وفي محاولة تقربه من الشعب".
وأضاف
لـ"
عربي21": "وبعد أن تم له ذلك، وبعدما ظن أنه تمكن من كل مفاصل
الدولة، وورط البلاد والشعب فيما ورطهم فيه من قروض وتبعية للخارج، صار يطلق
التهديدات المؤلمة للشعب، وكأن الشعب المسؤول عن كل الكوارث الاقتصادية التي أدت
أو ساقت مصر إلى ما ساقته إليه الآن".
ولفت الحداد، إلى أنه
"صار يعتقد أنه صاحب السلطة المطلقة واليد العليا بهذا البلد، يقول ما يشاء
ويتصرف فيه كيف شاء، وليس من حق أحد أن يعترض على أي شيء يقوله أو يقوم به وينفذه".
وتابع: "وإن كان لا بد
من التنفيس، فكان الحوار الوطني في العشرية السوداء الأولى -بخطوطه الحمراء
المعروفة-، والآن الحوار الوطني الاقتصادي في العشرية الأكثر سوادا وقتامة الثانية
-إن استمر في السلطة، وكما قرر حتى 2030-، التي سوف يكون لها خطوطها الحمراء
أيضا، بطبيعة الحال".
وقال: "في الحقيقة، لم
يعد في القوس منزع، كما يقولون، ولم يعد للمصريين طاقة للتحمل أكثر مما تحملوه،
وبدلا من التخفيف عليهم، وبحلول اقتصادية بسيطة وفي المتناول -وليس هنا مجال تكرار
ذكرها- خرج علينا، بذكرى يناير يعاير المصريين مرة أخرى".
"ويهددهم هذه المرة ليس بمصير سوريا والعراق، ولكن بمصير غزة، وما يعانيه
السكان من شظف العيش، وبسبب حصاره هو شخصيا لغزة، بجانب طبعا قصف حليفه الصهيوني
للقطاع ومنشآته الحيوية على مدار الساعة".
ويعتقد الكاتب المصري، أنه
"لا يخوف المصريين من القيام بثورة، ولكنه يهددهم بمصير غزة"، مؤكدا أنه
"لم نر ولم نسمع بالتاريخ حاكما بمثل هذه المواصفات، والسياسات مع شعبه".
وخلص للقول؛ إنه "لم
يعد لديه الآن أية حلول، كما لم يعد بمقدوره تقديم أي وعود، سوى فقط تحميل الشعب
وحده كل الكوارث الاقتصادية والسياسية التي ورط هو ذاته مصر فيها، والتهديد
والوعيد".
وتوقع الحداد، في نهاية
حديثه، "ألا يستمر الحال هكذا إلى ما لا نهاية، حيث إنه حول الأمر كله إلى
معادلة صفرية بينه وبين الشعب".