نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا تحدثت فيه عن طموحات
السعودية في
كرة القدم العالمية وتدخلاتها المحتملة في المشهد الكروي الدولي، مشيرة إلى العوامل والتحديات التي تعترض تحقيق هذه الأهداف.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن السلطات السعودية تنفق ببذخ لجذب لاعبين مشهورين، كما أن النساء أنفسهن يستفدن تدريجيًّا من هذا التطور. لكن الشكوك بدأت تظهر حول مدى استدامة النظام المطبق، والذي يعتبر مصطنعًا للغاية.
وتحدثت الصحيفة عن المهاجمة الصغيرة سارة بن سليم، البالغة من العمر 24 سنة، وهي أيضا طالبة كلية إدارة الأعمال، والتي تتحدث اللغة الإنجليزية المثالية، فقد أمضت جزءًا من طفولتها في نيويورك حيث كانت مهتمة بكرة السلة. لمدة سنة، كانت كرة القدم شغفها. وتتذكر أنها حتى وقت قريب، لم يكن كل الآباء يتقبلون أن بناتهم يمارسون هذه الرياضة. ولم تثبطها عائلتها "غير المتشددة للغاية"، عن ممارسة هذا الشغف. حتى وإن كانت والدتها تتساءل ماذا سيفكر الجيران والأصدقاء، فهي "تأتي من جيل لم يكن مسموحًا للنساء فيه حتى بخلع عباءاتهن".
من جانبها؛ ترغب الشابة في الاعتقاد بأن "كل شيء تغير" في هذا البلد المحافظ، الذي يقمع المثلية الجنسية والعلاقات خارج الزواج، وتشير قائلة: "نحن قادرون على فعل ما نشاء، كالرجال، الحمد لله. لطالما كانت السعودية بلدًا لكرة القدم للرجال، ولكن الآن، أصبحت أيضًا بلد كرة قدم للنساء، مع بعض الفروق الدقيقة".
وبينت الصحيفة أنه في سنة 2023، عندما قرر صندوق الاستثمارات العامة السعودي، المسؤول عن تمويل مشروع رؤية 2030 الذي أطلقه الأمير محمد بن سلمان لإعداد المملكة لمرحلة ما بعد النفط، الاستثمار بكثافة في الرياضة، فإنه أظهر نفسه سخيًّا جدًّا لأربعة أندية في الدوري السعودي للمحترفين، أي نخبة كرة القدم المحلية. لقد أنفقوا مئات الملايين من اليورو لجذب النجوم العالميين؛ ناهيك عن الأقسام النسائية.
من جهتها؛ تعتقد سارة بنت سليم أنها مسألة توقيت. إنها متفائلة؛ وتتوقع أن تصبح كرة القدم النسائية "قوية للغاية في غضون عامين". في الوقت الحالي؛ تحظى غالبية لاعبات كرة القدم المحترفات رفيعات المستوى بدعم أسرهن، لكن بالنسبة للأخريات، فإن الأمر أكثر تعقيدًا: حيث يفضلن الاحتفاظ بهذا الشغف الذي يُعتبر ذنبًا لأهاليهن، وحرصًا على السرية، يظهرن أسماءهن الأولى فقط على ظهر القمصان.
بعد خروجها من التدريب، تقوم لارا الجمل، البالغة من العمر 25 سنة، بتعديل عصابة الرأس السوداء التي كانت تثبت شعرها في الملعب. أصلها من لبنان؛ وقد أمضت طبيبة الأسنان المتخرجة حديثًا طفولتها في هولندا، وكانت تحب لعب كرة القدم هناك. ووصلت إلى الرياض قبل حوالي عشر سنوات، وانضمت إلى مجموعة من الفرق النسائية، وهي بطولات صغيرة تم تنظيمها على ملاعب مستأجرة لهذه المناسبة والمغلقة بعيدًا عن أعين الجمهور، وتشير قائلة: "حتى الآباء لم يتمكنوا من حضور المباريات". إنها تحافظ على ذكرى زمن "الرائدات اللاتي كن يناضلن من أجل أحلامهن".
"ثورة كرة القدم"
وبحسب المدافعة المركزية، منذ سنة 2020، فقد اكتسبت البطولات النسائية شهرة، وهو ما تردده مواقع التواصل الاجتماعي، وتتحدث قائلة: "مع فرقنا الصغيرة، فتحنا الطريق أمام جميع الفتيات الشغوفات بكرة القدم دون أن يتمكنّ من ممارستها. وأنا فخورة جدا بمشاركتي في هذا النجاح، حتى إن لم أكن سعودية”.
من جانب آخر، تقول كيرا أنجير، وهي طالبة دكتوراه ألمانية تقوم بإعداد أطروحة في علم الاجتماع في الرياض حول ممارسة الرياضة النسائية في المملكة العربية السعودية: "يُنظر إلى كرة القدم كوسيلة لتمكين المرأة. في المقابل، قالت لارا الجمل: "هل هناك ثورة في الطريق؟".
في الأثناء، اختار سامي الجابر من مركز الرفاه الاجتماعي الأساسي، وهو مركز للياقة البدنية يقع في حي السفارات بالرياض، كلمة "ثورة" ليصف الأمر. ويطلق على سامي اسم "الكابتن سامي": الرجل الذي لديه 7.3 مليون مشترك وهو رئيس نادي الهلال، النادي الأكثر شعبية في البلاد، وكان القائد السابق للمنتخب الوطني. ويصر قائلًا: "إن البلاد لديها رؤية، وأنا أسميها ثورة كرة القدم. ما حدث الصيف الماضي (استقدام نجوم أجانب) كان مخططًا له منذ فترة طويلة. وتكمن الرسالة في إظهار أن المملكة العربية السعودية سعيدة بالترحيب بالناس من جميع أنحاء العالم.
من جانبه، يفخر سامي الجابر، البالغ من العمر 51 سنة، بضم مهاجم مثل الدولي الفرنسي السابق بافيتيمبي جوميز إلى نادي الهلال. وإذا كان بعض مواطنيه يشعرون بالقلق إزاء العواقب المترتبة على قدوم أعداد كبيرة من الأجانب (ما يصل إلى ثمانية لكل فريق على أرض الملعب)، فليس لديه أي شك في أن مستوى اللاعبين المحليين لا يمكن أن يتحسن إلا من خلال الاتصال بالمحترفين المتمرسين.
وعلى غرار البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي تعاقد مع نادي النصر بسعر باهظ، يرى أن الدوري الإنجليزي الممتاز يقدم مشهدًا "أكثر إثارة للاهتمام من الدوري الفرنسي". في المقابل، حتى مع تواجد مجموعة من النجوم، فإن الدوري السعودي للمحترفين يكافح لجذب الجمهور من خارج السعودية: فمشاهدات التلفزيون تظل محدودة على القنوات التي اقتنت حقوق البث، مثل قناة "كانال+" في فرنسا.
وفي كل مكان في أوروبا أو أفريقيا أو أمريكا الجنوبية، يطرح اللاعبون عدة تساؤلات؛ حيث يقول خورخي فرناندو دي غيسوس، المدرب البرتغالي لنادي الهلال، باقتضاب: "انظروا أين ذهب المال". أما إيفان لو ميه، وكيل اللاعبين الفرنسي لأحد نزلاء دوري المحترفين السعودي، فيقول: "يريد هؤلاء اللاعبون تأمين مستقبلهم المالي، ولا شيء خاطئا في ذلك"، وإن لم تتوفر أرقام موثوقة، فعادة ما يُقال إن الرواتب تكون أعلى بثلاث إلى أربع مرات مقارنةً بأوروبا.
انعدام الشفافية في الأعمال
هل السوق السعودية معروفة بالتعقيد؟ يعترف السيد لو ميه قائلًا: "نعم، مثل العديد من الأسواق الأخرى". في المقابل، يصف لاعبون آخرون في هذا العمل غير الشفاف، تحت غطاء عدم الكشف عن هويتهم، عالمًا مليئا بالوسطاء، ويمثل "مفهومًا فاسدًا تماما"، مشيرين إلى أن "المخططات التنظيمية للنادي ليست دقيقة جدًّا" وأن "اللاعبين فرضهم الصندوق السيادي السعودي على أندية لا تريدهم بالضرورة"...
وفي هذه الأثناء، أصبحت كرة القدم شأنًا وطنيًّا. في بداية كل مباراة في البطولة، يتم رفع لافتة في منتصف الملعب تستذكر ترشيح البلاد لاستضافة كأس العالم 2034. ويُسمع النشيد الوطني السعودي قبل انطلاق المباراة، وأحيانا يتم بث الأدعية عبر النظام الصوتي. في المدن الكبرى، تنتقل الأندية من ملعب إلى آخر، وفي انتظار انتهاء أعمال التجديد في ملعب الملك فهد الدولي بالرياض، يلعبون في ملاعب حديثة، تتسع لحوالي 20 ألف شخص.
وخلال المباريات التي حضرتها صحيفة لوموند، في الرياض أو الدمام، غالبًا ما تكون المدرجات ممتلئة، وهناك رسومات جماهيرية، هتافات الأولتراس المستمرة وإيقاع الكونجا. في المقابل، فإنه في المدن الصغيرة، يكون الحماس أكثر هشاشة. حتى في جدة، مع حامل لقب الاتحاد، غالبًا ما يبدو الملعب فارغًا.
وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ بضعة أسابيع، كان هناك شك طفيف يحوم حول الدورادو السعودي، الفرنسي كريم بنزيمة، البالغ من العمر 36 سنة، نجم فريق الاتحاد، الذي عاد من عطلة عيد الميلاد متأخرًا حوالي 15 يوما، كأن الحماس الذي أُظهر في البدايات قد تلاشى.
أما بالنسبة للبريطاني جوردان هندرسون، البالغ من العمر 33 سنة، فقد قطع عقده مع نادي الاتفاق (الدمام)، ليعود للعب في أوروبا. ومن جهة أخرى، وفي مقابلة مع الصحيفة اليومية الإسبانية "آس"، اعترف اللاعب الدولي الإسباني إيمريك لابورتي، البالغ من العمر 29 سنة، بأن "العديد من اللاعبين كانوا غير راضين" وانتقد المديرين الذين "يتعاملون مع كل شيء باستخفاف".
علامات الانفعال
وأوردت الصحيفة أنه حتى نجم النجوم كريستيانو رونالدو تظهر عليه علامات الانزعاج. ففي سنة 2022؛ قام المهاجم البرتغالي بفتح الباب للانتقالات القياسية بتوقيع عقد قياسي مع نادي النصر في الرياض. وتقديرًا له، فقد فتحت المدينة متحفًا لتمجيده في البوليفارد، وهو متنزه ترفيهي يجمع بين مركز تجاري كبير. هناك يمكن للزائرين الاستمتاع بنسخ طبق الأصل من جوائزه التي لا تعد ولا تحصى والتأمل في أقواله المفضلة: "ابقوا أقوياء. كونوا شجعانًا. تقدموا إلى الأمام".
يسافر المشجعون من جميع أنحاء العالم إلى السعودية لرؤيته وهو يلعب للمرة الأخيرة. وعلى خلفية لفتة بذيئة قام بها، تم توقيفه لمباراة واحدة، تاركًا فراغًا كبيرًا في فريقه. لقد بلغ من العمر 39 سنة. إذن، ماذا سيحدث عندما يرحل؟
بالنسبة للمشجعين السعوديين، نجومية اللاعبين ونظرات الحسد من الدول الجارة، كل هذا ممتاز... بشرط أن يعود بالفائدة على المنتخب الوطني. عمومًا، يكمن هدف الأندية الكبرى في تكوين لاعبين محليين على مستوى عال، هذا هو أيضا هدف أكاديمية المهد.
تقع هذه المؤسسة الخاصة بالقرب من وزارة الرياضة في الرياض، وتستقبل شهريا مجموعات من لاعبي كرة القدم المتدربين الذين تتراوح أعمارهم بين 8 سنوات و16 سنة. وينضم الأفضل، حوالي 25 بالمئة من المرشحين، إلى المجموعات في فئتهم العمرية، وكلها تحت إشراف مدربين أوروبيين. ويقول عبد الرحمن العزيز، المدرب المساعد الذي يقوم بجولة في المنشآت الرياضية الجديرة بناد أوروبي كبير: "نحن بحاجة إلى إرشادات، لكن في المستقبل القريب سيأخذ السعوديون مكانهم".
وتساءلت الصحيفة في الختام لكن ماذا بالنسبة للاعبات؟ فأجاب المدير التقني الحالي للاتحاد السعودي لكرة القدم ناصر لارغيت بأنه يستفيد من "الدعم الهائل من أعلى السلطات في البلاد" لتعزيز نمو كرة القدم النسائية.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)