في ظل الهجمات التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد فصائل مسلحة عراقية، ردا على مقتل ثلاثة من جنودها في قاعدة عسكرية بالأردن، برزت تساؤلات عن مدى اندلاع
حرب مفتوحة بين واشنطن وهذه الجماعات الموالية لإيران، بعد توعد الأخيرة بالانتقام لقتلاها.
آخر تلك الهجمات الأمريكية كانت، الأربعاء، والتي أدت إلى مقتل قائدين بارزين من "
كتائب حزب الله"
العراقية، بطائرة مسيرة استهدفتهم في بغداد، وذلك بعد أيام من استهداف مماثل طال المليشيات في دير الزور والأنبار بسوريا والعراق أودى بحياة نحو 26 عنصرا.
وعلق أبو آلاء الولائي زعيم مليشيا "كتائب سيد الشهداء" إحدى فصائل "المقاومة الإسلامية" في العراق، على مقتل أبو باقر الساعدي وأركان العلياوي القياديين في "حزب الله" العراقي، قائلا: إن "المقاومة الإسلامية هي وليّ الدم" في إشارة إلى أنها هي من ستتولى الانتقام.
وعلى الوتيرة ذاتها توعدت مليشيا "النجباء"، المنضوية أيضا ضمن "المقاومة الإسلامية" في العراق بالرد على الهجمات الأمريكية ضد الفصائل المسلحة، بالقول إن "هذه الجرائم لن تمرّ من دون عقاب، وسيكون ردنا مركزا، وسنختار الزمان والمكان المناسبين".
تصعيد مستمر
من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي، باسم الشيخ، أن "كل المؤشرات بعد استهداف القياديين أركان العلياوي وأبو باقر الساعدي تدل على أن الفصائل ذاهبة باتجاه التصعيد واستمرار استهداف المصالح الأمريكية سواء المواقع العسكرية أو حتى الهيئات الدبلوماسية".
وأوضح الشيخ في حديث لـ"عربي21" أن "هذا الأمر بالنتيجة يؤدي إلى أن الأمريكيين سيمضون بخططهم في استهداف قادة الفصائل المسلحة المسؤولة عن أي هجمة تتعرض لها القوات الأمريكية، خصوصا أن الهجمة التي طالت قاعدة عسكرية تابعة للولايات المتحدة على حدود الأردن كانت مؤلمة لهم، وأن أعداد الضحايا كبيرة جدا".
وأعرب عن اعتقاده بأن "التصعيد مستمر، وأنه لا تهدئة على المدى القريب، لأن الفاعل الرئيس في الأحداث الحالية هو الحرب على عزة، التي ربما تزيد من وتيرة هذا الصراع، كون الفصائل العراقية هذه، تحاول تخفيف الضغط العسكري عن القطاع".
وأردف: "لكن التحالف الأمريكي البريطاني الإسرائيلي الذي يستهدف المواقع في المنطقة سيستمر، وقد يُقدم أيضا في الأيام المقبلة على استهداف قيادات جديدة في قوات الحشد الشعبي العراقية".
وشدد الشيخ على أن "الحكومة العراقية إذا لم تنجح في إيجاد تفاهمات مع قادة هذه الفصائل على إيقاف استهداف المصالح الأمريكية بشكل مؤقت، فإن التصعيد سيستمر ويتطور في المرحلة المقبلة".
وبيّن الخبير العراقي أن "الأمر يحتاج من الحكومة الذهاب إلى البرلمان وإيجاد صيغة تشريعية يمكن أن تطمئن الفصائل على أن القوات الأمريكية ستجلى من العراق، حتى لو كان هناك جدولة للانسحاب".
وأكد الشيخ أن "اللقاءات الأخيرة بين واشنطن وبغداد ضمن اللجنة العليا المشتركة من أجل إيجاد جدولة لانسحاب القوات الأمريكية، لم تكن مقنعة للفصائل المسلحة، واعتبروها نوعا من التخدير وكسب الوقت والمماطلة وتجاهل الأهداف الحقيقية".
ضربة بضربة
وفي السياق ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، عصام الفيلي، إن "الولايات المتحدة والفصائل المسلحة العراقية على يقين أن الواقع في الصدامات بينهما أصبح ضربة مقابل ضربة، لكن بالتأكيد أن مستوى هذه الضربات يختلف تبعا لمدياتها".
وأوضح الفيلي لـ"عربي21" أن "الولايات المتحدة تستخدم ضربات دقيقة لرؤوس مؤثرة لدى الفصائل، بينما تحاول الأخيرة أن تذهب باتجاه استهداف المصالح الأمريكية بواسطة قذائف أو طائرات مسيرة انتحارية تستهدف القواعد العسكرية في العراق وسوريا".
وأضاف أن "الولايات المتحدة الأمريكية أوصلت رسائل للفصائل بأن هناك 148 شخصية عراقية سيتم استهدافها في حال تصعيد الهجمات، وأن الضربة ستكون مؤثرة داخل هذه الجماعات المسلحة، وما حصل من استهداف لبعض القيادات في بغداد مؤخرا دليل على ذلك".
ولفت الفيلي إلى أن "الضربات الدقيقة الأمريكية المتبعة ضمن استراتيجية الردع التي تتبعها، تستهدف شخصيات منفردة في داخل السيارات تسير بالمناطق، وهذا يجعل مستوى تحركهم محسوبا جدا".
وتابع: "الولايات المتحدة في كل بياناتها تصف هذه الفصائل بأنها مليشيات إيرانية، ولا تضعها ضمن قوات الحشد الشعبي، وهذا يعني أن الفصل واضح لدى الإدارة الأمريكية، وطبيعة الأهداف القائمة وكيفية استهدافها".
ولفت إلى أن "ساحة المواجهة بين الولايات المتحدة والفصائل العراقية باتت ساحة مفتوحة، وحتى عندما ذهبت الحكومة العراقية باتجاه التفاوض عبر اللجنة العليا العسكرية بين واشنطن وبغداد، فإن الفصائل قصفت القوات الأمريكية بعدها بنحو 24 ساعة".
وأردف: "لذلك فإن طبيعة التكهن في ردّة الفعل تتوقف على مقدار الثقة بين الطرفين (القوات الأمريكية والفصائل)، لكن حسب الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين بغداد وواشطن، فإنه في حال رغب أي طرف بإنهاء العلاقة الأمريكية فيجب أن يبلّغ الآخر قبل عام من ذلك".
وتساءل الفيلي، قائلا: "ما الذي يمكن أن يحصل خلال هذا العام لإنهاء العلاقة الأمنية بين واشنطن وبغداد؟ لأن الموضوع فيه تداعيات اقتصادية وأمنية وعسكرية، وأن الولايات المتحدة إذا غادرت العراق فسيترتب عليه انسحاب بعثة الأمم المتحدة والسفارات الغربية".
وعلى ضوء ذلك، يضيف الفيلي، فإن "أطراف الإطار التنسيقي (الشيعي) عندما تناقش هذا الموضوع (إنهاء العلاقة الأمنية بين بغداد وواشنطن) فإنهم يضعون كل الاحتمالات على طاولة النقاش، وتأثيراتها في هذه المرحلة أو المراحل المقبلة".
جلسة للبرلمان
وبخصوص الجلسة التي سيعقدها البرلمان العراقي، السبت، والتي تتعلق بالهجمات الأمريكية، قال باسم الشيخ إن "فشل البرلمان في إيجاد صيغة نهائية لحل يمكن أن يرضي الحكومة والفصائل، ربما يدفع إلى هجمات مفتوحة على جميع المصالح الأمريكية".
وأكد الشيخ أن "الهجمات لن تقتصر على ضربة بضربة كما يحصل الآن، خصوصا أن القيادات التي تفقدها الفصائل العراقية مهمة ومؤثرة، وأن استهدافها يمكن أن يترك أثرا بالغا فيها".
وزاد قائلا: "إذا مضى البرلمان في تشريع قانون ينهي التواجد الأمريكي في العراق، فإنه سيكون شيعيا بامتياز، لأن القوى الكردية والسنية ترى في وجود الأمريكيين نوعا من الطمأنينة لها".
وتابع: "خصوصا أن استهداف الفصائل المصالح الأمريكية في إقليم كردستان أوجد نوعا من عدم الثقة، وخلق أيضا الحاجة لمثل هذه القوات داخل العراق. لذلك عندما صدر قرار من البرلمان عام 2020 بإخراج الأمريكان بقي حبرا على ورق كونه غير ملزم للحكومة".
وتساءل الشيخ قائلا: "هل خروج القوات الأمريكية من العراق سيمنع الأخيرة من استهداف الفصائل؟ الجواب: الولايات المتحدة قادرة على الوصول لأي منطقة في سوريا والعراق حتى لو لم يكن لديها وجود في هذين البلدين، وذلك لما تمتلكه من قدرات وقواعد في دول مجاورة".
من جانبه، قال عصام الفيلي إن "اللافت للنظر، هو أن الإطار التنسيقي كقوى سياسية قريبة من الفصائل المسلحة جمعت توقيع مئة نائب من أجل إقرار قانون في البرلمان ينهي التواجد الأمريكي في العراق، لكن تحوّلت الجلسة البرلمانية المرتقبة، يوم السبت، إلى جلسة نقاشية تخص انتهاك السيادة، لأن قوى الإطار ترى أن العلاج السياسي أهم من التصعيد حاليا".
وكانت قوى الإطار التنسيقي الشيعي الحليف لإيران في العراق، أعلنت، الخميس، أنها تمكنت من جمع أكثر من مئة توقيع لنواب في البرلمان، وذلك من أجل عقد جلسة، السبت، تبدأ في تشريع قانون برلماني يلزم الحكومة بإنهاء الوجود الأمريكي في البلاد.