اقتصاد دولي

OP: الإصلاح الاقتصادي في الصين.. مخطط للهيمنة المتجددة

قلق من أن تغرق الصين السوق بالألواح الشمسية والسيارات الكهربائية - جيتي
نشر موقع "أويل برايس" الأمريكي تقريرا تحدث فيه عن سعي الصين إلى إحداث تحوّل اقتصادي هائل، يجعلها مهيمنة في مجال الطاقة المتجددة.  

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"؛ إن الاقتصاد الصيني يتغيّر وسوف تكون التبعات المترتبة على تحوله الجذري ملموسة في مختلف أنحاء العالم. وبعد عقود من النمو وبناء البنية التحتية الضخمة، باتت القدرة على إضافة المزيد آخذة في التضاؤل.

ونتيجة لذلك، يتباطأ الاقتصاد الصيني، وتنفجر الفقاعة العقارية في جميع أنحاء البلاد، وتتفاقم معدلات البطالة. ومن المتوقع أن يتخرج حوالي  11.79 مليون طالب من الجامعات هذه السنة في الصين، وعند هذه النقطة سينضمون إلى جحافل الباحثين عن عمل، الذين ظل العديد منهم عاطلين عن العمل منذ بداية جائحة كوفيد-19 قبل أربع سنوات.



نتيجة لكل هذه الاضطرابات الاقتصادية، سوف تتغير أنماط الإنتاج والاستهلاك في البلاد بشكل كبير، مع ما يترتب عن ذلك من عواقب على الاقتصاد العالمي بأكمله وتجارة الطاقة في جميع أنحاء العالم، فضلا عن التعهدات الدولية المتعلقة بالمناخ والبيئة بشكل عام. وكما ذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الرائد عن توقعات الطاقة العالمية لسنة 2023، فإن "الصين غيرت عالم الطاقة، وهي تتغير الآن".

وذكر الموقع أن السوق المحليّة في الصين غير قادرة على استيعاب المزيد من التصنيع والبناء. وجاء في أحدث تقرير لتوقّعات الطاقة العالمية الصادر عن وكالة الطاقة الدولية أن "البلاد تمتلك بالفعل شبكة سكك حديدية عالية السرعة ذات مستوى عالمي، ويساوي نصيب الفرد من المساحة الأرضية السكنية حاليا نظيره في اليابان، على الرغم من أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل بكثير. ويشير هذا التشبع إلى انخفاض الطلب المستقبلي في العديد من القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الإسمنت والصلب".

أشار الموقع إلى أن المصنعين الصينيين لا يتصرفون بالطريقة نفسها التي يتصرف بها المصنعون في بلدان السوق الحرة. ومجرد انخفاض الطلب على منتج معيّن، لا يعني أن الصين ستتوقف بالضرورة عن إنتاجه. هناك مخاوف متزايدة في الدوائر الدولية من أن الصين تفرط في إنتاج قائمة طويلة من العناصر، وسوف تثقل كاهلها قريبا بقدرة فائضة إجمالية لعدد كبير من المنتجات، بالتزامن مع تقلص أنماط الاستهلاك المحلي. 

ويتمثل مصدر القلق الرئيسي في أن الصين سوف تحاول دفع وفرة من الألواح الشمسية، والسيارات الكهربائية، وغيرها من المنتجات إلى السوق العالمية بتخفيضات كبيرة، مما يؤدي إلى إغراق السوق واستخدام تسعيرة عالية.

وإلى جانب العمل على مضاعفة قدرتها التصنيعية في مواجهة هذا التغيير الاقتصادي الكبير، تحاول الصين أيضا تحويل ناتجها الاقتصادي بعيدا عن اتجاهات التصنيع التي عفا عليها الزمن والتحوّل نحو المزيد من القطاعات الخضراء والرقمية. وفي حين أن سوق العمل في بقية البلاد يشعر بالضغط، فإن مستويات التوظيف في الأتمتة والطاقة الجديدة تتناقض بشكل صارخ مع الاقتصاد ككل، حيث تستمر في النمو بوتيرة جيدة.

ووفقا للأرقام الصادرة عن "زيليان تشاوبين"، وهي منصة توظيف عبر الإنترنت في الصين، ارتفعت الوظائف المنشورة في مجال الأتمتة الصناعية في النصف الأول من سنة 2023 بنسبة 7 بالمئة على أساس سنوي، في حين نمت الوظائف الشاغرة في مجال الطاقة الجديدة بنسبة هائلة بلغت 36 بالمئة في الفترة نفسها. وارتفع عدد وظائف مهندسي طاقة الرياح ووظائف الإشراف الهندسي بنسبة 738 بالمئة و322 بالمئة على التوالي.



وذكر تقرير منصة "زيليان تشاوبين" أنه "في ظل توجيهات السياسة، فإن الطلب على الطاقة النظيفة -وخاصة عدد مشاريع طاقة الرياح- ينمو بسرعة، مما يتطلب المزيد من مهندسي طاقة الرياح للمشاركة في البحث والتطوير والتصميم والبناء والصيانة".

أكد الموقع أن الصين تُهيمن بالفعل على قطاع الطاقة النظيفة العالمي، وتشير هذه الأرقام إلى استمرار النمو السريع في المدى القريب. ويتسبب هذا في مشاكل للمنافسة العالمية، حيث بدأت الدول الرئيسية الأخرى المنتجة للطاقة، وخاصة الولايات المتحدة، في استثمار القليل للغاية - وبعد فوات الأوان - في بناء قدراتها في مجال الطاقة الخضراء. 

لقد ظلّت الصين تتفوق على منافسيها لسنوات حتى الآن؛ ففي السنة الماضية تضاعف مستوى إنفاق الولايات المتحدة على الطاقة النظيفة أربع مرات، ولديها سلاسل إمداد للطاقة النظيفة راسخة في جميع أنحاء العالم، كما أنها تحتكر عددا من نقاط سلسلة التوريد الرئيسية. وتنتج الصين نحو 80 بالمئة من الألواح الشمسية في العالم، و60 بالمئة من السيارات الكهربائية، وأكثر من 80 بالمئة من بطاريات السيارات الكهربائية. وتنتج 60 بالمئة وتعالج حوالي 90 بالمئة من المعادن الأرضية النادرة في العالم، وهي مكونات أساسية للبنية التحتية للطاقة النظيفة، بما في ذلك بطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية الكهروضوئية.



وعلى الرغم من أن حجم هيمنتهم في هذا القطاع له عيوب جيوسياسية خطيرة ومخيفة، إلا أنه يبعث على الأمل للغاية بالنسبة لاتجاهات المناخ العالمية. وفي حين أن سيطرة الصين على سلاسل توريد الطاقة النظيفة لا تحظى بشعبية في الغرب، وذلك لسبب وجيه، فإنها ترتبط بمكونات الطاقة النظيفة بأسعار معقولة في وقت تشتد الحاجة إليها. 

علاوة على ذلك، تشير نقطة التشبع في السوق المحلية إلى وجود اتجاه تنازلي في الطلب الكبير على الطاقة في البلاد، خاصة بالنسبة للصناعات التي يصعب إزالة الكربون منها مثل صناعة الصلب. ونتيجة لهذا، فإن استهلاك الصين من الوقود الأحفوري سوف يستقر ثم يبدأ في التناقص التدريجي، في حين تستمر قدرتها على الطاقة النظيفة في النمو.