لا يكاد يمر يوم في
العراق، إلا وتصدر أو تُنفذ فيه أحكام إعدام جديدة، من قضاء تشوبه الكثير من الإشكاليات وظروف اعتقال وتعذيب تفتقر لأدنى متطلبات حقوق الإنسان، وفق منظمات حقوقية عربية ودولية.
الأسبوع الماضي، كشفت منظمات حقوقية عن عزم السلطات العراقية تنفيذ أحكام إعدام بالجملة بحق معتقلين عراقيين بتهمة الإرهاب، تلك التهمة التي اعتقل وفقها آلاف العراقيين خلال السنين الماضية.
وذكر المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، أن هناك ارتفاعا كبيرا بأحكام الإعدام ضد المعتقلين في
السجون، بالتوازي مع تحذيرات سياسيين من مغبة تنفيذها وسط غياب
محاكمات عادلة.
150 ينتظرون الإعدام
وقال المركز؛ إن السلطات أُصدِرَت أوامر تنفيذ حكم الإعدام بحق أكثر من 150 معتقلا، مبينا أن الخطوة تدل على أن المحاكمات ناقصة الشرعية والثبوتية.
وأشار المركز إلى الإجراءات التي سبقت البت بحكم الإعدام، ومنها
التعذيب والإجراءات الانتقامية، كما أن إجراءات التحقيق لم تكن وفق الطرق الصحيحة في الاستئناف، ولا غيره من الطرق القانونية التي يمكن من خلالها أن تثبت الجرم أو عدمه، ومن ثم سيكون الإعدام من أول جلسة حكم على المدان، سواء أكان مجرما أم بريئا، وفق بيان المركز.
وأردف المركز، "أن السلطات الحكومية تحتجز عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير إنسانية، بوضعهم في زنازين مكتظة وغير مهيأة صحيا لسنوات طويلة بدوافع انتقامية وطائفية، مع انعدام الظروف الصحية في معتقلاتهم، وفي درجة حرارة ورطوبة عاليتين، ما يؤثر على صحتهم بشكل مباشر".
وطالب المركز مكتب الأمم المتحدة في العراق بالعمل على "وقف عقوبة الإعدام في العراق؛ كونها تجري بشكل تعسفي وعلى أساس اعترافات انتزعت تحت التعذيب والإكراه، لافتا إلى أن النظام القضائي العراقي لا يكفل إجراء محاكمة نزيهة كافية، بما يتفق مع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية".
وقالت مستشارة المركز الدكتورة فاطمة العاني؛ "إن المركز يتوصل لأعداد الذين صدرت بحقهم أحكام الإعدام بعد أن يتم التنفيذ بهم، وحتى هذه الأعداد ليست كاملة ودقيقة".
وأضافت في حديث لـ "عربي21"، "لا يمكن معرفة الأعداد التي تروم السلطات تنفيذ حكم الإعدام بحقهم، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: أين الإجراءات القانونية، وأين محامي الأشخاص، وأين الضمانات الحكومية في تحقيق العدالة؟".
تسارع وتيرة الإعدامات
من جانبها، استنكرت هيئة علماء المسلمين في العراق، ارتفاع وتيرة تنفيذ عمليات الإعدام خلال الفترة الماضية في البلاد، كاشفة عن تنفيذ عمليات إعدام أخرى غير معلنة داخل السجون.
وذكرت الهيئة في بيانها، أن العراق ما زال يحتل "المراكز المتقدمة عالميا للأعداد المعلنة للسجناء، مع وجود ما لا يقل عن 140 ألف معتقل في السجون الحكومية المعلنة"، بينما تشير تقارير عدة إلى أن الأعداد الحقيقية للسجناء المغيبين بشكل قسري أكبر من ذلك بكثير.
وأضافت، "أن الحكومات المتعاقبة تطلق موجات متتابعة من الإعدامات الجماعية الانتقامية بحق مواطنين حكم عليهم بالإعدام، خلال محاكمات سريعة تفتقر لأدنى مقومات العدالة، وتصل أعدادهم إلى 8 آلاف محكوم بالإعدام".
وأشارت إلى أن السلطات انتزعت الاعترافات من المحكومين، تحت التعذيب مع علم القضاة بهذه الحقيقة، ورؤيتهم لما يثبت ذلك بعين اليقين.
وأكد بيان الهيئة، "أن نسبة تنفيذ عمليات الإعدام المسجلة والوفيات في سجون العراق في العام الماضي، هي ضعف ما كانت عليه عام 2022، حيث يرجع ذلك لتسارع الموافقات التنفيذية على أحكام الإعدام.
واستدرك البيان، "أن السلطات نفذت خلال الشهر الماضي وفي يوم واحد حكم الإعدام بـ13 معتقلا في سجن الناصرية، جنوبي البلاد".
ووصف بيان الهيئة، عمليات الإعدام "بأنها أسلوب انتقام وفق عقلية طائفية"، كما اتهمت الحكومة العراقية بأنها "تسعى لتحقيق مكاسب سياسية بائسة على حساب حياة الأبرياء، في وقت ما زال فيه الجناة الحقيقيون يتمتعون بإفلات مطلق ومستمر من العقاب في البلاد".
"ظلم مريع"
من جانبها قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"؛ إن 150 معتقلا يواجهون الإعدام الوشيك دون إنذارـ في حال موافقة الرئيس عبد اللطيف رشيد على الأحكام بحقهم.
وذكرت سارة صنبر، باحثة العراق في المنظمة، أن "استئناف الإعدامات الجماعية في العراق تطورٌ مريع، لا سيما أن هذا الظلم الهائل تفاقمه الشوائب القضائية الموثقة جيدا، التي تحرم المتهمين من المحاكمات العادلة".
وبينت هيومن رايتس ووتش، أن إعدامات الشهر الماضي، نُفذت دون مراعاة الحقوق الإنسانية للمحكومين.
من جانبها أكدت الدكتورة فاطمة العاني مستشارة المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، "أن خبراء في الأمم المتحدة يشيرون إلى أن عمليات الإعدام التعسفي، التي نُفذت على نطاق واسع ومنهجي في السجون الحكومية، قد ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية".
وأوضحت، "أن ذلك يستلزم مسؤولية جنائية عالمية لأي مسؤولين متورطين، وهذا بحسب ما أفاد به تقرير بعثة الأمم المتحدة الأخير بشأن الاعدامات التي أجريت مؤخرا".
مكبرات الصوت تبث الرعب
ونقلت هيومن رايتس ووتش عن معتقل في سجن الناصرية قوله؛ إن أسماء الرجال الـ 13 الذين أُعدموا، أُذيعت على مكبرات الصوت في السجن ليلة الإعدام، حيث جمعتهم السلطات من زنزاناتهم وأعدمتهم في الصباح، ولم يُسمح لهم بالاتصال بعائلاتهم أو محاميهم قبل إعدامهم.
وذكر محام، طلب عدم ذكر اسمه، يمثّل سجناء عدة في سجن الناصرية للمنظمة "يستحيل عليّ منع إعدام الضحايا الذين أمثلهم لا نعرف مَن سيكون الهدف، وفي أي قضية، ولأي سبب، ومتى، ولا يمكنني حتى الاطلاع على ملفات قضايا موكليَّ. أبحث منذ أشهر وأتصل بجميع المحاكم في العراق، لكن الجميع يقولون؛ إنه لا يمكنهم إعطائي إيّاها".
وأضاف، "دون شفافية، لا يعرف المساجين وعائلاتهم إذا تمت المصادقة على أحكامهم أم لا. يعرف بعض المساجين أن أحكامهم صُدّقت منذ سنوات، ويخافون من المناداة عليهم عبر مكبرات الصوت في يوم من الأيام".
وعن ذلك قالت الحقوقية العراقية فاطمة العاني، "أن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ذكرت أيضا (أن عدم إخطار الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام في الوقت المناسب بتاريخ إعدامهم يشكل، كقاعدة عامة، شكلا من أشكال سوء المعاملة، مما يجعل الإعدام اللاحق، مخالفا للمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالعقوبات)، العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".
قالت هيومن رايتس ووتش؛ إن ما يجري يبدو محاولة من قبل السلطات العراقية لاستئناف تنفيذ عقوبة الإعدام، بطريقة تتفادى الدعاية السلبية والإدانة الدولية اللتين رافقتا آخر جولة من الإعدامات.
وفي إجابتها على سؤال حول دور المنظمات الحقوقية لوقف هذه الانتهاكات، قالت العاني؛ "إن المنظمات الحقوقية الدولية وغير الدولية ليس لها صفة الالزام بوقف هذه الانتهاكات، ولكن على الأمم المتحدة يجب أن تضغط بقوة على مجلس الأمن لوقف هذه الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان، وإلا فإن الأمر مستمر لأغراض انتقامية طائفية".
محاكمات غير عادلة
وأكدت المنظمة أن التطبيق الواسع لعقوبة الإعدام يثير القلق بشكل خاص بسبب الشوائب الخطيرة في القضاء العراقي، لا سيما في محاكمات الإرهاب، التي تحرم المتهمين من الحق في محاكمة عادلة.
وأكدت رايتس ووتش، أنه في الغالب كانت محاكمات الإرهاب معجلة، واعتمدت على اعترافات المتهمين غالبا منتزعة تحت التعذيب، ولم تسمح بمشاركة الضحايا.
وأردفت، عادة ما تستند المحاكم العراقية إلى اعترافات لا سند لها، وتتجاهل مزاعم انتزاع هذه الاعترافات تحت التعذيب. ينبغي للقضاة العراقيين، تماشيا مع معايير القانون الدولي والإجراءات الجزائية العراقية، أن يحققوا في جميع مزاعم التعذيب المعقولة، ويحاسبوا قوى الأمن، وينقلوا المحتجزين إلى منشآت أخرى فور ادعائهم التعرض للتعذيب، أو سوء المعاملة لحمايتهم من الانتقام.
بدورها تقول العاني؛ "إن تقارير دولية سابقة، أظهرت بأن عمليات الاحتجاز والتحقيق تفتقر إلى المعايير الدولية، لاسيما أن عمليات الاعتقال نفسها هي مخالفة للقانون، وأنها تعتمد على المخبر السري الذي لا أساس وسند قانوني لأقواله، ومن ثم التعذيب الذي يكتنف عمليات التحقيق ضد الأشخاص، الذين يتهمون بتهم كيدية، والذين تتراوح أعدادهم بنسبة 90 بالمائة".
وتابعت في معرض حديثها لـ "عربي21"، "من ثم تفتقر إلى السند القانوني الحقيقي لعملية الاعتقال والحكم النهائي الصادر بحقهم، وهذا ما أشار إليه تقرير الأمم المتحدة الذي يصف هذه الإجراءات بأنها لا تتصف بالشفافية، وأنها لا تقدم ضمانات الأمم المتحدة التي تحمي حقوق من يواجهون عقوبة الإعدام، فإن الشفافية هي الحد الأدنى من متطلبات تطبيق عقوبة الإعدام".
شهادات مروعة
ونقلت المنظمة شهادة عراقي لديه ثلاثة أشقاء محكومون بالإعدام حيث قال؛ إن تهمة الإرهاب لفقت لأشقائه بعد رفض عائلته محاولات ابتزاز إحدى المليشيات، لجعلها شريكة في شركة البناء التي تملكها العائلة.
وأضاف أن أشقاءه تعرضوا للتعذيب وأشكال أخرى من سوء المعاملة يُسمح لوالدته وزوجات أشقائه بزيارتهم مرة كل ستة أشهر فقط، ويتعرضن للمعاملة القاسية من الحراس عند كل زيارة.
وتابع: "خلال الزيارة الأخيرة، ضرب أحد الحراس ابن شقيقي البالغ من العمر 10 سنوات، كما أخبر أشقائي أمي أنهم تعرضوا للتعذيب، وأُجبروا على توقيع اعترافات، وعُذبوا نفسيا، وأجبرهم الحراس على الوقوف عراة في الهواء الطلق كنوع من التعذيب".
ويعرف سجن الناصرية بظروفه المزرية، حيث قالت رايتس ووتش؛ إنها على علم بـ 96 حالة وفاة على الأقل بين سجناء الناصرية منذ 2021، 18 منها خلال أربعة أسابيع في 2021.
وقعت العديد من هذه الوفيات في ظروف مريبة، وظهرت آثار التعذيب على الجثث، وحُرمت العائلات من الحصول على تقارير التشريح، وفقا للمنظمة.
دوافع طائفية
من جانبه، دعا مرصد أفاد لحقوق الإنسان السلطات العراقية، لوقف تنفيذ أحكام الإعدام بحق 150 سجينا في سجن الحوت بالناصرية جنوب العراق.
وقال المرصد في بيان له؛ إن قضية أحكام الإعدام في العراق تثير جدلا واسعا منذ سنوات، في ظل تقارير عن انتهاكات متعددة لحقوق الإنسان، بداية من وشايات المخبر السري، وصولا إلى ضغوط سياسية تستخدم ملف المحكومين بالإعدام خصوصا لأغراض انتخابية، ناهيك عن إثارة الشحن الطائفي الذي يسعى إليه بعض السياسيين، بحسب ما تقوله منظمات حقوقية عالمية ومحلية وتصريحات لنواب في البرلمان العراقي.
وذكر المرصد أنه حصل على معلومات تفيد بتصديق رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال على تنفيذ أحكام الإعدام بحق 150 سجينا جديدا في سجن الحوت، في ظل تجاهل واضح لانعكاساته السلبية على وضع ملف حقوق الإنسان بالعراق دوليا، فضلا عن السلم الاجتماعي في البلد الذي يعاني منذ سنوات؛ جراء الاحتقان الطائفي وممارسات انتقامية بجانب الإقصاء والتهميش لمكونات معينة من العراقيين.