كلما طال أمد الحروب امتد شظاها أبعد من نطاقها الجغرافي. وإذا لم
يجب أطراف الحروب على أسئلة
الحرب في أيامها الأولى أصبحت تلك الأسئلة أكثر تعقيدا
وصعوبة وأفرزت واقعا أصعب يستعصي على الفهم ناهيك عن الحل. هذا الوضع ينطبق على
علاقة
لبنان بعملية طوفان الأقصى. فطالما دفع لبنان فواتير القضية الفلسطينية
باهظة الثمن. فهذا البلد يقع على حدود فلسطين الشمالية ما جعل منه منطقة رخوة
تتأثر بكل تصعيد
إسرائيلي في الداخل المحتل، وخاصة بعد السابع من أكتوبر العام
الماضي حيث أصبحت وتيرة التصعيد العسكري متزايدة بين حزب الله من جهة والجيش
الإسرائيل من جهة أخرى بعد ستة أشهر بشكل ينذر بأفق ملبد بغيوم الحرب.
يقول المحللون السياسيون إن تاريخ الحروب الإسرائيلية على لبنان
يتزامن دائما مع فصل الصيف. فهناك إجماع على تجنب الشتاء لأسباب جغرافية ومناخية.
هل يعني هذا أن فصلا جديدا من الحروب بين لبنان وإسرائيل قاب قوسين أو أدنى؟ وهل
الدخول في حرب هو خيار عقلاني لإسرائيل وحزب الله؟
استخدمت للإجابة عن هذا السؤال كتاب هام صدر في الولايات المتحدة قبل
بضعة أشهر ووصلتني نسخة منه بعنوان "كيف تفكر الدول؟ العقلانية في السياسة
الخارجية" من تأليف الدكتور جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة
شيكاغو والدكتور سيباستيان روساتو أستاذ العلوم السياسية في جامعة نوتردام. حجة
الكتاب الرئيسة تدور حول طبيعة تفكير الدول ومفهوم العقلانية في السياسة الخارجية.
المؤشرات التي تشي باستعداد لإسرائيل للحرب تزداد وقد تحدث المحلل الإسرائيلي أمير بار شالوم في صحيفة تايمز أو إسرائيل عما وصفها بحرب قصيرة.
ويفكك الكتاب مقولة التخبط وعدم العقلانية في القرارات الاستراتيجية
الكبرى لقادة الدول مثل قرار روسيا بغزو أوكرانيا أو حتى سلوك ألمانيا قبل الحرب
العالمية الثانية واليابان قبل عملية بيرل هاربر. ويقول المؤلفان إن قرارات الدول،
وإن بدت أو أشيع أنها غير عقلانية، إلا أنها كانت مبنية على أسباب ومبررات عقلانية
ومنطقية حين اتخاذها ولم تكن بناء على خطط غير مدروسة.
للوهلة الأولى يبدو أن قرار الحرب غير عقلاني لكل من إسرائيل وحزب
الله. ولكن المؤشرات التي تشي باستعداد لإسرائيل للحرب تزداد وقد تحدث المحلل
الإسرائيلي أمير بار شالوم في صحيفة تايمز أو إسرائيل عما وصفها بحرب قصيرة. وهذا
يؤكد أن كلا الطرفين يريدان تجنب خيار الحرب حاليا لأسباب تتعلق بظروف إسرائيل من
جهة وحزب الله من جهة أخرى. وأتصور أن هذا الوضع قابل للاستمرار مالم تدخل عوامل
جديدة على الخط تغير من نمط تفكير كلا الجانبين.
أحد هذه العوامل هو التوصل لهدنة أو اتفاقية لتبادل الأسرى بين
المقاومة في غزة وإسرائيل. حينئذ سيكون القرار العقلاني هو تجنب الحرب بشكل كلي.
ومنها أيضا حدوث العكس وتدهور الوضع في غزة مما ينذر بهروب لرئيس الوزراء
الإسرائيلي إلى الأمام ومحاولة إحراز أي نصر عسكري ولو وهمي في لبنان.
وأيا ما كانت السيناريوهات القادمة، فإن الغائب الحاضر في هذا الأمر
هو لبنان وشعبه وقواه والدولة التي تئن من نزيف اقتصادي وسياسي بلغ مداه. وقد كتبت
في هذه الزاوية العام الماضي أن للبنان على العرب ديونا ينبغي تسديدها. وأمر
الديون هنا يتجاوز أزمات لبنان الاقتصادية. وللأسف أزفت الآزفة وتراكمت الديون
الاقتصادية والسياسية والآن العسكرية ولن يستطيع أن يلبي لبنان وحده أو حتى
توازنات القوى فيه متطلبات هذه الفواتير. وبالتالي من الحكمة تقديم يد العون
للبنان بأية أساليب دبلوماسية وقائية قبل أن يعود لبنان والعالم العربي إلى ظروف
اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982. وحينها لن يكون الأمر مساويا لما يحدث في غزة بل
أكثر تعقيدا وسوءا.
https://twitter.com/HanyBeshr