سلط البيان السوري الأخير الأضواء على تطورات العلاقة المعقدة مع سورية. حسنا فعلت وزارة الخارجية بالرد على الاتهامات السورية ووضع الحقائق في نصابها، لا سيما وأن البيان السوري تضمن مغالطات فندها الرد الأردني. لا يساورني أدنى شك أن الأردن يريد وبكل صدق علاقة جيرة طيبة مع الجارة الشمالية، وقد كانت سياساته ومصالحه تصب في وحدة سورية وترابها، وأن تتمكن من تعزيز أمنها واستقرارها، وأن تكون قادرة على إبقاء مشاكلها داخل حدودها لا تتحول لدولة منهارة فترتب أعباء على جيرانها.
سياساتنا وتحركاتنا تدل على صدق النوايا تجاه سورية؛ فسياسة الانفتاح عليها وإعادتها للجامعة العربية كانت أفكارا أردنية تحملنا بسببها تكلفة وضغوطا دولية شتى. سياسة الخطوة مقابل الخطوة مع سورية لم تحقق نتائج ملموسة، فلم يلتزم الجانب السوري بما عليه، وعادت الأوضاع الميدانية تفرض نفسها على الجميع، من انفلات كامل وعدم قدرة سورية على ضبط حدودها، بسبب استباحة الحدود من قبل مليشيات طائفية شريرة، ولأن سورية خرجت منهكة من الحرب عسكريا واقتصاديا، وصل تعداد قواتها النظامية فقط لخمسين ألف مقاتل يعانون من ضعف التدريب والتسليح.
ثمة عدة احتمالات لماذا سورية أصدرت بيانها الاتهامي، الأول، أنها تريد أن تقول لرأيها العام؛ إنها لا تقبل أن تقوم دولة أخرى بتنفيذ أعمال عسكرية على أراضيها، وهذا مستبعد لأن سورية الرسمية لا تأبه حقيقة برأيها العام، وهي فعليا مستباحة من عدة جيوش ومليشيات؛ لأنها لا تقوى أن تقوم بأعمال الدولة السيادية وطرد هذه القوات. الاحتمال الثاني أن سورية أصدرت البيان لأنها أدركت تنامي التعاطف الشعبي والتأييد لأي جهد يخلص السوريين في الجنوب من مليشيات السلاح والمخدرات؛ فالسوريون يعانون أيضا من هذه الآفات التي يحاول الأردن حماية حدوده منها.
قد يكون ثمة اعتقاد أن الأردن قد يخلق فعليا منطقة عازلة أو آليات وقوى تكافح المخدرات والسلاح في الجنوب السوري، تماما كما فعلنا مع العشائر السورية التي دربنا أفرادا منها في مراحل ما لكي يقاتلوا داعش الذي استباح الجنوب السوري. أما الاحتمال الثالث، فهو أن يكون البيان بضغط من المليشيات والدول التي تدعمها وهي
إيران، لما عانته من خسائر جراء استباقية الأردن عسكريا وضربه أوكار المخدرات والسلاح. هذه المليشيات كانت تعمل دون أي رادع لعدم وجود دولة سورية في الجنوب، ولذا فالضربات العسكرية كانت استراتيجية لجهة إضعاف هذه المليشيات وحماية الحدود.
أيا كانت أسباب البيان السوري الغريب في توقيته، حيث يأتي بعد عديد من الاشتباكات في منطقة الحدود، فواقع الحال يقول؛ إن الأردن لا يريد من سورية إلا استقرار حدودها، ولا يسعى للمساس بسيادتها، وأن ما يحدث تهديد مباشر للأمن الوطني الأردني، والأردن سيوقفه بكل الأدوات المتاحة؛ بدأت بالتفاعل الدبلوماسي والسياسي، وبعد إخفاق ذلك استخدم أدواته العسكرية والأمنية.
سورية تعلم أن الأردن قادر على ردع ما يحدث على الحدود، وتعلم أن المساس بالأمن الوطني الأردني أمر ستكون تكلفته عالية على سورية، ويجب أن تعي أن استباحة الجنوب السوري من قبل مليشيات مدعومة من إيران، أمر سيقف بوجهه الأردن حتى لو بقوة النار.
الغد الأردنية