تعهدت
مصر بانتهاج سياسة
اقتصادية متكاملة جديدة لتجنب عدم تكرار الأزمة الاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على القطاعات الاقتصادية، وتسببت في تراجع حاد للجنيه المصري بأكثر من 300% منذ نحو عامين ووجود أكثر من سعر للدولار مقابل
الجنيه، وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات تاريخية.
ورضخت الحكومة المصرية لشروط صندوق النقد الدولي والشركاء الدوليين والإقليميين، وخفضت قيمة العملة المحلية 60%؛ من أجل توحيد سعر الصرف، والقضاء على السوق السوداء، وخلق سعر واحد فقط للعملة، وإيقاف المضاربة عليها، رغم تعهد السلطات قبل شهور بعدم الرضوخ لمطالب التعويم بسبب مخاوف من انفجار الأسعار.
وتقول مواقع ومؤسسات مالية إن مصر قبل أيام كانت قريبة جدا من حافة "كارثة اقتصادية"، قبل حصولها على أكثر من 50 مليار
دولار استثمارات وقروض من الإمارات وصندوق النقد والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، مع احتمال ورود المزيد من السعودية.
المرحلة الجديدة من الاقتصاد المصرية حددتها الحكومة في عدة توجهات، أبرزها:
-زيادة الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة للدولة المصرية.
-خفض الدين المحلي والأجنبي، تخفيض معدلات التضخم.
-ضمان تدفق استثمارات أجنبية مباشرة بصورة كبيرة خلال الفترة المقبلة.
-عودة القطاع الخاص ليكون المساهم الأصلي والأكبر في إجمالي الاستثمارات الكلية.
-استهداف معدل نمو الاقتصاد المصري بأرقام عالية (لم تحدد).
-ترشيد وحوكمة الإنفاق، توافر فرص عمل للشباب المصري.
من شأن القرارات الأخيرة الانتقال إلى اقتصاد حر واستعادة ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية، لكن الحكومة سوف يتعين عليها بعد قرار التعويم إعادة تسعير الخدمات والسلع التي يدخل بها مكون أجنبي مستورد كالطاقة والوقود والقمح والزيت، وأيضا سترتفع أسعار جميع السلع التي يدخل في إنتاجها مكون مستورد.
من جانبها، كشفت بعثة الصندوق الدولي إلى مصر أن المناقشات السياسات وإصلاحات البرامج تركزت حول ستة محاور:
-اتخاذ السلطات خطوات حاسمة للتحرك نحو نظام سعر صرف مرن وموثوق.
-تشديد السياسة النقدية بشكل إضافي لخفض التضخم، وعكس اتجاه الدولرة الأخير.
- ضبط الأوضاع المالية للحفاظ على القدرة على تحمل الديون.
-صياغة إطار جديد لإبطاء الإنفاق على البنية التحتية، بما في ذلك المشروعات التي عملت حتى الآن خارج نطاق الرقابة على الميزانية العادية.
-اتفاق السلطات على الحاجة إلى توفير ما يكفي مستويات الإنفاق الاجتماعي لحماية الفئات الضعيفة.
-تنفيذ سياسة ملكية الدولة والإصلاحات الرامية إلى تكافؤ الفرص، كأمر أساسي لإطلاق العنان لنمو القطاع الخاص.
ستكون تلك المطالب تحت رقابة دولية، بحسب صندوق النقد الدولي، وسيلعب شركاء مصر الدوليون والإقليميون دورًا حاسمًا في تسهيل تنفيذ سياسات السلطات وإصلاحاتها، مشيرا إلى وضع اللمسات الأخيرة على حزمة الإصلاح لدعم استكمال المراجعتين الأولى والثانية بموجب ترتيبات تسهيل الصندوق الممدد، ومن المتوقع عقد اجتماع لمجلس الإدارة قبل نهاية آذار/مارس .
ملامح الاقتصاد المرحلة القادمة
يعتقد خبير أسواق المال، الدكتور وائل النحاس، أن "أهم ملامحه التحول نحو الاقتصاد الحر، وهو وصفة أمريكية وليست مصرية، نحن نتحدث عن تأجير الموانئ وتأجير المطارات وبيع الشركات وانسحاب الحكومة من الاقتصاد، وتعزيز دور الاقتصاد الخاص، لكن الاقتصاد الحر لا يناسب مصر؛ لأنه يحتاج إلى دول بها مؤسسات رقابية للمحاسبة والمساءلة، ولكن في دول لا يوجد بها حساب لن يجدي، بالتالي الحل هو أن تكون مصر دولة مؤسسات".
مضيفا لـ"عربي21": "البرنامج الاقتصادي المقبل هو قبول شروط صندوق النقد الدولي والشركاء الدوليين، ولم تعلن مصر عن سياسة جديدة، والتعويم هو شر لا بد وصلت له مصر نتيجة تراكم سياسات اقتصادية خاطئة، وأعطانا العالم ظهره، ولا توجد وسيلة للاقتراض أو الاستدانة إلا بشروطه وإملاءاته، وصفقة رأس الحكمة هي من أجل تحريك المياه الراكدة وليست حلا للأزمة".
وأوضح النحاس أن "طبيعة المرحلة المقبلة ليس الإنتاج؛ لأنه يحتاج إلى سنوات من تضافر الجهود والعمل، ولكن المطلوب الآن هو تحقيق استقرار اقتصادي وتهدئة المخاوف، والمرحلة المقبلة البدء في حل المشاكل، وتحسين الأداء في سوق الصرف، واستعادة الثقة في النظام المصرفي، ودخول الدولارات في القنوات الرسمية، وتوفير الدولار في البنوك، وتشجيع الناس على التخلي عن حيازة الدولار، بإعادة الثقة وطمأنتهم بسياسات مستقرة؛ من أجل تقليل العجز والفجوة، ومن ثم الالتفات إلى العمل والإنتاج، وزيادة الصادرات، وجذب الاستثمارات الأجنبية".
غرق الاقتصاد المصري
فند الباحث الاقتصادي، إلهامي الميرغني، ما أسماه "تورط الحكومة المصرية في قروض جديدة، وتعويم الجنيه، ورفع أسعار الفائدة يعني غرق مصر في أزمة ديون ممتدة، ولا معنى لاجتماع الحكومة مع وجود الدائنين سوى أنها كارثة، والقروض الأخيرة سوف ترفع حجم الدين إلى 180 مليار دولار تم اقتراضها بأقل من 20 جنيها، وسوف تقوم بسدادها بأكثر من 50 جنيها، وهذا خراب اقتصادي".
وعن ملامح المرحلة الاقتصادية المقبلة، أوضح، لـ"عربي21": "المزيد من بيع أصول وشركات الدولة، ورهن الاقتصاد لسداد الديون، هذا ليس تحررا للاقتصاد المصري كما تروج الحكومة، إنما وضع الأغلال حول قدميه، القادم هو المزيد من الديون والاقتراض، وما يقال عن جذب الاستثمار الأجنبي وزيادة نشاط القطاع الخاص هي مجرد أكاذيب".
واستبعد الميرغني أن تنعكس الإجراءات الاقتصادية على تحسين بيئة ومناخ الاقتصاد، مؤكدا أن "مصر لا يوجد بها موارد دولارية تكفي وتغطي احتياجات البلاد من الخارج وسداد الديون وأقساطها، نحن نستورد أضعاف من نصدره، ومواردنا الدولارية كلها من الخارج وليس إنتاجية وخدمية، وتعتمد على التغيرات الجيوسياسية مثل السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، لذا لن أتوقع أي تحولات جذرية للأفضل، إنما أتوقع المزيد من تكبيل الاقتصاد، واتباع نفس السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية المعتادة".