تشكل قضية
تجنيد
اليهود المتشددين "
الحريديم" في مجتمع
الاحتلال، أزمة كبيرة، في ظل
دعمهم من قبل بنيامين نتنياهو، ومحاولة الالتفاف على قانون يجبرهم على الخدمة
العسكرية، لضمان تأييدهم الانتخابي له، في مقابل اقتراب انتهاء المهلة المحددة من
المحكمة العليا للحكومة، للرد على طلبها بالوصول لحل في الملف.
وتثار أسئلة حول من هم
الحريديم، وما هي تياراتهم ولماذا يرفضون الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، رغم
أنها إلزامية لكافة الإسرائيليين.
من هم الحريديم؟
الحريدي، هو الشخص
"الورع" وفقا للتعريف اليهودي، وتأتي من العزلة والاعتكاف عن الناس،
خاصة وأن هذه الطائفة من اليهود، يلتزمون بدراسة التوراة في المعاهد الدينية
الخاصة بهم بعيدا عن المدارس والنظام الاجتماعي لدى الاحتلال.
ويعد الحريديم من
الطوائف المتشددة في مجتمع الاحتلال، وتهتم في أدق التفاصيل الدينية التوراتية،
فضلا عن الأزياء الموحدة للرجال، وكذلك للنساء.
ويغلب على زيهم المعطف
الأسود الطويل، والقبعة السوداء الأوروبية الكبيرة، والشال الأبيض ذو الخطوط
الزرقاء "التاليت" لأداء الصلوات التوراتية، وعلى صعيد الجسد، يمتازون
بتربية خصلات شعر من رأسهم بجانب آذانهم وتشكيلها بطريقة ملتوية.
ويرى الحريديم أن
اللغة العبرية مقدسة، لدرجة أنهم يقللون التحدث بها، ويلجأون للغة تدعى الإيدش والتي
كانت سائدة بين يهود أوروبا، وهي خليط من عدة كلمات لدول أوروبية فضلا عن العبرية.
ويعتكف اليهود
الحريديم، وهم من أتباع الشريعة الأرثوذكسية، ويشكلون نحو 13 بالمئة، من مجمل
الإسرائيليين، في مدارس دينية تدعى بالعبرية "اليشيفات"، وتخصص للعلوم
الدينية والشريعة اليهودية فقط، والقليل من العلوم الدنيوية، بما يحتاجونه فقط
سواء لتنمية نشاطهم الاقتصادي أو الطب، وهناك علوم محرمة عليهم مثل الأدب
والفلسفة.
وتصل درجة التزامهم
بالتعاليم اليهودية، إلى تضييق استخدام التكنولوجيا، ويشترطون أن تكون الهواتف
المحمولة "كوشر" (حلال)، بحيث لا تحتوي على كاميرا أو محركات تصفح،
وتستخدم فقط لمراجعة الكتب الدينية التوراتية، أو للاتصال المسموع بعيدا عن برامج
المحادثة حتى لا تلهيهم عن التعليم الديني.
وتعد مدينة بني براك،
القريبة من تل أبيب، بؤرة للحريديم، وأغلبية سكانها منهم، فضلا عن استيلائهم على
مناطق واسعة في القدس المحتلة، ومنها حارة ميئه شعاريم.
والحريديم ليسوا جسما
واحدا، فهم مكونون من أصول مختلفة، شرقيين وغربيين، ولديهم تيارات وأحزاب مختلفة،
وأبرزها الأشكناز "اليهود الغربيون" ويمثلهم كتلة يهودات هتوراه والسفارديم
"اليهود الشرقيون" ويمثلهم حزب شاس المتطرف.
جذور الأزمة
تعود مسألة رفض
الحريديم، للخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، إلى بدايات تأسيس دولة الاحتلال، حيث
يعتبرون الصيهونية فكرة تمثل معضلة لليهودية، ويمكن أن تحرف اليهود عنها، وكان
لديهم رفض في البداية لمبادئ الصهيونية، قبل أن تحدث تنازلات من جانب مؤسسي الحركة
الصهيونية ودولة الاحتلال، وجرى إعفاؤهم من الخدمة.
ويرى حاخامات الحريديم
الكبار، أن جيش الاحتلال، مؤسسة علمانية، بعيدة عن التعاليم اليهودية التوراتية،
ولذلك من المحرم عليهم الخدمة فيه.
وجرى تشريع قانون أعفي
بموجبه الحريديم من الخدمة العسكرية، لكنه ألغي عام 2015، وبررت ذلك المحكمة العليا
الإسرائيلية، بأنه يمس بمبدأ المساواة بين الإسرائيليين.
وفشل الساسة
الإسرائيليون منذ ذلك الوقت في صياغة قانون في الكنيست، يلزمهم بالخدمة العسكرية،
واستمر في تمديد القانون القديم لإعفائهم لحين الوصول إلى توافق.
وأمهلت المحكمة
العليا، الحكومة الإسرائيلية لغاية نهاية آذار/ مارس المقبل، لتقديم مشروع قانون
وإبلاغ المحكمة، وإلا فإن فرض التجنيد عليهم سيفرض بالقوة.
خطة نتنياهو
يسعى نتنياهو لإرضاء
هذا المكون من اليهود، من أجل ضمان أصواتهم المؤثرة في الانتخابات، لبقائه في
السلطة، ولذلك فهو لا يؤيد فرض التجنيد عليهم كما يطلبون، لكنه يحاول الالتفاف على
القانون، ويقترح رفع سن التجنيد إلى 35 عاما بالنسبة لهم، مع عدم معاقبة من لا
يريدون التجنيد وتجنيبهم العقوبات الجنائية.
إضافة إلى ذلك، يريد
نتنياهو، تشكيل وحدات وكتائب خاصة بالحريديم، وتفريغهم لتولي أعمال مثل الطوارئ
ووظائف إدارية وحكومية بدلا من الخدمة العسكرية.
موقف الحريديم
الحاخام الأكبر لليهود
السفارديم، أطلق تصريحا شكل صدمة، في أوساط الاحتلال، حين أعلن الرفض المطلق لخدمة
اليهود المتشددين في الجيش وهدد بمغادرة إسرائيل.
وقال إسحاق يوسف، إنه
في حال أجبر الحريديم على الخدمة العسكرية، فإنهم سيسافرون جميعا إلى الخارج،
ويتركون إسرائيل.
المعارضة تهدد
وأمام رفض الحريديم
التجنيد، تصاعد هجوم المعارضة الإسرائيلية، المصنفة لديهم بأنها علمانية، بحقهم،
وهدد بيني غانتس بالانسحاب من حكومة الحرب، في حال رفضوا الخدمة العسكرية في الجيش
وإقرار القانون المصاغ بشكله الحالي والذي لا يجبرهم أو يفرض عقوبات بحقهم في حال
رفضهم الخدمة.
وقال بيني غانتس إن
"تمرير مثل هذا القانون هو خط أحمر، وفي زمن الحرب بمثابة أمر عسكري غير قابل
للتنفيذ.. لن يتمكن الشعب من تحمله ولن يتمكن الكنيست من إقراره، وأنا وزملائي لن
نتمكن من البقاء في حكومة الطوارئ، إذا تم تمريره".
وتابع: "أناشد
قادة أحزاب المتدينين، كشخص ليس لديه شك في أهمية دراسة التوراة والحفاظ على تراث
إسرائيل وتقاليدها، أناشدكم ألا تحاولوا تمرير قانون خاطئ لا تستطيع الأمة بأكملها
تحمله".