"الدستور
المغربي ينص على أن الإسلام هو الديانة الرسمية للمغرب، فلا يجب للقوانين أن يمسّ ما أحلّه الله"، هكذا عبّر إلياس، وهو شاب مغربي، عن مخاوفه من التعديلات الجارية على "
مدونة الأسرة"، فيما تابع: "كل تشريع قانوني خارج المقتضيات الدينية الإسلامية سوف يسهم في المسّ بالأسرة المغربية".
إلياس وغيره من الشباب المغاربة، كشفوا خلال الأشهر الأخيرة عن مخاوفهم من المُقترحات التي ستُبنى وفقها "مدونة الأسرة"، باعتبارها تشمل أهم القوانين التي تسري في مُجريات الحياة، من زواج وطلاق وإرث..
وفي السبت الماضي، استقبل عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، أعضاء الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وتسلّم مقترحات الهيئة؛ قصد رفعها إلى نظر الملك محمد السادس؛ وبالتزامن مع ذلك، عمل عدد من الشباب على إطلاق حملة رقمية على كافة منصات التواصل الاجتماعي بعنوان "ما تقيش عائلتي/ لا تلمس عائلتي"، للتأكيد على أن أي تعديل يتوجّب إدخاله على مدونة الأسرة لا بد أن يكون مراعيا للحس الإسلامي.
أي مطالب للحملة الرقمية؟
على مدار أشهر مضت، عملية شد الحبل لم تتوّقف في النقاش العمومي "الساخن" المُرتبط بمدوّنة الأسرة، حيث إن كل طرف بات يُعبّر بكافة ما لديه من جُهد ووسائل عن أفكاره، ويُطالب بما يودّ إدراجه على مدونّة الأسرة، وصل الأمر إلى سجال بين عدد من الوجوه السياسية المعروفة؛ فيما اختار عدد من المواطنين المغاربة، من رواد مختلف منصات التواصل الاجتماعي، التعبير عن تخوفّاتهم رقميا، عبر حملة "ما تقيش عائلتي/ لا تلمس عائلتي".
بين متخوّف وبين طامح للأمل، رصدت "عربي21" جملة من المنشورات والتغريدات التي أكد فيها أشخاص مغاربة على مطالبهم، والانطلاقة من صفحة الحملة الرقمية، على منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، التي عرفت آلاف المتابعين في غضون أيام قليلة، وجاء في جُل منشوراتها تعليق يقول: "المطلوب هبّة شعبية ينخرط فيها عموم المغاربة، تُذكر بشروط تعديل مدونة الأسرة التي جاءت في الخطاب الملكي، والضمانات التي أعطاها ملك المغرب لشعبه".
وأضاف التعليق نفسه، الذي وضع على جل منشورات صفحة الحملة الرقمية: "هبّة شعبية تكون على شكل تسجيلات مصوّرة تنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، لا تتعدى دقيقة أو دقيقتين، يعلن فيها المسلم المغربي موقفه بكل وضوح"، حيث أرفقت بعدد من الوسوم، أبرزها: "ما تقيس عائلتي"، و"لن أحل ما حرم الله"، و"لا لمدونة بمرجعية لا دينية"، و"نعم لمدونة أسرة إسلامية"؛ فيما توالى التعبير عن الرغبات، وكذلك استرسلت التوضيحات على صفحة الحملة، حيث يتم توضيح الفرق بين التشريع الإسلامي في القضايا المتعلقة بالأسرة وبين التشريع القانوني "الحداثي".
كذلك، أعرب المتفاعلون مع هذه الحملة الرقمية، التي عرفت انتشارا واسعا، عن تخوفاتهم مما وصفوه بـ"طغيان الفكر الحداثي على تعديلات المدونة، واستيراد قيم غربية لتدبير شؤون الأسرة المغربية المسلمة"، مؤكدين على "ضرورة انتصار التعديلات لشرع الله".
إلى ذلك، وجّه عدد من الناشطين الرافضين لانتشار حملة "ما تقيش عائلتي" جُملة من الانتقادات إليها، حيث تم اعتبارها "سابقة لأوانها"، حيث إن التعديلات لم يتم الكشف عنها بعد، وكل ما يروج حاليا هي مُقترحات لا غير.
وفي السياق نفسه، يرى عدد من الناشطين الحقوقيين أن النقاشات التي تروج حول مدونة الأسرة هي "نقاشات حضارية"، إذ يتم الاستناد فيها على "الحجج والأدلة، دون الانجراف إلى الخصومة". بينما حذرت عدد من المنظمات مما وصفته بـ"تهويل المحافظين"، بالقول إنه "قد يؤدي إلى تأجيج الأوضاع الاجتماعية، خاصّة مع عدم اطّلاع الجميع على التفاصيل الكاملة للتعديلات المقترحة، ما يسهم في تشويه الرأي العام وإثارة التوترات داخل المجتمع".
وقبل أشهر، ذكر بيان الديوان الملكي المغربي، أن الملك أرسل رسالة إلى رئيس الحكومة المغربية، عبد العزيز أخنوش، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، ورفع التوصيات إليه في غضون ستة أشهر، فيما أسند الملك المغربي "الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع".
ودعا الملك المغربي، خلال البيان الذي وصل "عربي21" نسخة منه، إلى أن "تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين".
تجدر الإشارة إلى أن وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، كان قد كشف في وقت سابق، عن عدد من القضايا التي تثير جدلا في مدونة الأسرة، من قبيل: الإرث والزواج والعلاقات الرضائية. فيما اعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في مذكرة له، أنه "آن الأوان لمراجعة مدونة الأسرة، بما يتلاءم مع مقتضيات الدستور ومضامين الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وبما ينسجم مع طموحات تحقيق التمكين للنساء المغربيات، وتعزيز المساواة بين الجنسين، المعبر عنها في النموذج التنموي الجديد".