عادت أزمة اللجوء للواجهة من جديد بدول
الساحل الأفريقي، بعد نشر تقارير لمنظمات غير حكومية تفيد بتضاعف أعداد الأطفال النازحين في ثلاث دول من بلدان الساحل الأفريقي هي (بوركينا فاسو ومالي والنيجر)، وسط تدهور الوضع الإنساني في العديد من دول القارة السمراء.
ورغم المقدرات التي تزخر بها دول مجموعة الساحل الإفريقي، إلا أنها تواجه أزمات تسبب في نزوح السكان بشكل كبير، مما يزيد من إضعاف التماسك الاجتماعي والظروف المعيشية.
وتعد مشكلة اللاجئين والنازحين واحدة من أهم المشكلات والتحديات التي تواجه القارة الأفريقية بشكل عام منذ عدة سنوات، بفعل الحروب والانقلابات العسكرية.
1.8 مليون طفل نازح
أفاد تقرير أصدرته الخميس الماضي منظمة "سايف ذا تشيلدرن"، أن العنف المتصاعد في مالي وبوركينا فاسو والنيجر أجبر نحو 1,8 مليون طفل على النزوح.
ووفق تقرير المنظمة، فإن هذا العدد يمثل زيادة بنحو خمسة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية، حيث لاحظت المنظمة في تقريرها، أن عدد الأطفال الذين أجبروا على النزوح ارتفع من نحو 321 ألف طفل عام 2019 إلى 1,8 مليون اليوم.
وقالت المنظمة؛ إنها استندت في تقريرها إلى الأرقام الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحكومات الوطنية والمنظمة الدولية للهجرة.
"أزمة منسية"
واعتبرت المنظمة أن "الأزمة المنسية إلى حدّ كبير في منطقة الساحل، لا تزال واحدة من أسوأ حالات الطوارئ الإنسانية في العالم".
وأضافت أن "ملايين من الأطفال يعيشون في حالة نزوح فارين من أعمال عنف مميتة لا يمكن تصورها، وكانوا في الأصل يعيشون في واحد من أكثر الأماكن صعوبة للنمو في العالم، قبل أن يفقدوا منازلهم ومجتمعاتهم وكل ما يعرفونه".
وحسب المصدر نفسه "ضاعفت النزاعات في بوركينا فاسو ومالي المجاورتين أعداد الأطفال، الذين يلتمسون اللجوء إلى ساحل العاج بمقدار 12 ضعفا، من نحو 2,450 في نهاية عام 2022 إلى نحو 29,700 في الوقت الراهن".
وضع متدهور
ويرى متابعون أن الوضع الإنساني في ثلاث من دول الساحل الأفريقي، هي بوركينا فاسو ومالي والنيجر، يتدهور بشكل سريع وسط أزمات على جبهات متعددة.
ويرى الصحفي المهتم بالشأن الأفريقي أحمد ولد محمد فال، أن فساد الأنظمة الحاكمة والانقلابات العسكرية وانعدام الأمن تعد من الأسباب الرئيسية للوضع المتردي في البلدان الثلاثة بوركينا فاسو ومالي والنيجر.
قال ولد محمد فال، في تصريح لـ"عربي21" إلى أن البلدان الثلاثة شهدت منذ العام 2020 خمسة انقلابات عسكرية آخرها في النيجر، في 26 تموز/يوليو الماضي، وهو ما قوبل بفرض عقوبات هذه الدول من المجموعة الاقتصادية لدول غرب
أفريقيا (إيكواس)، ما فاقم معاناة السكان وزاد من أعداد اللاجئين.
وأشار إلى أن الفارين من العنف في هذه البلدان، نزحوا إلى عدة دول أفريقية من بينها ساحل العاج وموريتانيا، التي تستضيف 120 لاجئا من دولة مالي وحدها.
ما هي مجموعة الساحل؟
هي تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون، تأسس عام 2014 بنواكشوط، وكان يضم موريتانيا، وتشاد، وبوركينا فاسو، والنيجر ومالي.
لكن هذا التجمع تفكك بشكل عملي أواخر السنة الماضية بعد انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر
منه.
الدول الثلاثة بررت انسحابها من التجمع بالقول؛ إن المجموعة "لم تحقق أهدافها بعد مرور حوالي 9 سنوات على تأسيسها".
وشددت هذه البلدان في بيان مشترك كانون الأول/ديسمبر الماضي، على أن "المجموعة لا يمكن أن تخدم المصالح الأجنبية على حساب مصالح شعوب الساحل، ناهيك عن قبول إملاءات أي قوة مهما كانت باسم شراكة مضللة وطفولية تنكر حق سيادة شعوبنا ودولنا، ولذلك، فقد تحملت بوركينا فاسو والنيجر ومالي بكل وضوح المسؤولية التاريخية بالانسحاب من هذه المنظمة".
توتر مع الغرب
وتوترت علاقات الدول الثلاثة التي يحكمها قادة عسكريون (بوركينا فاسو، والنيجر، ومالي) مع الغرب، على خلفية الحضور الروسي في المنطقة.
وتراجع الحضور الغربي والفرنسي بشكل خاص في منطقة الساحل خصوصا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث اضطرت فرنسا لسحب قواتها من هذه البلدان، مقابل نفوذ روسي متصاعد.
ويبدو الاهتمام الروسي بمنطقة الساحل الأفريقي واضحا، حيث تطمح موسكو لأن تكون لاعبا لا يمكن تجاوزه في هذه المنطقة من أفريقيا، ويعطيها أوراق قوة دولية إضافية.
"قوارب الموت"
ومنتصف شباط/ فبراير الماضي قال الرئيس الموريتاني (الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي) محمد ولد الشيخ الغزواني؛ إن "مشهد ملايين الشباب الأفارقة، المفتقِرين إلى المهارات الأساسية، العاطلين عن العمل في بلدانهم أو المتزاحمين في قوارب الموت، على مختلف مسارات الهجرة غير النظامية، بفعل انسداد آفاق العيش الكريم، أمر يحز في النفس".
ولفت في خطاب تسلمه الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي إلى أن القارة الأفريقية هي الأكثرُ تأخرا، على طريق تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة "بسبب ما تعانيه منظوماتنا التعليمية من نقص في شمول النفاذ، ومن ارتفاع نسب التسرب المدرسي، ومن نقص في جودة التعليم والتكوين، وفي ملاءمتها مع التحديات المتنوعة التي تواجهنا".
وأوضح أنه "ليس من المقبول بقاء أكثر من 17% من أطفالنا خارج المدرسة الابتدائية؛ ولا عدمُ تمكّن 75% من شبابنا، في المرحلة الثانوية، من تَمَلّك الكفاءات الخاصة بهذه المرحلة".