تتوالى
المساعدات المالية من أوروبا وأمريكا
وبقيمة تتعدى الـ20 مليار دولار، لمصر برئاسة عبد الفتاح السيسي، ما يدعو للتساؤل
حول دور تلك المساعدات في إنقاذ
الاقتصاد المصري من الإفلاس أو تأجيل
الكارثة لوقت
آخر، وكذلك دور تلك الأموال في إنقاذ أكثر من 106 ملايين نسمة من الفقر والجوع.
وأعلنت وزيرة التعاون الدولي المصرية رانيا
المشاط، الخميس، أن المحفظة الجارية للتميولات التنموية لمصر مع شركاء التنمية
متعددي الأطراف والثنائيين، تبلغ قيمتها 21.4 مليار دولار، بحسب ما نقلته صحيفة
"البورصة" المحلية.
وشهدت مصر في العام 2023، أشد أوضاعها المالية
سوءا مع أزمات شح الدولار ، وحلول آجال الكثير من أقساط وفوائد دين خارجي هو
الأكبر بتاريخها، وتراجع الاستحواذات الخليجية على الأصول العامة، وتعثر قرض من
صندوق النقد الدولي كان مقررا منذ نهاية 2022، لكن؛ بدأت التدفقات المالية تنهال
على القاهرة، خاصة مع تفجر الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة على الحدود الشمالية
الشرقية لمصر.
أولى الخطوات بوصول تمويلات كبيرة لمصر، جاءت
عقب إعلان القاهرة وأبوظبي 23 شباط/ فبراير الماضي عن صفقة "رأس الحكمة"
بساحل مصر الشمالي مقابل 35 مليار دولار، ما تبعه الحديث عن حزمة تمويلية غربية
كبيرة تبلغ نحو 20 مليار دولار، منها نحو 8 مليارات من صندوق النقد الدولي خلال 3
سنوات، و3 مليارات من البنك الدولي، إلى جانب ما أثير عن صفقة استحواذ سعودية
لمنطقة "رأس جميلة" بجنوب سيناء، بالإضافة إلى عودة الأموال الساخنة
للسوق المصرية، بعد غياب أكثر من عامين.
والأحد الماضي، أعلن وزير المالية المصري محمد
معيط، أن مصر ستحصل على 3 مليارات دولار من البنك الدولي ومؤسسات أخرى، مشيرا
لاتفاقيات مع اليابان والمملكة المتحدة تحصل بموجبها على 20 مليار دولار، فيما أكد
نائب وزير المالية أحمد كجوك أن بعض الدول تدرس تقديم ضمانات لتمويلات مصر الدولية
منها أمريكا.
وفي السياق، بدت مؤشرات لافتة على عودة الأموال
الساخنة أو ما يعرف اقتصاديا بالاستثمارات الأجنبية غير المباشرة التي تستثمر في
أدوات الدين الحكومية بالجنيه المصري، حيث باع البنك المركزي المصري نيابة عن
وزارة المالية، الخميس الماضي، أذون خزانة لأجل سنة بقيمة 87.8 مليار جنيه (1.78
مليار دولار).
وذلك بعد يوم واحد من قرار 6 آذار/ مارس الجاري،
التاريخي بتعويم العملة المحلية للمرة الرابعة في مصر خلال عهد السيسي، والذي هبط
بقيمة الجنيه مقابل الدولار من 30.80 جنيها إلى نحو 50 جنيها.
كما أنه ووفق وكالة "بلومبيرغ"، فإن
مصر تقدم الآن ثالث أعلى عائد على السندات بالعملة المحلية من بين 23 اقتصادا
ناميا، مما قد يجعلها قبلة جذابة للمستثمرين الذين تجنبوا الدين المحلي المصري في
السابق.
المليارات القادمة لمصر
ورغم أن العام الماضي، شهد وضع مصر في مؤشرات
سلبية بأغلب التصنيفات الائتمانية الدولية، ولكن وبعد يوم واحد من قرار التعويم
المذكور آنفا غيرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية
لمصر من سلبية إلى إيجابية، ما يعني الكثير من الثقة للمستثمرين الأجانب وإشارة
خضراء لهم بعودة الاستثمارات للسوق المصرية.
لكن، آخر الأحاديث عن المليارات القادمة لمصر،
جاء بصحيفة "فاينانشيال تايمز"، التي أعلنت الأربعاء، أن وفدا من
الاتحاد الأوروبي يشمل رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ورؤساء
وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، وإيطاليا جورجيا ميلوني، وبلجيكا ألكسندر دي
كرو، سيصلون القاهرة الأحد المقبل، لتقديم دعم بنحو 8.08 مليار دولار لمصر (7.4
مليار يورو)، في شكل منح وقروض حتى نهاية 2027، يمكن دفع نحو مليار يورو منها فورا.
ويبدو أن هدف الاتحاد الأوروبي من ذلك التمويل
لمصر والذي يعادل قيمة قرض صندوق النقد الدولي الذي تسعى القاهرة للحصول عليه منذ
نهاية العام 2022، يأتي بهدف دفع مصر لاستكمال دورها في منع وصول اللاجئين
الأفارقة إلى القارة العجوز، وخاصة من السودان التي تشهد حربا أهلية، ومن قطاع غزة
الذي يواجه حرب إبادة دموية إسرائيلية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وبعد الإعلان عن وصول نحو 10 مليارات دولار من
أموال صفقة "رأس الحكمة"، وحوالي 1.5 مليار دولار من صندوق النقد الدولي
تشمل شريحة المراجعة الأولى والثانية خلال أسبوع، بحسب وزارة المالية المصرية، الثلاثاء؛
يبدو أنه سيصل الإدارة المصرية مليار دولار من أموال الاتحاد الأوروبي بشكل عاجل.
ما يعني انتعاش الخزانة المصرية، وهو الوضع الذي
يرى فيه الإعلام المحلي وتصريحات المسؤولين المصريين، انفراجة كبيرة بالأزمة
الاقتصادية.
لكن، المثير هنا ووفق مراقبين، هو استمرار
سياسات حكومة السيسي، بالاقتراض الخارجي والحصول على القروض واتفاقيات بتمويلات
جديدة وموسعة قد تثقل كاهل اقتصاد متهالك يعاني من فوائد وأقساط ديون خارجية زادت
أكثر من 3 مرات في 10 سنوات حكمها السيسي، لتصل إلى 164.7 مليار دولار.
ومن المثير كذلك، أنه عقب هروب نحو 22 مليار
دولار من الأموال الساخنة من السوق المصرية في الربع الأول من 2022، نتيجة الحرب
الروسية الأوكرانية ورفع الفيدرالي الأمريكي معدلات الفائدة لنسب قياسية، تعهد مصر
ممثلة في وزير ماليتها محمد معيط بعدم اللجوء لخيار الأموال الساخنة بعد تسببها
بأزمات للسوق المحلية أعوام 2018، و2020، و2022.
وفي قراءتهما الاقتصادية توقع خبيران مصريان عدم
نجاح ما يقدمه الغرب من دعم مالي متتابع لمصر في ترقيع اقتصاد دولة السيسي الذي
يعاني من أزمات مركبة وهيكلية.
إنقاذ بمقابل
وفي حديثه لـ"
عربي21"، قال الكاتب
الصحفي والخبير الاقتصادي ممدوح الولي، إن "الغرب يعطي مكافأة مزدوجة للحكومة
المصرية نظرا لدورها في فرض الحصار على قطاع غزة، وأيضا لدورها في منع اللاجئين من
مصر ومن القارة الإفريقية ومن مناطق الصراع مثل السودان، من عبور البحر المتوسط
إلى أوروبا".
رئيس مجلس إدارة صحيفة "الأهرام"
الأسبق، لفت إلى أن "هدف الغرب من تتابع الدعم المالي والقروض لحكومة القاهرة
هو إنقاذ النظام الحاكم من أزماته، وليس بهدف إنقاذ المصريين"، مبينا أنه
"في تلك المكافأة وذلك الدعم يريد الغرب أيضا أن يوجه رسالة إلى باقي الأنظمة
العربية بالمنطقة بأنه من يتعاون وينفذ الأجندة المطلوبة منه سوف نحميه وندعمه
ونقف بجواره".
وبين أن "المسألة صارت واضحة للعيان، وبدأت
منذ استقبال وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، بوزير المالية المصري محمد معيط،
ومحافظ البنك المركزي حسن عبدالله، ووزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط، 9 كانون/
الثاني/ يناير الماضي بواشنطن".
وحينها قالت المسؤولة الأمريكية: "نحن ندعم
السيسي وندعم نظامه، ومسؤولون عن أن يكون نظام السيسي جيدا".
وأكد الولي، أن "القرار في البنك وصندوق
النقد الدوليين غربي وأمريكي، وهي أمور معروفة، وبعد ذلك اللقاء فُتحت كل الأبواب
لوصول الدعم الغربي إلى الحكومة الحالية في مصر".
وقال الولي: "ولذلك فإن مسألة الدعم الغربي
هنا مسألة مفهومة لمساعدة مصر؛ وفي هذا الإطار يأتي الإعلان عن دعم بتمويل غربي
مقدم للأردن من صندوق النقد الدولي، مع وعد بزيادة المعونة الأمريكية لعمان، وأيضا
للبنان وكل دول الجوار، لأجل أدوار إقليمية بحرب غزة".
أضخم وأعمق
ويرى الولى، أنه من الجانب الاقتصادي فإن
"المشكلة عميقة وكبيرة وضخمة؛ وللأسف فإن ما نستقيه من معلومات من الجانب
الحكومي الرسمي غير كافية وغير موثوق بها، وما يصدر عنه هي مؤشرات جزئية تخدم غرض
النظام، فقط".
ولفت نقيب الصحفيين المصريين الأسبق، إلى أنه
"على سبيل المثال فإن نسب التضخم في شباط/ فبراير الماضي رسميا وصلت نحو 35.7
بالمئة وهي أرقام سياسية مقصود بها إرسال رسالة للغرب بأننا نعاني وعليكم زيادة
المساعدات".
وألمح إلى أنه "وبرغم أن الأزمة كانت أعمق
في كانون الثاني/ يناير الماضي بوصول سعر صرف الدولار إلى نحو 73 جنيها، وكان من
المفترض أن تكون معدلات التضخم به أكبر، لكنه حينها انخفض المؤشر إلى 29.8 بالمئة
في تلاعب واضح في الأوراق".
وأشار إلى أنه "هناك أيضا تناقض واضح بين
تصريح صندوق النقد 31 كانون الثاني/ يناير الماضي، بأن مصر تأثرت من الأزمات
الإقليمية والحرب في غزة في مجال السياحة على عكس تصريحات حكومية تقول إن دخل
السياحة زاد عنه في العام الماضي وذلك الوضع بالنسبة للحديث عن إيرادات قناة
السويس".
لهذا لن ينجح "الترقيع"
لكن الخبير والكاتب الاقتصادي أوضح أنه
"ومع ذلك فإن المشكلة المصرية أضخم وأعمق، لأنه حتى الدعم المعلن من صندوق
النقد والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي لن يصل مصر دفعة واحدة".
وبين أن "قرض المليارات الثلاثة مقسم على 3
سنوات وحصلت مصر منه على دفعة قديمة وأخرى 1.5 مليار بعد أسبوع، بحسب وزارة
المالية، كما أنه للصندوق أقساط بنحو 4.9 مليار دولار على مصر، وتمويل الاتحاد
الأوروبي سيكون حتى 2027، ولن يصل جميعه هذا العام".
وأوضح أنه "من جانب ثان؛ تحتاج البضائع
المكدسة في الموانئ المصرية لنحو 7 أو 8 مليارات دولار، كما أنه جرى منذ الربع
الأول من 2022 تخفيض وترشيد الاستيراد لكنه متوقع أن تزيد الواردات السلعية الفترة
المقبلة، ما يتطلب مقابل ذلك بالدولار".
وأشار أيضا إلى جانب هام وهو "متأخرات
المدفوعات المقررة للشركات والمستثمرين الأجانب طوال الفترة الماضية، والتي يجب
ألا تتأخر أكثر من ذلك حتى لا يفقد اقتصاد مصر الثقة فيه، بل ويجب تحسين الصورة
العامة له والحفاظ على السمعة الدولية أمام المستثمرين".
ولهذا فإن الولى، واصل في حديثه التقليل من
أهمية ما يصل مصر من تمويلات غربية في ترقيع اقتصادها، مبينا أن "هناك ملف
أشد خطورة يستقطع بلا شك من أية حصيلة دولارية تدخل البلاد؛ وهي أقساط الديون
وفوائدها التي يمكن تأجيل بعضها، لكن يجب سداد الأخرى مثل ديون السندات والمؤسسات
الدولية وحجمها كبير وأقساطها إجبارية".
وبجانب جميع ما سبق، أشار أيضا إلى
"الإنفاق الترفي والقرارات غير المدروسة والإعلان عن إنفاق غير مدرج مثل ما
قال عنه السيسي جزء من (الهبرة) بإسناد 10 مليارات جنيه لصندوق تابع ذوي
الهمم"، مؤكدا أنه "بالطبع سيواصل استكمال مشروعاته كالعاصمة الإدارية
ومدينة العلمين الجديدة وغيرهما".
وقال إنها الحالة التي سيقابلها "بلا شك
استمرار في طلب القروض والتمويل الدولي بفوائد عالية، ومهما قيل من تصريحات حول
تحجيم الاقتراض إلا أن الأخبار تخرج علينا بشكل مستمر حول توقع اتفاقية بقروض إو
إقرار قرض جديد من البرلمان أو من رأس النظام".
لذلك أعاد الولي، وكرر قوله إن "المشكلة
عميقة اقتصاديا، وما تأتي من أموال بقروض ودعم غربي هي محاولة لينجو النظام، ولكنه
يستدين أكثر وأكثر، ولا فائدة تعود على الشعب الذي من المتوقع أن يعاني مجددا مع
ارتفاعات لا تتوقف من الأسعار"،ملمحا إلى وجود محاولات خداع في الأرقام حول
الأسعار والتضخم.
وبين هنا أن "مؤشر الجهاز المركزي للإحصاء
غير معبر عن الواقع، ونسبة 35.7 بالمئة عن شباط/ فبراير الماضي، أقل بكثير
مما يشعره المواطن، خاصة وأنه يعطي الوزن النسبي للإنفاق على الأكل عند 34 بالمئة
فقط بينما هو في دول أخرى بين 60 و70 بالمئة".
"كما أن المؤشر المصري يضم إلى جانب الأكل والشرب 12
مجموعة سلعية بينها ترفيهية وأقل أهمية مثل ارتياد السينما والمسارح والمشروبات
الكحولية والأساس المنزلي، وغيرها، ولذا يكون رقم التضخم صغير، وبعيد عن الواقع".
ولفت إلى أن "ما يثار إعلاميا عن أننا إلى
حل للأزمة الاقتصادية يتجاهل حجم المشكلة الكبيرة بنوع من الشحن الإعلامي والتأثير
النفسي؛ ولكن الأيام بيننا والمشكلة عميقة وجربنا نفس الحلول مع قروض صندوق النقد
الدولي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، ولذا فالتجربة ليست جديدة، وقيل لنا حينها
كله تمام، ولكن المشكلة ازداد عمقها وأخذت أبعادا أخرى".
وبين أن منها "أفول نجم القطاع الخاص
المصري ومغادرة أغلبه البلاد إلى أفريقيا والخليج"، ملمحا إلى أن "رفع
سعر الفائدة على الاقتراض إلى 30 بالمئة زاد من أعباء القطاع الخاص"،
متسائلا: "من يمكنه الاقتراض بهذه الفائدة المرتفعة ويستطيع الإنتاج والمنافسة
في السوق، مع منتج الجيش ومنتج الإمارات بما لديهما من قدرات مالية وتسهيلات
حكومية؟".
مسألة "جغروسياسية"
وفي تقديره، قال الكاتب والباحث الاقتصادي محمد
نصر الحويطي، إن "مسألة الدعم الغربي لمصر ليست من أجل عيون المواطن المصري،
ولا من أجل الحفاظ على الاقتصاد من أزمة أو ترقيعه، والمسألة كلها جغرافية سياسية
أو ما يطلق عليه اصطلاح جغروسياسية".
وفي
حديثه لـ"
عربي21"، أشار إلى أن "مصر في بؤرة إقليمية متلاحمة
متشابكة ومشتعلة سياسيا، وبالتالي من مصلحة الغرب أو الاتحاد الأوروبي أو الأطراف
العربية والخليجية والأمريكية الحفاظ على هذه البؤرة من الاشتعال ودعمها كونها حجر
زاوية كما يقولون للحفاظ على استقرار المنطقة".
وأوضح أنه "كلما عانى الاقتصاد المصري من
مشاكل بالتبعية سيعاني المواطن، وبالتالي يعرض هذا البلاد لموجة غضب ونقمة وسخط
على الأوضاع وهو ما لن تحتمله أوروبا والغرب، لذا فهذا الدعم يأتي في إطار عملية
الحفاظ على مصر كبؤرة سياسية ومنطقة مهمة للغرب خاصة في ظل الحروب التي تعاني منها
بلدان المنطقة".
وحول
دور هذا الدعم في إنقاذ الاقتصاد المصري أو تأجيل أزماته يرى الحويطي، أن
"المسألة برمتها هي أن الدعم المقدم يحافظ على قدر معقول من عدم الوصول
لمشاكل اقتصادية عميقة قد تؤجج الأوضاع، خاصة وأن الغرب لا يقوى على حدوث مشاكل
بمصر أو ببؤرتها".
وأكد
أن "عمليات الدعم للاقتصاديات ليست ركيزة أساسية، وأي دعم يكون وقتي لتجاوز
الأزمة أو المساعدة على تجاوزها أو عبروها، وهو أمر لا يخص الدعم الغربي لمصر فقط،
بل كل الدعم لأي دولة مجرد طوق نجاة وقتي، فالدول لا تقوم على الدعم ولا تعيش عليه".
وبين في نهاية حديثه أنها "مسألة مؤقتة
لحين أن تستفيق الدولة وتعتمد على ذاتها وعلى مقدراتها، وتنجح في جذب الاستثمارات
وزيادة الدخل والإيرادات".