لن يتم خلال الأسبوع الجاري في
المغرب، تحرير أي عقود
زواج أو طلاق، ولا توثيق التوكيلات وعقود البيع ومختلف التصرفات العقارية والتجارية، فضلا عن بقية إجراءات الأحوال الشخصية والميراث، وذلك بناء على قرار
الإضراب الذي اتخذه المكتب التنفيذي للهيئة.
من أجل مطالبة الحكومة المغربية، التي يترأسها عزيز أخنوش، بعدم التراجع عما نصّ عليه مشروع القانون المتعلق بمهنة "التوثيق العدلي"، والذي يقضي بمنحهم الحق في تلقي أموال عن توثيق عقود العقارات، يأتي التصعيد الجديد، بعد أيام من خوض العدول (المُوثّقين العدليين) إضرابا شاملا عن العمل انطلاقا من يوم 29 كانون الثاني/ يناير الماضي، واستمر لمدة أسبوع كامل.
خلال مسيرتهم الاحتجاجية السابقة، يكشف عدد من المُوثّقين العدليين، في حديثهم لـ"عربي21" أن "وزارة العدل، لم تتفاعل مع مطالبهم التي عبروا عنها أكثر من مرة".
ما مطالبهم؟
أسابيع متواصلة من الإضرابات، بشكل غير مسبوق، وعلى مدار الثلاثة أشهر المقبلة، هكذا أعلنت الهيئة الوطنية للعدول عن برنامجها التصعيدي، التي ستتضمّنها محطاتهم الاحتجاجية الراهنة.
ودعت الهيئة، عبر بيانها الأخير، الذي توصلت "عربي21" بنسخة منه، إلى "إضراب عام لمدة أسبوع، يمتد من 26 شباط/ فبراير إلى 6 آذار/ مارس، ثم إضراب آخر لمدة 14 يوما يمتد من 18 إلى 31 آذار/ مارس المقبل، ثم إضراب ثالث سيمتد لـ21 يوما من 8 إلى 28 نيسان/ أبريل قبل الدخول في إضراب مفتوح مع اعتصام أمام الوزارة بدءا من 6 أيار/ مايو المقبل، إلى غاية تحقيق المطالب المهنية، علما بأن الأسابيع الإضرابية المعلن عنها، ستتخللها وقفات احتجاجية متعددة".
أما عن ما "فجّر المسكوت عنه" من طرف الهيئة، فهو تصريح وزير العدل، في البرلمان، يوم الثلاثاء 27 كانون الثاني/ يناير الماضي؛ إذ قالت الهيئة إن "المشروع نفسه بما تضمنه لا يزال موضع شك، مستغربة لما تضمنه مشروع القانون من تراجعات تعطي الانطباع بعدم جدّية الوزارة في اعتمادها المقاربة التشاركية، وعدم احترام اتفاقاتها التي تضمنتها محاضر الحوار مع الهيئة الوطنية للعدول".
وشدّدت الهيئة الوطنية للعدول، على "أن التوثيق العدلي هو التوثيق الأصيل للدولة المغربية الذي ارتبط بالمواطنين المغاربة من تاريخ قديم في توثيق معاملاتهم وحفظ أنسابهم وإعداد وسائل الإثبات أمام القضاء وغير ذلك، ولا يزال الأكثر استجابة لحاجات المجتمع التوثيقية المختلفة".
وفي السياق نفسه، ينتقد "عدول المغرب" ما يصفونه بـ"التجاوز عن توصيات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة"، مؤكدين على "ضرورة مراجعة السياسات المتعلقة بودائع المتعاملين مع المهن القضائية والقانونية لضمان حمايتها وتحصينها، وفقاً لمبادئ الإصلاح والعدالة".
مصالح مُتقاطعة..
عبّر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في المغرب، خلال الأيام القليلة الماضية، عن تفاعلهم مع الإضرابات المُعلن عنها، بين مستفسر عن ماهية المشكل المُعقّد والمُتشابك، وبين مُستشرف للمشاكل التي سيجد المواطنون أنفسهم عالقين فيها، حيث إن جُل المصالح سوف تتعطّل، من زواج، إلى توثيق العقارات أو الإراثة الشرعية وغيرها.
وبتسارع، واستغراب كبير، تداول جُل رواد منصات التواصل الاجتماعي في المغرب، خبر إضرابات "العدول" المُتصاعدة، متخوّفين من استمرارها، ومن طول أمدها، أسوة بما حصل مع الإضرابات التي استمر النسّيج التعليمي في خوضها لسنوات طوال.
كذلك، أكد عدد من الشباب، من الراغبين في الزواج، خلال الأيام الجارية، اضطرارهم إلى انتظار أسبوع كامل حتى يتمكنوا من إبرام عقود الزواج، وإقامة أعراسهم، وفقا للعادات المغربية، وهو ما ارتبط أيضا بعرقلة عمل عدد من التخصصات الأخرى، من قاعات أعراس، ومختصّين في التجميل، وغيرهم، حيث إن "مراسم العرس المغربي" تعتبر عنصرا هاما في عجلة الاقتصاد الوطني.
وفي خضّم الاضطرابات الجارية، وتوالي استفسارات المواطنين المغاربة، أكد عدد من مكاتب العدول، أن "الأزواج سيضطرون إلى تأجيل ارتباطهم لحوالي أسبوع"، موضحين أن "مكاتبهم ستظل مُغلقة، وخدماتهم معلقة، بدءا من يوم الخميس إلى غاية يوم الثامن من الشهر القادم".
أصل الحكاية
في مُحاولة لفهم أكبر، للمشكل القائم، تواصلت "عربي21" مع منعم أمشاوي، وهو رئيس مركز تفاعل للدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، الذي قال: "إن الهيئة الوطنية للعدول منذ سنوات تخوض في سلسلة من الحوارات مع وزارة العدل، بهدف تعديل القانون المنظم للمهنة المعروف بخُطة العدالة، والذي تجاوزه التاريخ".
وأوضح أنه "خلال السنة الماضية، أثناء عقد الهيئة سلسلة من الحوارات مع الوزارة من أجل إخراج قانون يستجيب لمتطلبات المهنة، فإنها تفاجأت بتنصيص قانون المالية للسنة المنصرمة على بنود تحصر اختصاص توثيق عقود السكن المُدعم من الدولة إلى مهنيين في مجال التوثيق، دون غيرهم".
"هذا ما أغضب الهيئة، وجعلها تخوض سلسلة من
الاحتجاجات؛ حيث اعتبرت الأمر ريعا تشريعيا، ومنح امتيازات لمهنيين بشكل يمس مبدأ المنافسة الشريفة". ويضيف المتحدث نفسه لـ"عربي21" مردفا: "وكان رد وزارة العدل آنذاك، أن حرمان العدول الموثقين من حقّهم في توثيق العقود المتعلقة بالسكن المدعم من طرف الدولة، راجع إلى غياب آلية صندوق الودائع".
واسترسل أمشاوي، في توضيح أسباب الإضرابات الراهنة: "وبالتالي، لتفادي المشاكل مستقبلا، تم الاتفاق في إطار حوار تعديل القانون على منح هذه الآلية إلى العدول الموثقين؛ وانتهى حوار تعديل القانون، وتم الاتفاق على صيغ لمختلف النقاط الخلافية بين الهيئة والوزارة وتم توقيع محاضر رسمية في هذا الصدد".
"غير أن الهيئة، ومعها العدول الموثقون، صُدموا أولا بتسريب نُسخة من مشروع القانون التي قيل إنها أحيلت على الأمانة العامة للحكومة، مُختلفة ومُتناقضة مع ما تم الاتفاق عليه خلال المحاضر الرسمية" يضيف المتحدث نفسه، موضحا أنها "تضمّنت تراجعات خطيرة، قبل أن يؤكدها وزير العدل في كلمته أمام البرلمان؛ التي زعم فيها أن الوزارة لا مانع لديها من تمكين العدول الموثقين من آلية صندوق الودائع، غير أن أطراف أخرى تعارض منحهم هذه الآلية".
تجدر الإشارة إلى أن مهنة "العدول" تُعدّ أقدم المهن المتواجدة في المغرب، حيث يرتبط ظهورها بدخول الإسلام إلى البلاد، وتأسيس أول دولة إسلامية قبل أكثر من 12 قرنا. و"العدل" هو من يختصّ بكتابة عقود الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث، ناهيك عن جُملة من التصرفات العقارية والمدنية والتجارية.
ويرتبط بمهمة توثيق العقود في المغرب، صنفان من الموثقين، أولهما هم العدول، وهم الأقدم وجودا، ثم من يُسمّون بـ"الموثقين العصريين" الذين يرجع ظهورهم إلى إحداث مهنة التوثيق بمقتضى مرسوم (في درجة أقل من القانون) صدر في 4 أيار/ مايو 1925.