فاجأت الحكومة
المصرية، أكبر مشتر للقمح على
مستوى العالم بنحو 12 مليون طن سنويا، السوق المحلي بتقليص مستهدفات شراء
القمح
إلى 3.5 مليون طن من المزارعين بدلا من متوسط 4 ملايين خلال موسم توريد القمح
الحالي.
وأثار بيان وزير التموين والتجارة الداخلية
المصري، علي المصيلحي، مطلع الأسبوع، بخفض الكميات المستهدفة تساؤلات حول أسباب
تخفيض المستهدف من القمح المحلي، ولصالح من هذا التخفيض؟ وأين دور الدولة في تشجيع
المزارعين على
زراعة القمح؟ وماذا عن تصريحات الحكومة المصرية بشأن تحقيق الاكتفاء
الذاتي؟
تستهدف مصر تحقيق 70% من الاكتفاء الذاتي من
القمح بحلول 2030، بحسب مستهدفات مجلس الوزراء المصري بدلا من 50% الآن.
والقمح هو المحصول الاستراتيجي الأول في مصر، وتستخدمه الحكومة في إنتاج الخبز المدعم لنحو أكثر من 70 مليون مواطن على بطاقات
التموين، وتستهلك ما يقارب 20 مليون طن سنويا تزرع منها 10 ملايين طن، وتستورد ما
بين 10 و12 مليون طن من الخارج، معظمه من روسيا وأوكرانيا.
وإذا كانت الحكومة لن تشتري سوى 3.5 مليون طن
فقط من أصل حوالي 20 مليون طن، فلماذا تفضل اللجوء للقمح المستورد الأقل جودة، إذ
يعتبر القمح المصري من أفضل أنواع القمح، ولا يضاهيه سوى القمح الأمريكي.
تقلص مساحة القمح
وزادت الحكومة المصرية سعر توريد القمح المحلي
لموسم 2024-2025، الذي يبدأ منتصف الشهر الجاري 25%، ليكون سعر التوريد 2000 جنيه
(نحو 42 دولار) للأردب (150 كيلو غراما)، بعد تحرير سعر الصرف وهبوط الجنيه بأكثر
من 60%.
ولكن مزارعين اعتبروا السعر منخفض بعد خفض قيمة
الجنيه 60% وزيادة سعر لتر السولار 21% وارتفاع مستلزمات الإنتاج من الأسمدة
والمبيدات وماكينات الري والأيدي العاملة وآلات الحصاد والجمع والنقل، ويستمر
الحصاد حتى مطلع آب/ أغسطس المقبل.
وزرعت مصر ما يصل إلى 3.250 مليون فدان من
القمح الموسم الجاري، وهو أقل من المساحة المستهدفة التي تتراوح بين 3.6 و 3.9
مليون فدان، ولكنها تظل أرقام بعيدة عن الواقع، ولتعزيز الشعور الوطني بالاهتمام
بالمحصول الاستراتيجي.
بسبب أسعار توريد القمح المتدنية؛ فشلت وزارة
التموين المصرية على مدار الموسمين الماضيين في جمع مستهدفاتها من القمح المحلي، بسبب منافسة القطاع الخاص على شرائه، وارتفاع أسعار الأعلاف ما دفع المزارعين إلى
الاحتفاظ بالقمح، رغم إلزام المزارعين بتوريد المحصول وفرض غرامات وعقوبات تصل إلى
الحبس.
إهمال المحاصيل الاستراتيجية
فند مستشار وزير التموين الأسبق، الدكتور عبد
التواب بركات، بيان الحكومة، وقال: "خلال السنوات التي تلت انقلاب 2013
العسكري، كانت الحكومة تعلن عن استهداف شراء كميات من القمح المحلي مبالغ فيها،
للإيهام بأنها تدعم الإنتاج المحلي وتسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح
باعتباره أحد مقومات الأمن الغذائي الذي يحقق الأمن القومي والاستقلال السياسي، و
للمزايدة على خطط الرئيس محمد مرسي الذي حقق نسبة كبيرة من هدفه الذي أعلنه بوصوله
للحكم، إنتاج الغذاء والدواء والسلاح".
وأضاف لـ"عربي21": "الواقع أثبت
تلاعب الحكومة وأنها غير جادة في الاكتفاء الذاتي من القمح ولا غيره من المحاصيل
الأساسية، وبالعكس، أظهرت السياسات الزراعية لنظام الجنرال السيسي تراجعا في مساحة
القمح والأرز والقطن وقصب السكر والذرة، لحد محاربة زراعة تلك المحاصيل، بسبب فرض
النظام أسعار شراء بخسة للفلاحين وإجبار المزارعين على التخلي عن فكرة التوسع في
زراعتها بسبب الخسائر التي تتحقق، ما أدى لزيادة نسبة الواردات الأجنبية من تلك
السلع".
وأوضح بركات: "هذا الموسم أعلنت الحكومة
عن هدف شراء 3.5 مليون طن، ما يقل عن مستهدفات سابقة لشراء كميات كبيرة وصلت إلى 6
ملايين طن في بعض السنوات، لأن مساحة القمح انخفضت هذا العام عن العام الماضي، وفق
تصريحات وزارة الزراعة؛ ولأن الحكومة تدرك عن السعر الذي فرضته لشراء القمح من
الفلاحين هو 2000 جنيه للأردب غير مجز، ويقل عن سعر العلف الحيواني، وبالتالي
سيحتفظ الفلاح بالفائض لديه من القمح، ليبيعه للمواطنين بسعر أعلى أو يستخدمه كعلف
للماشية".
مافيا الاستيراد في الدولة
انتقد الصحفي والإعلامي المعني بالشؤون
الزراعية، جلال جاود، تخلي الحكومة عن طوال الخط عن مساندة الفلاحين، وقال:
"النظام العسكري تخلى عن الفلاح ولم يعد يهتم لشراء إنتاجه من السلع
الاستراتيجية وهو ما ظهر في أزمة السكر وأزمة القمح هذا العام، وقد تراجعت مساحة
زراعة القمح هذا العام 15% تنتج ما يزيد عن 8 مليون طن من القمح، والمزارعون
مستعدون للبيع للحكومة لكن بشروط منها توفير الدعم خلال مراحل الزراعة والسعر
العادل الذى يراعى الظروف الاقتصادية في مصر".
واعتبر في حديثه لـ"عربي21": أن قرار
رفع السولار من 8.25 جنيها إلى 10 جنيهات سيرفع تكلفة حصاد ونقل القمح بأرقام
كبيرة، لكن الأهم من كل هذا أن البيان يكشف تدعم مافيا المستوردين الذين يسيطرون
على مراكز صناعة القرار في البلد فبعد السعي لشراء 6 مليون طن عام 2022 ثم انخفضت
إلى 4 عام 2023 ثم إلى 3.5 مليون طن هذا الموسم في إشارة ربما لإفساح المجال
أمام الوافد الجديد في سوق القمح المصري وهي الإمارات عبر شركة الظاهرة التي عقدت
اتفاق لشراء القمح المستورد بقيمة 500 مليون دولار".
ورأى جادو أنه "ورغم رفع الحكومة السعر
بنسبة 33% مقارنة بأسعار العام الماضي وزيادة نحو ألف جنيه للطن مقارنة بسعر
القمح المستورد لكن هذا غير مرضي للفلاحين بسبب ارتفاع مستلزمات الإنتاج
ومعدلات التضخم.. كما أن السعر العالمي متقلب".
وحذر من أن " استمرار هذا التعاطي مع
الفلاحين وفي السلع الاستراتيجية سيدفع الفلاحين للتخلي عنها والتوجه لمحاصيل أخرى
توفر عليهم "وجع الدماغ" مع هذا النظام العسكري، كما حصل في توقف كثير من
فلاحي الصعيد عن زراعة قصب السكر، وهذا بدا واضحا في أزمة السكر الأخيرة".