لا يزال ملف غلق 1200 مسجد في
مصر تابع لوزارة
الأوقاف بدعوى
نقص التمويل مفتوحا على مصراعيه، على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على إنشاء صندوق
الوقف الخيري، لتعظيم الاستفادة من أملاك الوزارة ومضاعفة إيراداتها، الذي أثار حينها
جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض.
وتعاني تلك
المساجد التي تنتشر على مستوى الجمهورية من تردي
أوضاعها سواء الخارجية أو الداخلية، ونقص في عدد الأئمة والمؤذنين والعمال، ما يؤثر بالسلب
على دورها الديني في إقامة الصلوات والشعائر في المناسبات والأعياد ونشر الوعي الديني.
دفع تجاهل وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، أقدم وزراء
الانقلاب العسكري منذ عام 2013، نوابا بالبرلمان إلى إثارة القضية تحت قبة البرلمان
أكثر من مرة دون أي تحرك أو استجابة من الوزير، الذي يحرص بحسب النواب على الظهور في
وسائل الإعلام للحديث عن إنجازات، وتجاهل الأزمات التي تمر بها الوزارة ومساجدها.
وتقدم عضو مجلس النواب النائب أحمد عبد السلام قورة، بسؤال
إلى رئيس مجلس النواب، لتوجيهه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الأوقاف، بشأن حصيلة موارد
صندوق الوقف الخيري وما تم إنجازه من أعمال، وسبب عدم اعتماد القائمين على الصندوق
خطة لتمويل إعادة رفع كفاءة بعض المساجد المغلقة، بسبب عدم وجود اعتمادات مالية.
وانتقد قورة غياب دور الصندوق والقائمين عليه، وتقاعسه في
خدمة أغراض نشر الدعوة الإسلامية، ورعاية المؤسسات العلمية ذات الصلة بالدعوة الإسلامية،
واستمرار العجز في أئمة المساجد والوعاظ والواعظات، وعدم الاهتمام بملف إعمار المساجد الذي قدرها بقرابة 1200 مسجد.
وفند تراجع أنشطة الوزارة بشكل ملحوظ بسبب ضعف الأداء، وعدم
توظيف أموال الأوقاف وريعها الوفير في الأغراض المخصصة له، واستثمار صندوق الوقف الخيري
وغيره من الصناديق الأخرى التي تشرف عليها وزارة الأوقاف، في غير الأغراض المخصصة لها
وبطريقة لا تتفق مع سياسة الترشيد التي تتبعها الدولة.
"أرباح تاريخية ومساجد مقفرة"
تتجاوز أرباح هيئة
الأوقاف المصرية نحو ملياري جنيه سنويا (الدولار يعادل نحو 47.5 جنيها)، التي وصفتها
الوزارة بالتاريخية.
في أيار/ مايو 2023، وصف رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد
بمجلس النواب، محمد عبدالعليم داوود، ما يحدث في وزارة الأوقاف بالـ"جريمة"
في حق الشعب المصري، بدعوى استشراء الفساد وسوء الإدارة والتخطيط.
وأضاف أن ممتلكات وزارة الأوقاف قادرة على أن تجعل مصر أغنى
دولة في العالم، مضيفا أنه لو تم استخدام أموال الوقف بشكل حقيقي، لن يكون هناك فقير
واحد في مصر، ولن يكون هناك مسجد مغلق أو مسجد دون فرش.
"إهمال وإهدار لأموال المسلمين"
في سياق تعليقه، يقول مستشار وزير الأوقاف سابقا، الشيخ سلامة
عبد القوي؛ إن "عدم توفير التمويل اللازم للمساجد هو كارثة تدخل ضمن سرقة المال
العام؛ وزارة الأوقاف سميت بالأوقاف؛ لأن كل المساجد التابعة لها داخلة ضمن الوقف، وهي
في ذات الوقت تدير وتشرف على أوقاف المسلمين، بأنواعها المختلفة الأهلية والخيرية".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "عدد المساجد
في مصر أكثر من 100 ألف مسجد، وهي قليلة نسبيا مقارنة بعدد سكان البلاد البالغ أكثر
من 100 مليون نسمة، وهناك موارد مخصصة لجميع المساجد، بالإضافة إلى أن هناك مساجد أخرى
غير تابعة لوزارة الأوقاف، وهي المساجد الأهلية ولا تكلف خزانة الوزارة أي أموال؛ لأن
تمويلها يكون من المتبرعين".
ورأى سلامة "أنه لا يوجد مبرر لعدم الإنفاق على المساجد
في ظل وجود موارد كبيرة ومتنوعة ومتعددة وضخمة؛ مثل العقارات والأراضي الزراعية وأسهم
في الشركات والمصانع، وهي مخصصة في الأصل للإنفاق على المساجد التي تشرف عليها وزارة
الأوقاف، إضافة إلى صناديق النذور في المساجد الكبيرة ومقسمة إلى 3 شرائح وتبلغ نحو
200 مسجد، وحصيلتها كبيرة، فضلا عن التبرعات السخية من بعض الدول العربية".
واختتم حديثه بالقول؛ إنه "يجب أن نسأل ونحاسب وزير الأوقاف،
ماذا عن إيرادات الوقف؟ وفيما أنفقت؟ ولماذا لا يتم استغلالها لتعيين أئمة وخطباء وعمال
مساجد؟ ولماذا لا يوجد خطة لإعادة رفع كفاءة وعمارة المساجد المغلقة، التي تحتاج للصيانة؟ فإما أن الوزير لا يحسن إدارة الأوقاف، أو أن موارد الأوقاف يتم هدرها وسرقتها".
3 سنوات على إنشاء صندوق الوقف الخيري المثير للجدل
في نيسان/ أبريل 2021، تم إقرار مشروع قانون صندوق الوقف
الخيري بشكل نهائي، ومنح وزير الأوقاف سلطة التصرف في أموال صندوق الوقف الخيري، وسط
انتقادات واسعة.
وقال منتقدو القانون؛ إن السلطة تستهدف وضع يدها على أموال
الوقف الخيري التي تقدر بمئات مليارات الجنيهات، وصرفها إما في مشروعات حكومية وليست
خيرية، أو محاولة تقليص عجز موازنة الدولة، والابتعاد عن أوجه الإنفاق التي حددها الواقف.
تصل قيمة أملاك الوقف في جميع أنحاء الجمهورية، إلى حوالي
تريليون و37 مليار جنيه و370 مليونا و78 ألف جنيه. (ما يعادل حينها 66 مليار دولار)،
وفق أول أطلس لحصر أملاك الوقف أصدرته الوزارة في نيسان/ أبريل 2019.
"أموال وممتلكات الوقف مستباحة"
وصف الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة، الدكتور جمال عبد
الستار، تقصير وزارة الأوقاف في عمارة المساجد في مصر، بأنه "متعمد من أجل تحجيم
دور المساجد في المجتمع، في ظل ما تمتلكه الأوقاف المصرية من أملاك ضخمة، وما لا يعلمه
كثيرون، أن أكثر من نصف أراضي مصر هي وقف لمصلحة المسلمين والفقراء وطلاب العلم، ومصنفة
بالمساحات والملاك".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه الثروة
الضخمة التي تتبع الأوقاف، لو أحسنت الوزارة استغلالها وإدارتها ماليا واقتصاديا، لا
يغير فقط من وضع مساجد مصر كلها، بل يغير من وجه الاقتصاد المصري، وتساهم بشكل كبير
في حل العديد من المشاكل والأزمات، خاصة أن أملاكها هي الأكبر في المنطقة".
لكن عبد الستار استدرك بالقول: "للأسف جزء من هذه الأراضي
والأملاك، منهوب منذ سنوات طويلة، وهناك إهدار غير مسبوق لا يحاسب عليه أحد، هناك مساحات
كبيرة من بعض محافظات مصر وقف، لكن استولت عليها أجهزة الدولة ورجال الأعمال وغيرهم،
وهناك مساحات وقفية لمصر خارج البلاد، ولكنها للأسف مهدرة وغير مستغلة ومنهوبة، وحماية لممتلكات الوقف، أكدنا في دستور 2012 أن أموال وأملاك الوقف لا تسقط بالتقادم".