تعرض مسلسل "
الحشاشين"، الإنتاج الأكبر في تاريخ الدراما العربية والأكثر تكلفة والذي تقدمه "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، التابعة لأجهزة سيادية
مصرية للعديد من الانتقادات، بسبب استخدام المؤلف اللغة العامية المصرية.
وذلك إلى جانب ما أثاره البعض عن وجود مخالفات لبعض الحقائق التاريخية الثابتة، مع ما رأى فيه معارضون محاولة من صناع العمل لتقديم إسقاط سياسي من أحداث جرت في العصور الوسطى من طائفة باطنية على الواقع المصري الآن بما يخدم أغراض السلطة الحالية في تشويه المعارضين لها.
الإنتاج الأضخم في دراما
رمضان 2024، والذي ينتمي للدراما التاريخية، لم يتم الإعلان عن حجم تكلفته الفعلية، ولكن؛ بطل العمل كريم عبد العزيز، قال لفضائية "صدى البلد" المحلية في حزيران/ يونيو الماضي، إن الإنفاق كبير والحشاشين سيكون أضخم إنتاج في تاريخ الدراما العربية.
العمل كتبه المؤلف، عبد الرحيم كمال، ويخرجه بيتر ميمي، ويجمع بطل مسلسل "الاختيار" السابق كريم عبد العزيز، بكل من فتحي عبد الوهاب، وأحمد عيد، وشريف سلامة، والسورية سوزان نجم الدين.
"ملامح الحشاشين"
وخلال 30 حلقة يجري تصوريها بمصر وكازاخستان ومالطة من إنتاج شركة "سينرجي"، يدور العمل حول شخصية مؤسس طائفة الحشاشين الحسن الصباح، خلال القرن الـ11 الميلادي، والذي عُرف بتنفيذه عمليات إجرامية في مصر وغيرها والتي غادرها مطرودا إلى مسقط رأسه إيران، ليؤسس طائفة من الأكثر وحشية في العصور الوسطى.
العمل بمجرد الإعلان عنه لاقى الانتقادات خاصة مع استدعاء شخصية من الأسوأ بالتاريخ، وسط مخاوف من أن يكون لهذا الاستدعاء أهداف سياسية، خاصة مع حضور المخرج بيتر ميمي، مخرج مسلسل "الاختيار" 1 و2 و3 الموجه لخدمة توجهات رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.
يعرض العمل بشكل حصري على فضائيتي "دي إم سي"، و"دي إم سي دراما"، ومنصة "ووتش إت" التابعة للشركة المتحدة، فيما تدور الأحداث خلال عام 1105 ميلادية، متناولة رحلة صعود الصباح مؤسس جماعة "الحشاشين"، أحد أخطر الفرق المنتمية للمذهب الشيعي، والتي ارتكبت الكثير من جرائم القتل الوحشية في زمانها.
الحلقة الأولى، من العمل كشفت عن طفولة الصباح، وأظهرته نابغة بين أقرانه، فيما وضع المؤلف حوله هالة من الغموض والاتصال بعالم الجن، بعد أن أنقذته امرأة من بئر سقط فيه ثم أخبرته بأنه سيختار العيش في الظلام على النور بقية حياته ودعته إلى ألا يخاف من الموت.
كما شهدت الحلقة انتحار شخص تنفيذا لأوامر زعيم الطائفة الإسماعيلية، فيما قتل أحد أعوان الصباح مؤذن مدينة أصفهان لرفضه الانضمام للطائفة.
لتشهد الحلقة الثانية خروج الصباح، من بلاد فارس إلى مصر، التي وصلها خلال ما عرف تاريخيا بـ"الشدة المستنصرية" ليقترب من بلاط الخليفة المستنصر الفاطمي بالقاهرة، بحيلة قدرته على تفسير الأحلام.
وفي الحلقة الثالثة يصل الصباح إلى مدينة الإسكندرية لركوب البحر إلى بلاد المغرب، تنفيذا لاتفاقه مع الوزير بدر الدين الجمالي، بأن يغادر القاهرة دون قتله، لتغرق السفينة ويلجأ الصباح إلى قراءة بعض التمتمات لتهدأ العاصفة ويحول مسار المركب إلى عكا في فلسطين، ليبدأ من بالمركب تصديق دعوته.
"سيطرة المتحدة"
ومنذ الانقلاب العسكري الذي ضرب مصر منتصف العام 2013، تخضع إدارة قطاع الإعلام والصحافة والإنتاج الدرامي والتلفزيوني والسينمائي، وكعكتها الاقتصادية الكبيرة لجهاز المخابرات العامة، من خلال مجموعة "إعلام المصريين" برئاسة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة الذي عمل كواجهة للمخابرات العامة لشراء الصحف والفضائيات.
ثم تأسيس شركة "إيجل كابيتال للاستثمارات المالية" عام 2016، برئاسة وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، زوجة طارق عامر محافظ البنك المركزي السابق، ليظهر العملاق الجديد المملوك للمخابرات العامة وهو الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" عام 2016.
وسيطر الجهاز عبر ذراعه "المتحدة" على قطاع صناعة الدراما والسينما، وسط تراجع لافت لشركات الإنتاج الخاصة التي صارت تعمل تحت إشراف ورقابة الجهاز، فيما خسرت الشركة بموسم دراما رمضان 2017 وحده، نحو 470 مليون جنيه مصري، وفق إعلان نتائج أعمال الشركة في 5 سنوات في أيار/ مايو 2021.
"انتقادات لاذعة"
لكن وبرغم دور "المتحدة" في الترويج لـ"الحشاشين"، إلا أن الانتقادات الموجهة له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولمخرج العمل، وكاتبه جاءت عنيفة.
وصف البعض السيناريو بـ"الضعيف"، ورأوا أن اللهجة المصرية والأزياء غير مناسبة لتلك الحقبة الزمنية من العصور الوسطى، فيما انتقدوا غياب اللغة الفصحى، وقال البعض إن "المسلسل فشل فشلا ذريعا وراحت ملايين الجنيهات على الأرض".
وقدم الناشط المصري وائل عباس، مراجعة لـ"الحشاشين"، عبر موقع "إكس"، مؤكدا أن "تتر المسلسل يحتوي على مدن ذات طابع معماري هندي ومملوكي، لا علاقة لها بعصر الحشاشين"، مؤكدا أن "الطراز المعماري المملوكي لم يظهر إلا بعد تلك الفترة بقرون.
كما أشار إلى أن "الصليبيين في المسلسل (خلال حملة فرنسية رغبت في السيطرة على قلعة الحشاشين بأصفهان) يستخدمون لغة فرنسية حديثة"، مبينا أنه "في القرن 11 الميلادي لم تكن اللغة الفرنسية قد ظهرت بعد، وكانت هناك فرنسية قديمة أو ما يسمى بالأنجلو نورمان"، ملمحا إلى أنه حتى فرنسا وباريس لم يكونا بذات الأسماء.
كما انتقد عباس، تصوير مدينة أصفهان في إيران بطراز معماري هندي، موضحا أن لها مآذن مميزة ومبانيها يزينها القاشاني الأزرق، فيما رأى أيضا أن "مشهد قفز التابع للحشاشين من فوق القلعة مأخوذ من لعبة إلكترونية بالحرف"، مؤكدا أنه "مشهد في مجمله مختلق".
ولفت إلى مفارقة تاريخية حول قصة الصداقة بين حسن الصباح، والشاعر عمر الخيام، ووزير القائد السلجوقي ألب أرسلان، ونظام الملك، مؤكدا أنه "ثبت بالبحث التاريخي أنها ملفقة فلم يكونوا أبدا في مدرسة نيسابور (شمال شرق إيران)"، مشيرا إلى التفاوت الواضح في أعمارهم.
كما اعتبر عباس، أن إنقاذ جنية، للصباح من البئر وهو صغير من "الخزعبلات والخرافات"، موضحا أن "حسن الصباح كان فقيها ودارسا للفقه الإثنا عشري، قبل أن يتحول إلى المذهب الإسماعيلي، إلى جانب تفقهه في المذهب السني، ما جعل لديه قدرة إقناع وتجنيد أتباع".
ومن الانتقادات ما قاله الباحث في الدراسات الإسلامية والمدرس المساعد بجامعة الأزهر السيد الرحماني، حيث وصف "الحشاشين"، بأن به "حوارا فقيرا، وجُمَلا مهلهلة مبتورة، وقفزا في الكادرات والأحداث بلا إشباع ولا إثارة ولا عمق، وكله يعبر عن ضعف الكاتب".
وعبر "فيسبوك"، أضاف: "رتم باهت وأجواء ميتة رغم بهرجة الديكورات والاكسسوارات والملابس"، كما انتقد ما أسماه "الموسيقى العجيبة المتماشية تماما مع جو مسلسل مليان (مليء) مساطيل (فاقدي الوعي) يقولون كلاما كبيرا، أجوف".
وتابع: "لن أقول عامية ولا فصحى وأخطاء تاريخية ولا إبداعا دراميا"، مؤكدا أن العمل غير "مقنع ولا ممتع بأي شكل، وده لأن القماشة الأصلية كبيرة على الكاتب وعلى المخرج، وكله بهت على أداء الممثلين... ".
وقال الكاتب الصحفي والباحث التاريخي، حسن حافظ، إنه "مسلسل ساذج يتعمد الأخطاء التاريخية، يقدم شخصيات كارتونية، حيث الأشرار يقولون إنهم أشرار والطيبون يقولون إنهم طيبون".
صاحب كتاب "الدعوة الإسماعيلية في مصر"، أضاف عبر "فيسبوك": "لا دراما هنا فقط خطاب وعظي مباشر قائم على سذاجة القائمين على العمل ومحدودية موهبتهم كتابة وتمثيلا وإخراجا، وهو أمر واضح من سذاجة تقديم الشخصيات الرئيسية، أما من يتمسك بالشكل فهو بالتأكيد تافه لا يستحق الالتفاف".
"ليس حصة تاريخ"
وعلى الجانب الآخر، دافع البعض بشدة عن المسلسل، وبينهم مدير برامج فضائية "إكسترا نيوز"، إيهاب البديوي، قائلا إنه "ليس حصة تاريخ"، مشيرا إلى أن "الدراما يبقى فيها مساحة لخيال المؤلف، ونشأة حسن الصباح مبهمة قليلا ومن حق المؤلف أن يخلق النشأة التي تخدم سياق الدراما".
وحول لهجة المسلسل، لفت إلى أن مسلسلات تركية مثل "حريم السلطان" و"قيامة أرطغرل" كانت مدبلجة بالعامية السورية"، متوقعا أن يكون الهجوم على حسن الصباح رهيبا في الأيام القادمة.
وكشف الصحفي الذي يعمل في "المتحدة"، الشركة المنتجة للعمل، عن الغرض الأساسي من "الحشاشين"، مبينا أنه "يحكي قصة إنشاء الجماعات الباطنية بصفة عامة ونظرية السمع والطاعة التي أخذهما حسن البنا في إنشاء جماعة الإخوان المسلمين".
بل إن رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ، دافع عن المسلسل، مؤكدا عبر "فيسبوك" أنه "من حق صناع الحشاشين اختيار اللغة التي تناسبهم، واللهجة المصرية عريقة ومفهومة في كل العالم العربي، الأتراك عند إنتاجهم مسلسلات تكون بلغتهم، وكذلك الأجانب في الغرب، اللغة الفصحى قد لا تجذب شريحة من الشباب".
المسؤول السعودي، وصف الحشاشين بأنه "إنتاج ضخم وخطوة في الطريق الصحيح للوصول للمستوى العالمي"، مضيفا: "نحن الآن بصدد إنتاج سعودي ضخم برعاية الترفيه ومحتار في اختيار الفصحى أو العامية للانتشار، وخطوة الحشاشين شجعتني للتفكير".
ووصف الممثل المصري نبيل الحلفاوي، حلقات المسلسل بـ(المبشرة والواعدة)، واتهم بعض من يهاجم العمل لاستخدامه اللهجة العامية، بأنه يهاجم بدوافع سياسية مريبة، فيما قدم تبريره للتغاضي عن اللغة الفصحى بأن ذلك "يأتي في سبيل تواصل أيسر وأكثر حميمية وأوسع انتشارا باستخدام اللهجة الدارجة".
"مخطط لها"
وفي تعليقه، على الجدل المثار حول لغة "الحشاشين"، قال الباحث الإعلامي المصري خالد الأصور، لـ"عربي21": "ربما كان الوقت مبكرا للحكم على المسلسل كاملا بعد مرور 3 حلقات فقط؛ رغم يقيني بأن المحصلة لن تكون إيجابية في ظل هذا المناخ العام من سيطرة الدولة تماما على المجال العام وبالأخص الإعلامي منه".
واتفق الأصور، مع ما يثيره البعض من انتقادات وما قيل عن "استفزاز كل غيور على اللغة العربية باعتماد العامية المصرية بالعمل، برغم أنها لم تكن لهجة ذلك الزمان، متماهيا مع بعض الآراء التي تقول إن اعتماد اللهجة المصرية يقلل من توزيع المسلسل عربيا".
وأضاف إلى ما ذُكر سلفا، أن "اعتماد وشيوع العامية المصرية إعلاميا لم يقتصر على الدراما، وقد بدأ هذه السُنة السيئة المخرج المتفرنس يوسف شاهين، في أفلامه التاريخية".
وأعرب عن أسفه أيضا من أنه "حتى إذاعة القرآن الكريم غزتها اللهجة العامية"، معتبرا أن "كل هذه المظاهر ليست مصادفة، بل مخطط لها، لا سيما ونحن في أسوأ مراحل الإعلام الموجه".
"قواعد غير صحيحة"
من جانبه قال الناقد المصري طارق الشناوي: "لننتظر باقي الحلقات، ولكن من المؤكد أن الترقب كان متوقعا لاسم نجم العمل كريم عبدالعزيز، وباقي الأبطال، والكاتب عبد الرحيم كمال، والمخرج بيتر ميمي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "البدايات تظهر مع مخرج لديه عين حلوة جاذبة تجعلني كمشاهد عندي تطلع لاستكمال الحلقات؛ ولكن السؤال الذي طُرح بقوة هو استخدام اللهجة العامية المصرية".
ويرى الناقد الفني، أننا "نضع قواعدا أو نتوارثها وهي ليست صحيحة، بمعنى أنه جرى العُرف بأن تُقدم الأعمال الدينية والتاريخية باللغة العربية الفصحى، ولنا أسوة ببدايات التلفزيون العربي عام 1960، وقبل ذلك في الإذاعة المصرية حيث كانت تقدم قصة (ألف ليلة وليلة) باللغة الفصحى، في حين الأعمال الكوميدية باللهجة العامية".
وتساءل: "هل ما توارثناه قاعدة؟ هل هذه هي الحقيقة المطلقة؟"، مجيبا بقوله: "أعتقد لا، والدليل على ذلك فيلم (نابليون) إنتاج 2023، عن الشخصية الفرنسية التاريخية وعن أحداث جزء كبير منها بفرنسا والشخصيات فرنسية، ولكن المخرج ريدلي سكوت، جعل اللغة إنجليزية لا فرنسية، ولا أحد تساءل أو اعتبر أن هذه نقيصة".
وقال إن "اللغة التي تستخدمها في العمل الفني هي لغة افتراضية ويعمل صناع العمل تعاقدا مع المتلقي أنهم سيتكلمون بهذه اللغة، وبالتالي نحكم على العمل الفني بمقاييس نعتبرها قواعد في حين أنها ليست بقواعد ونحن من جعلها قواعد".
ويرى الشناوي، أن "العمل ينضج شيئا فشيئا؛ والبداية كانت جيدة بأداء مغاير لرباعيات عمر الخيام، وترجمة أحمد رامي، لكن الموسيقي التونسي أمين بوحافة صنع لها حالة وإيقاعا مختلفا، وموسيقى تصويرية مختلفة، والتصوير والديكور كل هذا في البدايات".
وألمح إلى وجود "مشكلة تواجه الكاتب في الحلقات الأولى؛ فيكون عليه أن يوضح الحكاية فيضطر إلى وقف الإحساس الدرامي، ويضطر لسرد المعلومات، ويبدأ الحديث عن الشخصيات حتى ندخل نحن كمشاهدين في الحكاية؛ وكل هذا يعطل تدفق الحالة الدرامية، ولذا يجب أن نضع هذا في الحسبان عن مشاهدة الحشاشين".
وحول ما قد يكون خلف العمل والإنتاج الضخم من رسالة سياسية، قال الناقد المصري: "أتصور أن العمل كتكوين وكتاريخ مؤكد أنه يرمي إلى نبذ الفرقة والخلافات بين المذاهب، وهذه الرسالة التي يريد أن يقولها العمل الفني، وأعتقد أن هناك من المتطرفين فكريا في كل جانب من سيقف ضد رسالة الحشاشين".