نشرت صحيفة "فزغلياد" الروسية مقالا للكاتب إيليا لاكستيغال، جاء فيه أن قرار
محكمة العدل الدولية في
لاهاي، الذي ألزم إسرائيل باتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع الإبادة الجماعية في قطاع
غزة، هو قرار مهم ولكن الأهم منه هو فتح هذا الملف في حد ذاته.
وتقول الصحيفة في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن محكمة العدل الدولية في لاهاي أصدرت في 26 كانون الثاني/ يناير قرارا مؤقتا، بناء على الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا بشأن انتهاكات إسرائيل لاتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، في قطاع غزة. وبحسب نص القرار، فإن إسرائيل ملزمة باتخاذ جميع التدابير لمنع وقوع إبادة جماعية في القطاع، وهو قرار حظي بدعم 15 من أصل 17 قاضيا، وتم بثه بشكل مباشر من الموقع الرسمي للمحكمة.
هذا القرار يفيد بأن محكمة العدل الدولية على علم بحجم المعاناة الإنسانية وتشعر بالقلق من تواصل فقدان الأرواح في غزة، وهو ما قد يدفع بالأوضاع نحو مستويات أخطر، حتى قبل إثبات ارتكاب إبادة جماعية من طرف دولة إسرائيل.
وقد جاء في نص القرار أنه "على الأقل بعض الأعمال تبدو أنها على الأرجح مشمولة باتفاقية منع الإبادة الجماعية، لهذا فإن المحكمة قررت أن جنوب أفريقيا المتقدمة بالدعوى لديها الحق في المطالبة بإصدار أمر مؤقت باتخاذ إجراءات لحماية حقوق سكان قطاع غزة، قبل صدور القرار النهائي للمحكمة".
وقد وافقت أغلبية ساحقة من قضاة المحكمة على أن إسرائيل ملزمة بالتصرف وفق التزاماتها المنصوص عليها في معاهدة منع الإبادة الجماعية، وبالتالي فإن الدولة اليهودية ملزمة بتجنب قتل الفلسطينيين أو التسبب في ضرر جسدي وعقلي لهم، أو تعمد خلق أحوال معيشية يقصد بها إهلاكهم الكلي أو الجزئي، أو اتخاذ إجراءات تستهدف منع الإنجاب داخل سكان القطاع.
ومن بين أشياء أخرى ألزمت بها المحكمة إسرائيل، فإن تل أبيب مطالبة أيضا باتخاذ كل الإجراءات التي في وسعها منع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. ومن الأمثلة على هذه التصريحات، أشار قرار المحكمة إلى كلام وزير الدفاع يوآف غالانت الذي قال في بداية الحرب إن إسرائيل تواجه حيوانات بشرية. وإلى جانب منع أعمال تهدد بحدوث إبادة جماعية، فإن إسرائيل مطالبة أيضا باتخاذ تدابير ملموسة لمنع تدمير وضمان المحافظة على الأدلة المتعلقة بأعمال مشمولة بمعاهدة منع الإبادة الجماعية.
ونص قرار المحكمة على أن إسرائيل مطالبة في غضون شهر واحد بتقديم تقرير للمحكمة يفيد بكل الإجراءات التي تم اتخاذها لتنفيذ هذا القرار، مع التأكيد على أنه يبقى قرارا مؤقتا، وأن جنوب أفريقيا وإسرائيل، كل منهما لديه الحق في مواصلة تقديم الأدلة التي تدعم موقفه.
وتشير الصحيفة إلى أن جنوب أفريقيا كانت قد تقدمت بهذه الدعوى ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وقد انطلقت جلسات الاستماع في 11 كانون الثاني/ يناير. وفي نص الدعوى المكونة من 84 صفحة، تقول جنوب أفريقيا إن أعمال إسرائيل في قطاع غزة تعتبر إبادة جماعية. كما أنه جاء فيه أن أعمال الإبادة الجماعية تتضمن قتل المدنيين والتسبب لهم في ضرر جسدي وعقلي خطير، وتعمد خلق أحوال معيشية يقصد بها الإهلاك الفعلي للفلسطينيين كمجموعة.
وبرأي ليودميلا سامرسكاسا، الباحثة في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد الاقتصاد الدولي والعلاقات الدولية في موسكو، فإنه من وجهة نظر سياسية، لن يكون القرار المؤقت للمحكمة في لاهاي أكثر أهمية من الضربة التي تلقتها سمعة إسرائيل بمجرد فتح هذا الملف. وتضيف هذه الباحثة أن تل أبيب كانت منذ البداية تشعر بحساسية شديدة تجاه دعوى جنوب أفريقيا والدفوعات التي تقدمت بها أمام المحكمة.
يذكر أن إسرائيل كانت بشكل عام ملتزمة بعديد التوصيات إلى حد معين، وهذا ينطبق مثلا على السماح بدخول وتوزيع المساعدات الإنسانية ومحاولة منع وقوع إصابات بين المدنيين. وعلى كل حال فإن هذا القرار مؤقت والنظر في هذه الدعوى سيتواصل. وفي الوقت الحالي فإنه في حد ذاته لا يمثل أي ضرر حقيقي على سمعة إسرائيل.
في المقابل، يرى سيرغاي غلاندين، من مؤسسة بي جي بي الروسية للاستشارات القانونية، أن التجارب السابقة في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية بناء على معاهدة منع الإبادة الجماعية، تظهر أن استخدام الدول لهذه الورقة عادة ما يكون ناجحا. وقرار اتخاذ إجراءات مؤقتة هو في حد ذاته دليل على أن الدعوى الجنوب أفريقية وبشكل مبدئي تبدو مبررة، وهذا سيكون محددا لحظوظها في النجاح. ويضيف هذا المحامي أن هذا القرار التي أصدرته المحكمة يظهر ولو بشكل غير مباشر وغير صريح، أنه تم اعتبار إسرائيل قد خالفت التزاماتها بموجب معاهدة منع الإبادة الجماعية للعام 1948.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)