قرر النظام
المصري ضم مساحة تقدر بنحو 344 ألف متر مربع ضمن إنشاء المرحلة الأولى من "ميناء
المكس"، والذي يقع بين ميناء الإسكندرية والدخيلة، والتي تقع معظمها في منطقة ميناء
البصل.
وأصدر رئيس مجلس
الوزراء القرار رقم 472 لسنة 2024 بأن يتم الاستيلاء بطريق التنفيذ المباشر على الأراضي
والمباني المقامة عليها المملوكة لجهات حكومية وتعديل تخصيصها لصالح هيئة ميناء
الإسكندرية بدون مقابل.
ويعد قرار رئيس
النظام المصري عبد الفتاح
السيسي، وحكوماته المتتابعة على مدار 10 سنوات، حلقة
جديدة من سلسلة قرارات مصادرة أملاك وأراضي ومنازل المواطنين.
ووفق الهدف
الحكومي المعلن فإن "
ميناء المكس" يأتي لتحقيق الربط الجغرافي بين
مينائي الإسكندرية والدخيلة ليصبح "الميناء الأوسط"، بعدد 22 رصيفا، بطول
7.10 كم.
"المكس"، أو "قرية
الصيادين"، أو "فينيسيا الإسكندرية"، ذات موقع استراتيجي ففيها
تلتقي ترعة المحمودية -أحد أفرع نهر النيل- مع البحر المتوسط، وتشتهر "بفنار
المكس" الأثري من القرن الـ19، والذي خلدته مشاهد السينما المصرية، بجانب
"شاليهات المكس" الخشبية التراثية منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
ويحتوي المكان
على آلاف المراكب وقوارب الصيد الصغيرة لسكان المنطقة القاطنين في بيوت تأخذ الشكل
المدرج لترى جميعها البحر، كما أن بها شركات ومصانع للبترول والكيماويات والأسمنت
والملح، إلى جانب نادي "حرس الحدود" التابع للجيش.
"سلسلة جائرة"
وفي وقت مبكر من
عهد النظام المصري الحالي ومنذ العام 2014، أصدر السيسي، قرارات وصفتها منظمات
حقوقية بالجائرة، لتهجير السكان من شمال سيناء (شمال شرق البلاد)، بمدينة العريش
ومحيطها، وحتى مدن الشيخ زويد ورفح وغيرها على حدود مصر الشرقية مع قطاع غزة، وهدم
منازلهم وعمل مناطق عازلة، بدعوى المنفعة العامة المتمثلة هنا بـ “الحرب على
الإرهاب".
وفي حي الجميل،
المطل على البحر المتوسط، استيقظ الأهالي في شباط/ فبراير الماضي، على صوت جرافات
قوات الأمن تنفذ قرار محافظ بورسعيد بهدم 315 منزلا وتهجير سكانها قبل شهر رمضان
بنحو 30 يوما، رغم أنهم يقطنون وفقا لحق الانتفاع لنحو 46 عاما، وتحديدا منذ عام
1978.
"من عليه الدور؟"
وإلى جانب صخب
الجرافات الجاري بمنطقة الجميل، فإن الدور يقترب على أهالي منطقة "رأس
الحكمة"، التي جرى في 23 شباط/ فبراير الماضي، الإعلان عن صفقة إماراتية بها
مقابل 35 مليار دولار، لبناء مناطق استثمارية ومواقع سكنية وتجارية وسياحية
وترفيهية (بمساحة 170 مليون متر مربع).
وبينما تسعى
الحكومة المصرية لهدم المباني بعمق 6 كلم من الشاطئ؛ فإن هناك نحو 10 آلاف مصري من بدو
مطروح التابعة لها المنطقة يتخوفون على منازلهم من الهدم وتجريف مزارع التين
والزيتون التي تنتج 26 بالمئة و17 بالمئة من إنتاج مصر من المحصولين.
"الوراق"
ولأكثر من 7
سنوات، ومنذ حزيران/ يونيو 2017، يواجه أهالي
جزيرة الوراق الأطماع الحكومية
والإماراتية في أراضيهم التي قامت قوات الأمن المصرية باقتحامها لهدم 700 منزل
مطلة على نهر النيل والطريق الدائري، ما رفضه الأهالي فتم اعتقال العشرات ومحاكمتهم
وحبسهم مددا تصل للسجن المؤبد، ودخول السكان بنزاعات قضائية مع الحكومة.
والمثير هو
تنفيذ تلك القرارات بأمر السيسي، شخصيا، والذي أعلن في 15 حزيران/ يونيو الماضي،
وخلال افتتاحه محطة بميناء الإسكندرية، عن اعتقال صاحب عقارات قرب الميناء وعدم
الإفراج عنه إلا بعد قبول مصادرة عمارته.
حديث السيسي،
وفق مراقبين، يمنح الجرافات الأمر المباشر بهدم المباني وتجريف المزارع، ويعطي
قوات الأمن إذنا لاعتقال المعترضين، ويمنح الوزرات الخدمية الضوء الأخضر لقطع
خدمات الصحة والكهرباء والمياه والغاز والإنترنت على الأهالي الرافضين لتنفيذ
أوامر الإخلاء، وفق ما أكده مواطنون من أهالي الوراق و"الجميل"، في
أحاديث لـ"عربي21".
ورغم أن المادة
(63) من الدستور، تمنع التهجير القسري للمصريين من بيوتهم وأراضيهم، وتعتبره جريمة
جنائية لا تسقط بالتقادم، إلا أنه تم اعتقال ومحاكمة عشرات الأهالي كما في حالتي
جزيرة "الوراق"، و"شمال سيناء".
السيسي، في
قراراته، يعتمد على "قانون نزع الملكية للمنفعة العامة"، والذي أجرى
عليه تعديلات عامي 2018، و2020، ليكون التعويض مساويا للقيمة السوقية للعقار مع
إضافة نسبة 20 بالمئة، وفقا للمادة 925 من دستور 2014.
"طردونا بالبلطجية.. وتربحوا"
وتحدثت
"عربي21"، مع أسرة من حي الجميل بمدينة بورسعيد، عن أزمتها مع التهجير
وهدم بيتهم، قائلة: "سمعنا عن تهجير أهلنا ببورسعيد لدمياط وغيرها أثناء حرب
الاستنزاف (1967- 1973)، ولم نكن نعلم أنه سيأتي اليوم الذي نطرد فيه من بيوتنا بعدما
دفعنا فيها كل ما نملك".
وتضيف:
"المحافظ (عادل الغضبان) لم ينتظر خروجنا، فتم هدم البيت على ساكنيه وهم بداخله،
مشيرة إلى أنهم "هدموا حائط مطبخنا وحجرة نومنا وتحطيم محتوياتهما ونحن داخل
البيت"، موضحة أنه نظرا لإصرارهم على عدم المغادرة فقد تم قطع المياه والكهرباء وحصارهم
بالبلطجية.
وتؤكد الأسرة
التي تعيش في "الجميل" منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولأكثر من 40 سنة
أنها حتى الآن لم تتمكن من رفع قضايا، رغم قيام العديد من الأهالي بذلك، موضحة أن
ذلك لعجزهم عن سداد تكاليف المحاماة.
وأضافت الأسرة أن
الحكومة لم تعطهم أماكن بديلة للسكن أو تعويضا عن هدم منازلهم، مطالبين إباهم بالتنازل
أولا حتى يمكنهم الحصول على تعويضات، مشيرين إلى أنهم مقيمون ببورسعيد عند أقاربهم.
"شقا عمري"
وفي حديثه لـ “عربي21"،
اشتكى "سمير"، وهو اسم مستعار لمصري مقيم بإيطاليا، ما طاله من ظلم
جراء هدم جزء من بيته على حرم الطريق الدائري بمنطقة المرج والخصوص بمحافظة
القليوبية، مؤكدا أن "التعويضات لم تعادل شيئا مع ضياع شقاء عمري".
وقال:
"استثمرت أغلب تعبي في الغربة في عقار يطل على الطريق الدائري بالقاهرة
الكبرى، وظل إيجاره الشهري دخلي الأساسي بعد سنوات غربة، ولكن مع قرار السيسي
بتوسعة الدائري في 2021، تم هدم واجهة العقار، وهرب منه السكان وظل خاويا حتى
اليوم".
وفي حديثه
لـ"عربي21"، قال السياسي المصري والبرلماني السابق طارق مرسي: "هذا
الواقع نحذر منه منذ انقلاب يوليو 2013، مضيفا أن "السيسي بنى حكمه على الغدر
واغتصاب السلطة، ومن يفعل ذلك لن يتحول إلى مصلح اجتماعي".
وتابع:
"قلنا هذا الكلام وكررناه كثيرا، ليس دفاعا عن الشرعية أو عن الرئيس محمد مرسي،
ولكن دفاعا عن الوطن وعن مستقبله وعن الشعب المصري بأثره".
وأكد أن
"السيسي حوًل النظام والعسكر لعصابة من قراصنة لا تشبع، هو وجنرالاته باتو
سفاكين للدماء وشرهين للمال الحرام؛ ليس هذا فحسب بل إنه فتح الباب لكلاب الأرض
جميعا لتطمع بخيرات مصر وفي ما بيد المصريين".
وقال مرسي:
"السيسي استخدم كل المناصب والمؤسسات بأكل أموال المصريين، استخدم ما يسمى
برلمانا لسن قوانين مشبوهة لا تهدف إلا إلى فرض الجباية على الشعب ومص دمه والحجة بكل
الأحول المنفعة العامة".
وأضاف: "لا
ندري أي منفعة عامة تلك التي تنزع فيها أملاك الشعب بلا تعويض، وتترك الناس
بالعراء بعد أخذ أراضيهم ومساكنهم"، مشيرا إلى أنه استخدم القضاء وحوله إلى
شريك لعصابته بالنهب والسلب، وتحول القضاء لعصاة غليظة تنافس الداخلية بقهر الناس
والعدوان على حقوقهم وأكل ممتلكاتهم".
ويعتقد السياسي
المصري، أن "المنفعة العامة مفترض أن تعود على الشعب وعلى المواطن العادي،
لكن البلاء أنها في حكم السيسي تفقر الشعب وتنزع ملكيته لصالح الطغمة الحاكمة أو
لصالح الإمارات والسعودية، وبمواطن كثيرة لصالح إسرائيل وحمايتها كما حدث ويحدث
بسيناء".
وخلص للقول:
"يقينا هذا الواقع لن يتغير، بل مع الأزمات التي صنعها السيسي بفساده وفساد
حاشيته، فإن هذا الأمر سيزداد، وعلى الشعب أن يوقف هذا دفاعا عن نفسه وقوت أولاده،
وهذا لن يتوقف إلا بالثورة الشاملة عليه وعلى جلاوزته وشركائه وداعميه في الإقليم
والعالم".