اشتكت أسر
مصرية من الطبقات الفقيرة، من ارتفاع
أسعار ملابس العيد بشكل مبالغ فيه، ومن سوء الخامات وتراجع جودة المعروض بشكل
مثير، وذلك قبل أيام من حلول عيد الفطر المبارك، وفقا للحسابات الفلكية في 10
نيسان/ أبريل الجاري.
بعض الأسر التي تحدثت إلى "عربي21"،
أكدت أن أسعار ما اشتروه في عيد الفطر الماضي أو اطلعوا على أسعاره من ملابس كان
يتراوح بين 300 و400 و500 جنيه لكل فستان أو طقم رجالي.
ولفتوا إلى أنهم بعد عام لم يستطيعوا شراء نفس
الطلبات إلا بقيم ما بين 800 و900 و1000 جنيه، في تضاعف مثير للأسعار يفوق قدرتهم،
ويربو على 500 جنيه بالقطعة الواحدة، علما بأن سعر (الدولار رسميا 47.40 جنيها).
"لن أشتري"
سمر، شابة عشرينية، تقيم في حي شبرا الخيمة
الشعبي، تقول لـ"عربي21": "الأسعار زادت جدا، والخامات سيئة
أيضا"، وتضيف: "أنا وأختي الصغيرة (بالمرحلة الثانوية من التعليم)، لم
نتمكن من شراء ملابس للعيد، رغم أني أعمل، وذلك لسببين".
توضح أن السبب الأول، يتمثل في "غلاء رهيب
جعل أولويات أي أسرة فقيرة تعيش على راتب صغير لي ومعاش بسيط لوالدتي، تصرف عن
شراء الملابس وتتركز في الطعام، ودفع إيجار الشقة، والتزامات الكهرباء والمياه
والغاز".
وتواصل: "والسبب الثاني: ارتفاع أسعار
الملابس بشكل خرافي، ما أتابعه بين ذهابي للعمل وعودتي منه ومراقبتي للمعروض
بالأسواق والمحال، ووجدتها أقل كثيرا من خامات الأعوام السابقة وبضعف الأسعار
السابقة".
وتقول إنها "تتحدث عن ملابس الفقراء،
ووجدت أقل سعر للفستان بين 600 و700 جنيه، وأقل سعر للبلوزة بين 300 و400 جنيها،
وأقل سعر لبنطلون أولاد من 200 إلى 300 جنيه".
ووفق آخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة
والإحصاء في 10 آذار/ مارس الماضي، فإن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن
المصرية قفز إلى 35.7 بالمئة في شباط/ فبراير الماضي من 29.8 بالمئة في كانون
الثاني/ يناير الماضي.
"مثيرة للتعجب"
من جانبهن، عبرت الشقيقات الثلاثة ملك، وفرحة،
وبوسي، (اثنتان في مراحل التعليم والثالثة متزوجة) عن غضبهن من أسعار ملابس العيد،
مؤكدات أنها أغلى بكثير عن عيد الفطر الماضي.
ويوضحن أنهن اشترين من مدينة الزقازيق عاصمة
محافظة الشرقية شمال القاهرة، "3 فساتين للأولى بـ900 جنيه، وللثانية بـ700
جنيه، وللثالثة بـ800 جنيه"، وأشرن إلى "حافظة شرائهن في العيد السابق
لم تتعد 500 لكل واحدة".
ويلفتن إلى "ارتفاع كبير في أسعار ملابس
الأطفال، وأن فستان طفلة في الحضانة بين 600 و700 جنيه، وطاقم عبارة عن قميص وشورت
لطفل صغير بـ600 جنيه، وأن أحذية الأطفال مثيرة للعجب، فرغم صغرها لا تقل عن 300
و400 جنيه، وطرحة الرأس العادية ما بين 50 و100 جنيه".
"زيادة كبيرة"
من جانبها، تقول آية، طالبة بالمرحلة الثانوية،
عن تجربتها في الشراء قبل عيد الفطر، إنها اشترت "حذاء رياضيا بسعر 250 جنيه
رمضان الماضي، ووجدت مثيله الآن بـ450 جنيه"، مشيرة إلى أن "الهاف بوت
وصل سعره 450 جنيها، من نحو 250 و300 العام الماضي".
وتوضح أن "بنطلون البنات كان في حدود 250
جنيه، الآن بـ480 جنيه، كما أن جاكت الجينز للبنات كان العام الماضي بـ380 جنيها،
ووصل 650 جنيه حاليا"، مبينة أنها اشترت "جاكت أطفال لأخيها 9 سنوات
بـ600 جنيه مع بنطلون بـ400 جنيه، ما يزيد كثيرا عن العام الماضي".
وتلمح إلى أن "سعر الطرحة العادية ارتفع
من 50 إلى 90 و100 جنيه، وأن الطرحة من الحرير والساتان بـ160 جنيه، والطرحة
القماش في ساتان بلغت حد 200 جنيه، والطرحة الصغيرة كانت بـ75 جنيه والآن تعدت 100
جنيه، والطرحة الصغيرة القطن ارتفعت من 75 جنيه إلى 125 جنيه".
"التجار: ارتفاع طبيعي"
وفي السياق، كشف بعض التجار عن زيادة بأسعار
الملابس بنحو 50 بالمئة عنها في العام الماضي، مشيرين إلى أن "هناك تفاوتا
كبيرا في الأسعار وتنوعا في الخامات بين الريف والمدن، وبين عواصم المحافظات
والقاهرة، وحتى بين أحياء العاصمة نفسها"، مؤكدين أن "كل زبون يعرف
المكان الذي سيذهب إليه".
ولفت هاني، تاجر جملة، إلى أنه "من
الطبيعي جدا أن ترتفع أسعار الملابس، مع ارتفاع سعر الدولار الذي كان قبل عام نحو
30 جنيه رسميا والآن هو في حدود 47 جنيها رسميا، ومعظم خامات المصانع مستوردة وسعر
الدولار في السوق الموازية كان بين 50 و60 جنيها، والمستورد من الملابس كثير جدا،
في سوق ليس بالحجم الصغير، ويتأثر بكل قرار في سعر الصرف".
وبين أن "هناك أسواقا شعبية للفقراء في
القاهرة يمكنهم الذهاب إليها، وفي المحافظات توجد أسواق شعبية بالمدن"، ملمحا
إلى أن "المصانع تقوم برفع الأسعار مجبرة، وتحاول في الوقت ذاته استخدام
خامات أقل تكلفة، والتوفير في خامات التصنيع".
"ملابس البالة"
وتشتهر العاصمة المصرية القاهرة، بأسواق شعبية
تجد إقبالا في المنطقة التي يقطنها نحو 22 مليون نسمة، مثل أسواق: وكالة البلح،
وشارع الأزهر، والغورية، والموسكي، الجمعة، وغزة، وغيرها.
وهنا تقول سمر: "لم يشتك أحد من عدم توافر
الملابس في أسواق القاهرة الشعبية أو محلاتها المنتشرة في كل شارع وحارة، ولكن
الشكوى من غلاء الأسعار وسوء الخامات"، متسائلة: "كيف أشتري فستانا لن
يعيش أكثر من عام بهذه الأسعار؟".
وحول "ملابس البالة" المنتشرة في
منطقة "وكالة البلح" الشعبية والمطلة على كورنيش نيل القاهرة، تؤكد أن
"البعض يمكنه شراء الملابس المستعملة من هناك، والبعض الآخر وأنا منهم يرفضها
تماما، رغم رخص سعرها وجودة خامات بعضها ببعض الأحيان".
وتلمح إلى أنه "حتى ملابس البالة هي
الأخرى ارتفعت أسعارها ويغالي التجار في عرض بضائعهم اعتمادا على حاجة الناس
والإقبال الشديد عليهم والغلاء الكبير بالملابس الجديدة".
ويتنشر في تلك المنطقة مئات المحال وآلاف
التجار السريحة يعرضون الملابس المستعملة والمستوردة من الخارج، بدرجة جودة يمكن
استعمالها، وبأسعار أقل من الملابس الجديدة في محلات القاهرة.
"تراجع البيع 35 بالمئة"
وفي حديثه لـ"عربي21"، أقر عضو شعبة
الملابس الجاهزة بغرفة القاهرة التجارية حسين رشدان، بأن هناك بالفعل زيادة كبيرة
في أسعار الملابس هذا العام عن العام الماضي، وأن هناك أيضا تراجع في جودة
الخامات، موضحا الأسباب.
وبداية أكد أن "هناك تراجع كبير في مبيعات
السوق من الملابس تصل إلى نسبة 35 بالمئة"، ملمحا إلى أن "سوق الملابس
لم يتعاف من أزماته التي لحقت به منذ أزمة شح الدولار وتراجع قيمة الجنيه، وقرارات
فتح الاعتمادات المستندية، وأزمة الإفراجات الجمركية وتكدس البضائع في الموانئ".
وأوضح أن "أسعار ومبيعات عيد الفطر
السابق، أفضل بالطبع من العيد المقبل، وفق مؤشرات السوق"، ملمحا إلى
"أزمات محلية تفاقمت وزادت الضغط على أسواق الملابس والأقمشة، وقرارات دفعت
المواطن لتقليل الإنفاق على شراء الملابس، وبينها زيادة أسعار البنزين والسولار
والبوتاجاز والسلع الغذائية واللحوم والدواء".
وقال إنها "جميعا تأخذ من أولويات
المواطن، وتذهب به بعيدا عن سوق الملابس، الذي يعتبره المصريون اليوم ليس من
الأولويات، بجانب القدرة الشرائية الضعيفة للمصريين الذين يعانون من ضعف الرواتب
والدخل".
وعن رداءة المعروض من الملابس وتراجع نسب
الجودة في الخامات المستخدمة، أوضح أن "بعض أصحاب المصانع قرر أن يكون هذا
توجهه لتقليل تكلفة إنتاجه، وعرض منتج أقل جودة بسعر أقل ليبيع بأي شكل لتعويض
خسائره"، مشيرا إلى جانبين في هذا الأمر.
الأول وكما وصفه بأنه "خراب الذمم، وعدم
التقان والجودة، وغياب الضمير"، والثاني، أرجعه إلى "غياب الرقابة بشكل
تام عن متابعة جودة عمل تلك المصانع والرقابة على إنتاجها"، ملمحا إلى
"وجود نحو 26 جهاز رقابي في مصر، لا أحد منها يعمل، لافتا إلى "تراجع
دور جهاز حماية المستهلك"، ومؤكدا أن "من أمن العقاب أساء الأدب.
ولفت إلى "تأثر وضع سوق الملابس المصري من
حيث الإنتاج ونسب البيع والتوزيع بانخفاض قيمة الجنيه، وتغول العملات
الصعبة"، مؤكدا أن "الحديث عن انفراجة مع القروض والتمويلات التي أُعلن
عن حصول مصر عليها، مجرد حديث لم يصل حد التنفيذ، فهناك وقت طويل حتى تصل هذه
المبالغ".
وأكد أن "هناك الكثير من البضائع المكدسة
في الموانئ حتى الآن تحتاج إلى العملات الصعبة للإفراج الجمركي عنها، والمصانع
تواجه أزمة في الإنتاج لهذه الأسباب، والعملة المحلية قيمتها تتراجع لأنه لا يوجد
إنتاج يزيد من قيمتها ولا تصدير يعود على البلاد بالعملة الصعبة".
وخلال العام 2023، شهدت مصر استيراد ملابس تامة
الصنع بقيمة 358 مليون دولار، وفق رئيس هيئة الرقابة على الصادرات والواردات في
مصر، عصام النجار، لـ"العربية Business".
"ماذا عن الطبقة الوسطى؟"
وإذا كان هذا وضع ملابس الفقراء، فما هو وضع
أسعار ملابس الطبقة الوسطى من المصريين؟، وما مدى قدرتها على توفير ملابس جديدة في
العيد لأبنائها؟.
وهنا تقول الكاتبة الصحفية المصرية مي عزام، إن
"الغلاء يأكل قوت الغلابة ويتركهم عظاما بلا لحم، عرايا دون ستر".
وتضيف في حديثها لـ"عربي21":
"وبالنسبة للطبقة الوسطى؛ فالأمر بالنسبة لها صراع للإبقاء على مكانتها
وصورتها أمام الناس، ولكن للأسف تلك الطبقة انكسرت وستتوالى هزائمها أمام ارتفاع
تكاليف المعيشة".
وتؤكد أنها شخصيا تعرف "شخصيات من هذه
الطبقة تشتري الآن ملابس مستعملة من البالة".
وتواصل: "وفي المقابل رأينا بذخ الإنفاق
الحكومي في حفل تنصيب الرئيس (لولاية ثالثة) وموكب الرئيس (خلال الحفل بالعاصمة
الإدارية الجديدة الثلاثاء الماضي).
وتقول الكاتبة المصرية: "لا أعرف في
الحقيقة هذا التضارب في موقف الرئيس؛ فأنت تشعر أنه رئيس غني لشعب فقير، وهذه
مفارقة عجيبة وغريبة".
وحول الذي يجب فعله لإنقاذ شعب لا يملك ثمن
فرحة طفله في العيد من رئيس يغامر بمقدرات شعب ودولة وأرض وتاريخ، أعربت عزام، عن
أسفها من أن "الشعب عاجز حتى الآن؛ ولا أحد يعرف ما يخفيه الغيب عنا"،
ملمحة إلى أنه وكما وصل لعلمها أن "الأجهزة مشغولة الآن بتجهيزات وترتيبات
انتخابات مجلس النواب القادم".
وفي نهاية حديثها تعرب عن أملها في أن
"يكون بالفترة القادمة حكومة اقتصادية رشيدة تستطيع أن تدير مقدرات البلد في
المسار الصحيح وتتجنب أخطاء من سبقتها".
"طبقة بائسة"
وكانت الأكاديمية المصرية الدكتور علياء
المهدي، قد قالت لـ"عربي21": "كل الناس في مصر أضيرت بسبب الأزمة
التي نمر بها"، موضحة أن "الطبقة المتوسطة هي طبقة بائسة مثلها مثل
الطبقة الفقيرة، طالما أن دخولها ثابتة وغير متغيرة في ظل تضخم عالي بهذه النسب في
مصر".
وأشارت إلى أنه "حتى موظفي الحكومة عندما
يحصلون على زيادة 10 أو 15 بالمئة من الأجر الأساسي والتضخم من 30 إلى 40 بالمئة،
فلن تصيف لهم شيئا"، خاتمة بالقول: "الكل أُضير".
"تنصيب هنا وعجز هناك"
وأثار حفل تنصيب رئيس النظام عبدالفتاح السيسي،
لولاية ثالثة حتى 2030، غضب ملايين المصريين بسبب حجم ما تم إنفاقه بالاحتفال، من
حشد للقوات المسلحة، وقوات الشرطة، والعروض العسكرية بالطائرات، وموكب حافل
بالسيارات والدراجات البخارية، والنقل التليفزيوني، والتصوير بالطائرات، وغيرها
مما اعتبروه إنفاقا ترفيا.
ويعاني الاقتصاد المصري من أزمات هيكلية مركبة،
وعجز بالموازنة العامة، وتغول خدمة دين بلغ 168 مليار دولار نهاية العام الماضي،
وحلول الكثير من آجال أقساطه وفوائده، واقتراض البلاد مجددا من صندوق النقد الدولي
8 مليارات وغيره من المؤسسات الدولية، وبيع الأصول العامة التي كان آخرها بيع
منطقة "رأس الحكمة" للإمارات مقابل 35 مليار دولار.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أشار البعض إلى
حجم الأزمة وبارتفاع الأسعار وسوء الخامات، فيما عرض البعض المساعدة للفقراء في
توفير بعض الملابس.