أصبح
المصريون على موعد مع إلغاء الدعم الحكومي، الذي تقلص إلى حد كبير منذ عام 2014، في مدة لا تتجاوز عامين ونصف، استجابة لشروط
صندوق النقد الدولي وذلك بعد الاتفاق مع مصر الشهر الماضي على زيادة حجم برنامج القرض إلى 8 مليارات دولار بدلا من 3 مليارات دولار.
ورهن صندوق النقد صرف الدفعات التي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار كل ستة شهور حتى نهاية عام 2026، باستكمال المراجعات الدورية لتنفيذ مصر التزاماتها تجاه الصندوق وعلى رأسها استمرار مرونة سعر صرف الجنيه، واستبدال الدعم ببرامج مساعدات مالية للطبقات الفقيرة بهدف تخفيض الإنفاق العام للحد من عجز الموازنة.
وقالت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، إيفانا فلادكوفا هولار، الاىثنين، إن مصر، التي تعرضت موازنتها لضغوط كبيرة في السنوات الأخيرة، بحاجة إلى استبدال الإنفاق الاجتماعي المستهدف بدعم الوقود.
العجز في الموازنة.. ديون أم دعم؟
تتوقع وزارة المالية أن يرتفع العجز الكلي للموازنة خلال العام المالي الجاري إلى نحو 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنسبة 6% خلال العام المالي الماضي.
ووافقت الحكومة المصرية على مشروع الموازنة العامة للعام المالي الجديد 2024/2025، بعجز تتجاوز قيمته تريليونا و300 مليون جنيه مصري ما يعادل 33.3% من حجم الموازنة البالغة 3.9 تريليونات جنيه وإيرادات تبلغ 2.6 تريليون جنيه.
إلى جانب العجز في الموازنة العامة للدولة هناك عجز ضخم في الميزان التجاري، وهو الفارق بين الصادرات والواردات يتراوح بين 37 مليار دولار و40 مليار دولار، إضافة إلى سداد أقساط الديون الخارجية وفوائدها التي تصل إلى 42 مليار دولار في العام الجاري.
ما هو حجم الدعم الحكومي مقارنة بحجم فوائد الديون؟
بالعودة إلى حجم الدعم في الموازنة العامة للدولة بات ينحصر على بندين هما المواد البترولية ويبلغ 154 مليار جنيه (3.2 مليارات دولار) بسبب انخفاض الجنيه أمام الدولار بأكثر من 200%، ودعم السلع التموينية والخبز ويبلغ 144 مليار جنيه (3.048 مليارات دولار) ويستفيد منه نحو 64 مليون شخص أي نحو ثلثي عدد السكان البالغ نحو 106 ملايين.
ويعيش نحو 60 بالمئة من سكان مصر تحت خط الفقر أو يقتربون منه، وفق وكالة "رويترز"، كما يعاني نحو 60 مليونا من الفقر بحسب تقديرات البنك الدولي.
بالتالي فإن حجم الدعم (الوقود والسلع التموينية) يبلغ 298 مليار جنيه وهو ما يعادل 7.6% من حجم المصروفات في الموازنة، في حين قاربت مدفوعات الفوائد على الدين الحكومي تريليون جنيه (الدولار يعادل نحو 48 جنيها) خلال النصف الأول من العام المالي الحالي ما يعادل أكثر من 50% من حجم الموازنة.
"معالجة قضية الفوائد وليس الدعم"
كشف الخبير
الاقتصادي، الدكتور محمد رزق، أن "مصر قد وقعت مذكرة إضافية بالفعل تشمل رفع الدعم بشكل كامل لخفض عجز الموازنة كما أقرت مصر بالتزامها بترك سعر الدولار حر فضلاً على توفيره للمستوردين وغيرهم، وفي الحقيقة فإن حجم الدعم المخصص للفقراء لا يساوي شيئا مقارنة بحجم فوائد وأقساط الديون ومعالجتها أولى من معالجة قضية الدعم".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "عام 2026 هو العام الذي تستلم فيه مصر آخر دفعات القرض، حيث قام الصندوق بتقسيم القرض على شرائح من تاريخ أول دفعة إلى عام 2026 يتم الإفراج عن الدفعات بعد إتمام القاهرة التزاماتها ومراجعة الصندوق والتأكد من ذلك ما يعني ضمنيا إلغاء الدعم أو وقف القرض، وبالتالي لا بديل عن التنمية الابن الشرعي للاستثمار المباشر ولن يأتي الاستثمار المباشر لدولة تحتكر مؤسساتها السوق بل وتضع دبابة وعسكريا ببندقية أمام باب كل مشروع وترفض التحكيم الدولي".
ضغوط صندوق النقد
وهو ما أكد عليه الخبير الاقتصادي والمحلل المالي بواشنطن، شريف عثمان، قائلا: "بالفعل صندوق النقد الدولي يضغط على مصر من أجل تخفيض الدعم الموجه للوقود والخبز، موازنة العام الحالي تتحدث عن 147 مليار جنيه لدعم الوقود و125 مليار جنيه لدعم الخبز، والصندوق يطلب تخفيض أو إلغاء هذا النوع من الدعم وتوجيهه بشكل مباشر إلى الفقراء".
ولكنه قلل من صواب هذا التوجه، مضيفا لـ"عربي21": "في مصر لا نحبذ هذا النوع من الدعم لأنه يسهل الفساد ويساعد عليه، واعتدنا على دعم الوقود والخبر، لكن الصندوق هذه المرة يضغط بشدة مع اتساع عجز الموازنة، والفترة الأخيرة شهدت بيع الكثير من الأصول المملوكة للحكومة وبالتالي هذا يعني انخفاض إيرادات الحكومة أي زيادة عجز الموازنة".
ورأى عثمان أن "هناك توجها من قبل الحكومة المصرية نحو خفض دعم الوقود والخبز خلال الفترة المقبلة بدرجة كبيرة تحظى بقبول الصندوق وتحد من عجز الموازنة وتحويله إلى دعم مباشر للفقراء هو أمر أشك في تحققه بالصورة المناسبة".
وأعرب عن تخوفه من "ترك الصندوق أمر تعويض محدودي الدخل بعد رفع الدعم للحكومة دون قيود ففي الغالب لن تفعل لهم الحكومة شيئا ذا قيمة إلا في حالة خطورة ذلك على النظام أمنياً"، مشيرا إلى أن "سياسات الدولة النقدية والاقتصادية هي التي تسببت في وصول الاقتصاد المصري إلى هذه النقطة الحرجة ولا يمكن التعويل على تغيير تلك السياسات لأنها مبنية على نظرية أمنية للحفاظ على عدم سقوط النظام وهذا هو لب القصيدة".
الأقل أجرا في العالم
في غضون ذلك، كشف مؤسس شركة (فوندر باس) ماكس برامويل عن قائمة الأعلى والأقل أجورا في العالم شملت 96 دولة، وجاءت مصر في المرتبة الثانية بين أقل دول العالم أجرا وفي المرتبة الـ 95 بشكل عام، إذ يبلغ متوسط الأجر الشهري بها نحو 117.85 دولارا فقط.
وسجلت فاتورة دعم الوقود في مصر في الحساب الختامي لميزانية 2020-2021 حوالي 18.9 مليار جنيه فقط وكان على وشك الوصول إلى صفر دعم كما في الكهرباء، إلا أن التضخم وانخفاض الجنيه لمستويات تاريخية وارتفاع سعر الدولار قفز بالفاتورة إلى 154 مليار جنيه.
في تموز/ يوليو 2019 أعلنت الحكومة المصرية تحرير أسعار عدد من المنتجات البترولية وبدء تطبيق آلية التسعير التلقائي عليها بحيث يتم مراجعة أسعارها كل 3 أشهر بناءً على تطورات الأسعار العالمية للبترول وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار.