كشف تقرير حقوقي عن الانتهاكات التي يرتكبها النظام
السوري في سياق عملية استخراج
جواز السفر للمواطنين، بينها اعتقالات من مراكز
الهجرة والجوازات والحصول على مبالغ مالية كبيرة.
وأشارت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير بعنوان
"سلسلة من الانتهاكات داخل وخارج
سوريا ينفذها النظام السوري عند استخراج
جواز السفر"، إلى اعتقال 1912 شخصا في دوائر الهجرة والجوازات، خلال محاولة
استخراج جواز السفر.
وأوضح التقرير أن النظام السوري الذي يعاني من شح في
الموارد المالية "بدأ بالتفكير بموارد مالية جديدة، لا سيما مع الانهيار
المتسارع الذي بدأ يشهده الاقتصاد السوري، وكان جواز السفر أحد هذه الموارد، لأنه
بات الوثيقة الأكثر أهمية بالنسبة للسوريين الذين تشردوا داخل وخارج سوريا، وكذلك
بالنسبة للسوريين الذين يحلمون بمغادرة سوريا مع التراجع المأساوي في الظروف
المعيشية".
ولفت إلى أنه "مع كثرة الطلب على جواز السفر، وجد
النظام السوري فرصة ذهبية لرفد خزائنه بالعملة الأجنبية فأصبحت أسعار منح جواز
السفر بمثابة بورصة آخذة في الارتفاع المستمر، ويمكن ملاحظة ذلك عبر المراسيم التي
أصدرها النظام السوري".
وقال مدير الشبكة فضل عبد الغني: "استغل النظام
السوري حاجة الشعب السوري لإصدار جواز سفر على غرار بقية دول العالم، فمارس أقسى
درجات النهب عبر وضع أغلى سعر جواز سفر في العالم، إلى جانب أنماط عديدة من انتهاك
الكرامة الإنسانية، وكأنه يقدم جواز السفر من مزرعته الخاصة".
ورصد التقرير عددا من أنماط الانتهاكات التي تطال
السوريين أثناء محاولتهم الحصول على جوازات السفر؛ منها فرض "الموافقة
الأمنية" على كل من يرغب بالحصول على جواز سفر ما بين عامي 2011 و2015،
والهدف من ذلك هو حرمان المعارضين من الحصول على هذه الوثيقة.
وعلى الرغم من أن الموافقة الأمنية لم تعد مطلوبة بعد
عام 2015، "إلا أن النظام السوري لم يتوقف عن استخدام جواز السفر كسلاح
لملاحقة المعارضين والتضييق عليهم، إذ يخضع كل مُتقدِّم للحصول على جواز سفر إلى
عملية تدقيق ومطابقة مع قوائم الملاحقين والمطلوبين للنظام السوري، وبالتالي فإن
ذلك يضع المتقدمين لطلب جواز سفر، أو أحد أفراد الأسرة الذين يقدمون طلباتهم
بالنيابة عنهم، تحت خطر التعرض للاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري".
ووثق التقرير منذ آذار/ مارس 2011 حتى شباط/ فبراير
2024، ما لا يقل عن 1912 حالة اعتقال، بينهم 21 طفلا و256 سيدة، و193 حالة لأشخاص
قاموا بإجراء تسوية لوضعهم الأمني في وقتٍ سابق، وذلك أثناء وجودهم لإجراء معاملات
في دوائر الهجرة والجوازات في عدة محافظات سورية، وقد توفي 21 منهم بسبب التعذيب
وإهمال الرعاية الصحية داخل مراكز الاعتقال، فيما بقي 1168 قيد الاعتقال، بينهم 16
طفلا و96 سيدة، وتحول 986 منهم إلى وضع الاختفاء القسري.
وأشار التقرير إلى حالات انتُهكت فيها كرامة المواطنين
أثناء استخراج أو تجديد جواز السفر، ففي فروع إدارة الهجرة والجوازات غالبا ما
يتعرض المواطنون لسوء المعاملة من الموظفين ويضطرون إلى الوقوف في طوابير لساعات
طويلة، كي يضطر المواطنون لدفع
رشاوى لبعض الموظفين أو السماسرة المرتبطين
بالأجهزة الأمنية كي يتم تيسير معاملاتهم بشكل أسرع.
أما فيما يتعلق بالمعاملة في القنصليات والسفارات
السورية، فأشار التقرير إلى وجود اختلافات واضحة، ففي حين تتعامل القنصلية السورية
في جنيف في سويسرا بشكل اعتيادي في إجراء المعاملات، يُعاني السوريون نمطا مقصودا
من الإذلال والابتزاز في القنصلية السورية في مدينة إسطنبول في تركيا التي تضم
العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، حيث يكون أقرب موعد متاح على المنصة بعد عام
أو عامين من تاريخ التقديم، وبالتالي لا يبقى خيار أمام هؤلاء سوى التعامل مع
الوسطاء والسماسرة، الذين ينسقون بدورهم مع موظفي القنصليات.
وذكر التقرير أن هناك تحديات وكلفة إضافية تواجه
المطلوبين أمنيا خارج سوريا، "حيث يضطرون لدفع مبالغ إضافية للسماسرة إذا
أرادوا تجديد جوازات سفرهم عن طريق ذويهم في مناطق سيطرة النظام السوري، وذلك
لضمان عدم تعرض ذويهم للاعتقال أو المضايقات".
وقال التقرير: "نتيجة الانتشار الواسع لظاهرة
الرشاوى والسمسرة للحصول على جواز السفر السوري، انتشرت أيضا ظاهرة النصب
والاحتيال في هذا المجال، فقد ظهر العديد من المحتالين الذين ادعوا وجود علاقات
لديهم مع ضباط في الهجرة والجوازات أو موظفين في القنصليات لاستغلال حاجة السوريين
لاستخراج جوازات السفر".
ولفت التقرير إلى أن المدة الزمنية الطويلة جدا وغير
الاعتيادية لاستخراج جواز السفر مقارنة مع جميع دول العالم، تسببت في تعقيد
الأوضاع القانونية للسوريين خارج البلاد، إذ يرتبط وجود جواز سفر ساري المفعول، مع
تجديد إقامات السوريين وتصريحات العمل الخاصة بهم في العديد مِن دول العالم (..) وبناء
على ذلك فقدَ العديد منهم وظائفهم، واضطروا لمغادرة البلدان التي يعيشون فيها، كما
تعرَّض البعض لخطر الاعتقال بسبب عدم حملهم لتصاريح إقامة سارية المفعول.
وذكر التقرير أن النظام السوري تسبب في خسارة آلاف
المواطنين السوريين أموالهم بعد إصدار جواز السفر الإلكتروني الذي تم اعتماده في
20 آب/ أغسطس 2023، حيث قبلت دول قليلة فقط منح حامليه تأشيرات دخول، فيما رفضت
غالبية دول العالم الاعتراف به بادئ الأمر، وذلك لأن النظام السوري لم ينسق مع
بقية الدول ولم يُخطر خارجيات وسفارات الدول بالتغييرات التي طرأت على جواز السفر،
مما دفعها لمعاملة النسخة الجديدة كـ"جواز سفر مزيف".
ولفت التقرير إلى أن "التكلفة المرتفعة وغير
المنطقية التي يفرضها النظام السوري لقاء منح أو تجديد جوازات السفر، تحرم
المواطنين غير القادرين على دفع هذه المبالغ من حقهم في السفر وحرية التنقل،
ويعتبر هذا خرقا واضحا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللعهد الدولي الخاص بالحقوق
المدنية والسياسية".
ودعا عبد الغني المجتمع الدولي إلى "خلق بديل
قانوني لإصدار جوازات السفر في حالات النزاع المسلحة الداخلية، وعدم ترك هذا الملف
الحساس بيد السلطة المسيطرة، وحرمان أعداد هائلة من المواطنين قد تصل إلى نصف
الشعب من هذه الوثيقة الحيوية، أو ابتزازهم ماديا وأمنيا بشكل سادي".
وأوصى التقرير الدول المستضيفة للسوريين حول العالم
بعدم ربط تجديد تصاريح الإقامة للسوريين بوجود جواز سفر ساري المفعول.