قللت مصادر سورية وأردنية من حظوظ نجاح "خلية الاتصال" التي اتفق وزراء داخلية الأردن والعراق ولبنان والنظام السوري على تأسيسها خلال اجتماعهم في العاصمة الأردنية مطلع الأسبوع الحالي، لمكافحة تهريب
المخدرات عبر الحدود انطلاقاً من الأراضي السورية.
وأرجعت المصادر في حديثها لـ"عربي21" تقديرها إلى عدم جدية النظام السوري في مكافحة تهريب المخدرات، والتذرع بعدم فرض سيطرته الكاملة على الجنوب السوري والشريط الحدودي مع الأردن.
وكان وزير الداخلية الأردني مازن الفراية قد أكد بعد الاجتماع الوزاري تأسيس "خلية اتصال مشتركة"، تتألف من ضباط اتصال من الدول لتبادل الخبرات والتدريب والقدرات وبشكل رئيسي ومتابعة المعلومات سواء السابقة أو اللاحقة وتتبع الشحنات الخارجة من الدول إلى وجهتها النهائية.
وتابع بأن موضوع آفة المخدرات هو موضوع خطير له آثار اجتماعية واقتصادية، و"جميعنا معترفون بأن هناك مشكلة كبيرة هي مشكلة المخدرات وأن كل مجتمعاتنا تعاني من هذه المشكلة، لذلك اتفقنا اليوم أنه بدون جهد تنسيقي مشترك من قبل دولنا المجتمعة لن تكون هناك نتائج نصبو إليها".
ويأتي تشكيل الخلية بعد شن الأردن غارات جوية على مناطق تابعة لمجموعات التهريب في الداخل السوري، ويتزامن مع زيادة محاولات تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن من الحدود السورية، وكثرة الاشتباكات التي تخوضها قوات حرس الحدود الأردني مع مجموعات التهريب.
ويؤكد صلاح ملكاوي المحلل السياسي الأردني المقرب من دوائر صنع القرار الأردني، أن الاجتماع الوزاري يأتي ترجمة لقرار قمة جامعة الدول العربية التي عقدت في جدة في أيار/ مايو 2023، بإعادة نظام دمشق إلى الحضن العربي مقابل التزامات في مجال مكافحة المخدرات بعد ارتفاع منسوب شحنات المخدرات التي تستهدف الأردن والخليج العربي.
وأضاف لـ"عربي21" أن تشكيل الخلية جاء على خلفية فشل المسار الأمني العسكري بين الأردن والنظام السوري الذي أطلق خلال اجتماع وزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس مع رئيس هيئة أركان الجيش الأردني يوسف الحنيطي في عمان، بحضور مدير المخابرات الأردنية أحمد حسني، ونظيره السوري حسام لوقا في عمان، في تموز/ يوليو 2023، في مكافحة المخدرات.
وتابع ملكاوي، بالإشارة إلى زيادة تهريب المخدرات في الفترة الأخيرة، وقال: "بالتالي كان لا بد من الانتقال من المسار الأمني العسكري إلى المسار السياسي، من خلال ضم وزراء الداخلية التي تربطها بإيران علاقة قوية (
العراق، لبنان) إلى هذا المسار"، في إشارة منه إلى الاتهامات التي توجه لإيران بالمسؤولية عن شحنات المخدرات التي تستهدف الأردن.
الحجة على النظام السوري
وبحسب ملكاوي، فإن "خلية الاتصال" تُعبر عن حرص الأردن على إقامة الحجة والدليل على النظام السوري الذي لا يبذل أي جهد في مكافحة المخدرات أمام دول الجوار والجامعة العربية.
وهنا، اتهم المحلل السياسي الأردني النظام السوري باختلاق الذرائع للتهرب من مسؤوليته، موضحاً أن "دمشق تحدثت عن عدم امتلاكها السيطرة على الجنوب السوري بسبب خروجه عن السيطرة"، متسائلاً: "لكن هل ينسى النظام أن المخدرات تُصنع في مناطق تقع في عمق سيطرته، مثل ريف دمشق والساحل السوري؟".
وتابع ملكاوي، بأن النظام يحاول اختزال المشكلة في الجنوب السوري، لكن الكل يعلم أن محافظات درعا والسويداء والقنيطرة هي مراكز انطلاق لمجموعات التهريب نحو الأردن.
وكان الجيش الأردني أعلن بعد يوم واحد من الاجتماع عن مقتل 5 مهربين وإصابة 4 آخرين، أثناء محاولة تسلل وتهريب من
سوريا، مضيفاً في بيان أن "المنطقة العسكرية الشرقية وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية العسكرية وإدارة مكافحة المخدرات، أحبطت فجر الأحد ضمن منطقة مسؤوليتها، محاولة تسلل وتهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة قادمة من الأراضي السورية".
تزامنا، أعلنت وزارة دفاع النظام الاثنين أن قوات حرس الحدود صادرت 445 كفاً من مادة الحشيش المخدر و120 ألف حبة كبتاغون في البادية السورية بالقرب من الحدود الأردنية.
ويبدو أن خطوة النظام هذه تهدف إلى إظهار "جدية" في مكافحة تهريب المخدرات، وعن ذلك يتساءل الباحث في "مركز الحوار السوري" أحمد القربي، عن توقيت إعلان النظام السوري عن ضبط شحنة مخدرات قرب الحدود الأردنية في هذا التوقيت، وأجاب بأنه "باعتقادي التوقيت يبدو واضحاً، إذ يدعي النظام أنه يكافح المخدرات".
وأضاف لـ"عربي21": "الأردن رغم انفتاحه على النظام السوري، لم يحقق نتيجة في مكافحة المخدرات، وبالتالي فإن تشكيل هذه اللجنة لن يقدم أو يؤخر، لأن النظام يعتمد في اقتصاده على التجارة غير المشروعة، وهذا ما تؤكده زيادة شحنات التهريب نحو الأردن بعد التطبيع العربي مع النظام".
ابتزاز الدول العربية
ويتفق مع القربي الباحث في القضايا الأمنية المقدم عبد الله النجار لجهة التقليل من جدوى تأسيس "خلية الاتصال"، ويقول لـ"عربي21": "النظام يتخذ من ملف المخدرات وسيلة لابتزاز الأردن والدول العربية، للحصول على الأموال".
ويضيف أن كل الدول العربية تدرك عدم جدية النظام، ولذلك فهي تمتنع للآن عن تقديم الأموال له، معتبراً أن "النظام سيواصل رعاية تهريب المخدرات، والدول العربية مستمرة في زيادة التدقيق على شحنات المخدرات، ومن غير المعلوم من الطرف الذي سيقدم تنازلات".