"أروح من ربنا فين لو أنا السبب، لو أنا مادخلش لقمة عيش أقدر أدخلها لغزة، أروح من ربنا فين؛
معبر رفح مفتوح 7 أيام 24 ساعة في 30 يوم"، هكذا رد رئيس النظام
المصري، عبد الفتاح السيسي، على جُملة من الاتهامات التي تم توجيهها لمصر، في تسّببها في عرقلة دخول المساعدات إلى قطاع
غزة المحاصر.
وأثارت الجُملة التي قالها السيسي، خلال الاحتفال الـ72 بذكرى عيد الشرطة، الأسبوع الماضي، نقاشا واسعا، خاصة بين مختلف رواد منصات التواصل الاجتماعي، ما بين مستنكر لكلامه، وبين مُصرّ على المطالبة بفتح المعبر الذي يُعتبر نجاة لأهالي القطاع المحاصر، وأملا لكثيرين في دخول خيم ومساعدات إنسانية تقيهم الموت جوعا وبردا، وكذلك وسيلة انعتاق لآلاف الراغبين في الولوج إلى مصر من أجل العلاج.
وذكّر عددا من رواد منصات التواصل الاجتماعي، بأن الفريق القانوني لدولة الاحتلال الإسرائيلي، في محكمة العدل الدولية، قد حمّل مصر المسؤولية الكاملة عن معبر رفح، زاعما أن جانب الاحتلال لم يمنع دخول المساعدات. ممّا أشعل فتيل المظاهرات من جديد في عدد من الدول، وكذا تسارعت المنشورات على مختلف المنصات، المنددة باستمرار إغلاق "منفذ عيش الغزّاويين"، عبر استخدام وسم "افتحوا المعبر لدخول المساعدات".
هنا رفح.. حيثُ الجحيم
عائلات كُثر، اتخذوا من خيم ضعيفة الجودة مأوى لهم، في جنوب غربي المدينة الساحلية على مسافة قريبة من الحدود المصرية، وذلك بعد نزوح غالبيتهم من مدينة خان يونس، خلال الأيام الأخيرة، خوفا وألما ورعبا من مشاهد الحرب التي حالت الحياة لديهم إلى ما يصفونه بـ"الجحيم".
"مضطرين من الهرب، لا مُخيّرين" هكذا تُبرّر جلّ الأهالي تواجدها على مقربة من الحدود المصرية؛ فيما يشكي آخرون ندرة التغذية، وسوء أحوال الطقس، وانعدام أي وسيلة للعيش السليم؛ حيث إن أغلبهم يفتقر حتى لخيمة قد تأويه جزئيا، خاصة بعد أن اكتظت أماكن النزوح بالأهالي ولم يكن هناك مجالا لإضافة أشخاص آخرون، ظلوا يفترشون العراء.
تتنامى مشاهد البؤس والألم، هنا، وفق ما رصدته "عربي21" من صور ومقاطع انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي، في الأيام القليلة الجارية، حيث ساءت أحوال الطقس، وتضاعفت المعاناة؛ وبات الأغلب يُردّد: "ما يحصل غير منطقي، لا يوجد في غزة مدارس ولا أي من مقومات الحياة، فقدنا كل شيء؛ ليفتحوا لنا المعابر".
ويقول رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية، أحمد رفيق عوض، إن "العلاقة المصرية الفلسطينية مهمة جدا، بسبب الجيرة وتشابك المصالح وتعقيد المشهد؛ ونعلم أن لدى مصر جُملة من الاتفاقات مع إسرائيل وأمريكا والاتحاد الأوروبي، وكذلك لها مشاكلها الداخلية، خاصة الاقتصادية".
ويضيف عوض، في حديثه لـ"عربي21": "بالنسبة لنا كفلسطينين نرغب في أن يكون المعبر مفتوحا طوال الوقت، ونرغب أن تكون هناك سيطرة عليه، حيث إن حجم مصر ونفوذها يسيطر على المشهد ككل، لكن يبدوا أن المشهد أعقد من ذلك بكثير".
وتابع: "يبدو أن الحسابات المصرية لا تتفق بشكل كبير مع الحسابات الفلسطينية، ونحن لا نكلف أي طرف ما لا يستطيع، حيث إن الرسائل والمطالب واضحة جدا، ونحب لمصر أن تتصرف على قدر حجمها ومصالحها وقيمها، وحجم العلاقة بيننا".
للعُبور ثمن باهظ
خلال الأسبوع الماضي، فتح تقرير استقصائي، نشر على صحيفة "لوموند" الفرنسية، باب الاستنكار والاستفسار على مصراعيه، حيث كشف أن "عبور معبر رفح، وهو المخرج الوحيد من جحيم غزة، أصبح تجارة مربحة للمستفيدين من الحرب وعبئا لا يحتمل على من يريدون الخروج".
وأضاف التقرير الذي أعدته الكاتبة إيلان سالون، أن "شبكة من الوسطاء ووكالات السفر تبيع تصاريح الخروج من قطاع غزة إلى مصر بأسعار باهظة تبلغ عدة آلاف من الدولارات"؛ فيما اعتبر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، في بيان صدر بتاريخ 10 كانون الثاني/ يناير، أن "الادعاءات بفرض رسوم إضافية على الفلسطينيين، لا أساس لها من الصحة"، داعيا إياهم إلى "التنديد بهذه الممارسات".
أما فيما يخص جهود الوساطة المصرية من أجل التوصل إلى "تهدئة" في قطاع غزة، الذي يتواصل عليه العدوان لليوم 113 على التوالي، لم تتخلّلها إلى بضعة أيام قليلة من الهدنة؛ كان مسؤول من دولة الاحتلال الإسرائيلي، قد أعلن، الأحد، أن "إسرائيل تدرس المبادرة المصرية لوقف الحرب في غزة، التي سلمتها مصر لوفد حركة حماس، خلال المحادثات التي جرت في القاهرة".
وأشار المسؤول الذي لم يكشف عن اسمه، إلى أن "مجلس الحرب الإسرائيلي، سوف يبحث المقترح المصري في اجتماعه، يوم الاثنين القادم"؛ فيما لم يصدر عن حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلية، أي موقف رسميا في هذا الخصوص، سوى موقف صدر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عبر إعلانه "تكثيف القتال ضد حركة حماس"، مؤكدا أمام برلمان دولة الاحتلال: "نحن لا نتوقف، ونواصل القتال، وسنكثفه في الأيام المقبلة، وسيكون قتالا طويلا ولم يقترب من نهايته".
وأكد رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال اجتماع الحكومة المصرية، الأربعاء، على "ضرورة النفاذ الفوري للمساعدات الإنسانية بالكميات الكافية إلى قطاع غزة، لإنهاء معاناة المدنيين فيه" مشيرا إلى: "الجهود المكثفة والاتصالات الجارية التي تقوم بها الدولة المصرية مع مختلف الأطراف للدفع تجاه وقف إطلاق النار".
هل ستتخذ مصر قرار فتح المعبر؟
للحديث عن مدى إمكانية مصر اتخاذ قرار يخص فتح معبر رفح، خاصة من أجل إدخال المساعدات الإنسانية، وإمكانية خروج المضطرين نحو مصر، تواصلت "عربي21" مع المختص في الأمن القومي العربي، منعم أمشاوي، الذي قال: "في البداية ليس خفي أن السلطات المصرية مرتبطة باتفاقيات سلام مع إسرائيل، وذلك منذ اتفاق كامب ديفيد، وما تلاه من ملاحق عسكرية وأمنية وغيرها، التي لا شك أنها تلزم الجانب المصري باتخاذ كل ما من شأنه حماية أمن إسرائيل".
وأضاف أمشاوي: "من هذا المنطلق فإن معبر رفح بين مصر وقطاع غزة كان منذ سنوات نقطة حرجة للسلطات المصرية التي كانت تجد نفسها بين مطرقة الالتزامات التي تفرضها اتفاقيات السلام، وسندان الواجب الأخلاقي والإنساني تجاه غزة".
واستطرد أمشاوي، في حديثه لـ"عربي21" بأنه: "من الواضح أن الخصومة التي طفت على السطح بين النظام المصري الحالي وحركات المقاومة الإسلامية في غزة، قد زادت من تعقيد الوضع في معبر رفح"، مردفا: "طبعا ليس خفيا كذلك أن مستوى التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل في حقبة النظام الحالي أصبح أكثر وأشمل".
إلى ذلك، تابع المختص في الأمن القومي العربي، مؤكدا: "كلها أسباب تجعل مصر تتلكأ في فتح المعبر أمام المساعدات الإنسانية، لأنها ببساطة لم تحصل على الضوء الأخضر الذي يستوجب التنسيق الأمني مع إسرائيل بخصوص بذلك"، مضيفا: "طبعا الجميع تابع كيف تنكرت إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية من مسؤوليتها عن إغلاق معبر رفح، وتحميل الجانب المصري مسؤولية ذلك".
وأشار المتحدث نفسه لـ"عربي21" على أنه "واقعيا، يصعب تخيل فتح المعبر دون تنسيق مع الجانب الإسرائيلي. ورغم الحرج والضغط الشعبي الذي تسلطها المظاهرات الشعبية على النظام السياسي في مصر غير أنه يصعب فتح المعبر دون تنسيق" معتقدا أن "فتح المعبر وإدخال المساعدات الإنسانية سوف يكون جزء من جهد دبلوماسي شامل، تنخرط فيه مصر بشكل أساس، على اعتبار أنها معنية أكثر من أي وقت مضى، بسبب الضغط الشعبي وتنامي الأزمات في قطاع غزة، وتأثيرها على مصر. وهو الأمر الذي يفهم من تصريحات السيسي الأخيرة".
سيناريوهات قادمة
جوابا على سؤال "عربي21" بخصوص السيناريوهات القادمة، قال أمشاوي: "إسرائيل حتى الآن لا تملك الكثير من الأوراق التفاوضية باستثناء ورقة الحصار والقتل الجماعي"؛ فيما يرى رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية، أحمد رفيق عوض، أنه "لا مصر ولا إسرائيل معنيين بالتصعيد، حيث لن يخسرا بعضهما البعض، لأن معاهدة السلام قوية بينهما؛ غير أنه من الممكن أن يتم الاتفاق بطريقة ما على إدارة المعبر، أو حتى محور صلاح الدين "فيلادلفيا".
وأضاف رفيق عوض: "التوتر وسوء الفهم بين مصر وإسرائيل ليس الأول من نوعه، سبق وأن كان هناك توترات من هذا النوع وسبق حلّها، وبالتالي أعتقد أنه سوف يكون هناك اتفاق سري أو علني، وأعتقد أن هذا هو السيناريو الأكثر تحققا".
تجدر الإشارة إلى أنه تواجدت في معبر رفح الحدودي بشمال سيناء، الأربعاء، 110 شاحنات، تمهيداً لإدخالهم إلى قطاع غزة، بعد تنفيذ الإجراءات المتبعة؛ بينما أكد مصدر مسؤول في المعبر أن "إدخال الشاحنات يتم بالتنسيق بين (الهلال الأحمر المصري) ونظيره الفلسطيني ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لتوزيعها على المواطنين الفلسطينيين في غزة"، غير أن الوضع يصفونه النازحين في المعبر، على الحدود المصرية بـ"المُزرية"، متأمّلين في فتح منفذ الحياة لهم، والسماح بتسلل بصيص الأمل إليهم، لتدبّ فيهم روح الحياة مُجدّدا.