تتم حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع
غزة شهرها السادس في السابع من نيسان/ أبريل الجاري، وسط ظروف إنسانية كارثية تفتقد لأبسط مقومات الحياة.
وعاش الفلسطينيون خلال العقود الماضية الأزمات الحالية بشكل منفرد تقريبا مثل أزمة الكهرباء والوقود والحصار وغلاء الأسعار، إلا أن الحرب الحالية جمعتهم كلهم في آن واحد.
وتحدثت "عربي21" مع فلسطسنيين عن أوضاعهم وعن ما فعلته فيهم الحرب خلال نصف عام.
"روجيم المجاعة"
ويقول أحمد (35 عاما) الذي بقي في شمال قطاع غزة ورفض
النزوح إلى الشمال أن وزنه أصبح الآن 68 كلغم فقط بعدما كان فوق المائة.
ويضيف أحمد لـ "عربي21": "بصراحة زاد وزني بشكل كبير بعدما قمت بالزواج وتوقفت بعدها عن ممارسة الرياضة بانتظام، إضافة طبعا لطبخ المدام اللذيذ والعزايم والحلويات، زاد وزني بشكل مخيف خلال سنة، وبعدها حاولت مختلف أنواع الحميات الغذائية دون فائدة".
ويوضح، أنه "بعد أسابيع قليلة من بدء الحرب بدأت المواد الغذائية بالنفاد من السوق، وبدأت أسعارها بالارتفاع الكبير، ونحن نتحدث عن أمور أساسية مثل الطحين والأرز والزيت وغيرها".
ويقول: "طبعا كنا مضطرين في البداية لتقليل وترشيد الاستهلاك من منطلق الحفاظ على هذه المنتجات لأطول فترة ممكنة، ثم التقليل مرة أخرى بسبب غلاء أسعارها، ثم التقليل لمرة إضافية بسبب عدم توفرها أصلا".
ويؤكد، أنه "طبعا انخفاض الوزن كان أيضا بسبب المشي لساعات طويلة مع توقف المواصلات وخطورتها أصلا، وبسبب التوقف عن تناول المشروبات الغازية والحلويات وغيرها من المأكولات التي تكسب الشخص وزنا كبيرا".
وعن غلاء الأسعار، يقول أحمد: "اشتريت قبل ذلك كيلوغرام الطحين بمائة شيكل، اشتريت خمسة كيلوغرامات (بنحو 140 دولارا)، وهذا بشكل أساسي من أجل توفير الطعام لطفلتي الصغيرتين، بنتاي اللتان كانتا ستجعلاني أجن بسبب أكلهن القليل والآن سأجن بسبب أكلهن الكثير".
"لبسة واحدة"
بدوره، يقول عبد الرحمن (40 عاما) إنه تعلم من الحرب عدم التعلق بالأشياء مهما كانت تعني للشخص، وأضاف: "كنت قبل الحرب صاحب محل ملابس، وكنت أحب إرتداء الملابس الجميلة دائما والمركات".
ويروي عبد الرحمن لـ"عربي21": "كنت أسافر مرتين سنويا إلى تركيا من أجل شراء البضائع الممتازة والمميزة، وكنت أشتري لنفسي ما أستحسنه بالفردي وليس بالجملة مثل ما أشتري للمحل، كنت أحب اللفحات الشتوية المصنوعة من الصوف الطبيعي، والجاكتات الجميلة وبعض الملابس الرياضية المرتفعة الجودة".
ويقول: "كنت معروفا بذلك بين أوساط عائلتي وأصدقائي، وكانوا يتندرون علي باختلاق أسماء غريبة لبعض المنتجات والخامات المصنوعة منها، وكل هذا تركته خلفي في غزة في بيتي المهجور حاليا".
ويضيف: "الآن أنا ليس لدي سوى لبستين: تريننغ شتوي مصنوع من البوليستر الرديء اشتريته من خانيونس عندما نزحت لأول مرة، وآخر اشتريته من سوق البالة (الملابس المستعملة) في رفح".
ويوضح: "تعلمت أن الإنسان يستطيع العيش بلبسة أو لبستين، وعادي جدا تقعد تستنى أواعيك تنشف علشان تلبسها ثاني، ويوم ما تقدر تستحم تلبس نفس الأواعي برضو عادي".
"عالم كذاب"
من ناحيته، يقول مالك (16 عاما) إن نظرته تغيرت للعالم ومختلف أنشطته ومشاهيره ومؤثريه عبر منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما في ما يتعلق بالقيم والمعايير والحريات التي ينادون بها.
ويؤكد مالك أنه كان يحب كرة القدم ونادي برشلونة والعديد من المغنين والممثلين العالميين ويعتبرهم نماذج نجاح في الحياة الإنسانية والعملية.
ويضيف: "بعد أيام وأسابيع من الحرب رأيت كل من أحبهم لا يعتبرون أننا نعيش أصلا، لا يتضامنون معنا ولا يطلبون وقف الحرب".
وقال: "أتذكر كيف انقلبت الدنيا خاصة في الكورة بالتضامن الصريح مع أوكرانيا والعقوبات على روسيا والمنتخب والفرق الروسية، لكن ما حد تكلم عن جرائم إسرائيل والحرب".
ويؤكد: "أنا كنت أحب ناس منافقة ما بتحبنا وبتكذب وبتقول إنها إنسانية، أنا حاقد على كل العالم".
حصيلة الشهداء
وأعلنت وزارة الصحة بقطاع غزة الأحد، ارتفاع حصيلة ضحايا حرب
الاحتلال على القطاع المتواصلة منذ السابع تشرين الأول / أكتوبر إلى "33 ألفا و175 شهيدا و75 ألفا و886 مصابا".
ومن بين الشهداء أكثر من 13 ألف طفل. وأصيب 75,750 مدنياً فلسطينياً بجروح متفاوتة، فيما وصل عدد الشهداء في الضفة الغربية فبلغ إلى 456.
وذكرت إحصائيات أن الاحتلال يقتل نحو أربعة أطفال كل ساعة في غزة.
كما بلغ عدد الشهداء من عمال الإغاثة في غزة إلى 224، من بينهم 30 على الأقل قتلوا أثناء أداء واجبهم، و484 من عمال القطاع الصحي في غزة.
أمًا الصحفيين فقد ارتفع عدد الشهداء بينهم إلى 140 منذ بدء
العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وذكر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان، أن الاحتلال يتعمد استهداف الصحفيين بهدف تغييب الرواية الفلسطينية ومحاولة طمس الحقيقة وعرقلة إيصال الأخبار والمعلومات إلى الرأي العام الإقليمي والعالمي.
وكان الاتحاد الدولي للصحفيين قد أعرب سابقا عن استنكاره قتل الصحفيين في غزة، داعيا إلى ضرورة حمايتهم من عنف الاحتلال ليتسنى لهم أداء عملهم.
أوضاع كارثية
ويسود وضع إنساني كارثي في القطاع المحاصر بسبب تدمير البنية التحتية والحصار وانعدام الغذاء والماء والوقود والكهرباء، ما اضطر 85 بالمئة من سكان القطاع الذي يناهز عددهم 2.4 مليون نسمة إلى الفرار من منازلهم، وفق الأمم المتحدة.
ويعاني السكان من ظروف إنسانية صعبة للغاية، تصل إلى حد المجاعة، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود.
وارتفع عدد الوفيات جراء المجاعة إلى 34 بينهم 31 طفلا، بينما وصلت نسبة الأطفال في شمال غزة تحت سن الثانية الذين يعانون من سوء التغذية الحاد إلى 31 بالمئة.
وجراء الحرب بات المواطنون لا سيما محافظتي غزة والشمال، على شفا مجاعة، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليوني فلسطيني من سكان القطاع الذي تحاصره إسرائيل منذ 18 عاما.
ويواصل الاحتلال منع وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، خاصة إلى مناطق الشمال، فيما لا تكفي المساعدات التي تصل إلى جنوب القطاع حاجة المواطنين، خاصة مع نزوح أكثر من 1.3 مليون مواطن من شمال غزة إلى جنوبها، وتحديدا إلى رفح.
حجم الدمار
تسبب العدوان المستمر على القطاع إلى تدمير مناطق كاملة ومسح أحياء بأكملها خلال غارات الاحتلال التي اعتمد فيها أسلوب القصف السجادي، فضلا عن تفجير وحرق مئات المباني والمنازل على يد جيش الاحتلال.
وبلغت نسبة المباني التي تضررت نحو 55.9 بالمئة، فيما وصلت نسبة المنازل التي تضررت إلى أكثر من 60 بالمئة وفق "أسوشييتد برس".
كما تضرر 227 غ و3 كنائس، في حين دمرت 90 بالمئة من المدارس، وخرج جميع الأطفال من النظام التعليمي الذي توقف بشكل تام أصلا.
كما لم يبق من المستشفيات العاملة في القطاع سوى 10 من أصل 36.
الكلفة الاقتصادية
ذكر تقرير جديد للبنك الدولي، أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تسبب بأضرار بالغة بالبنية التحتية في قطاع غزة تقدر بنحو 18.5 مليار دولار، وفق تقرير جديد للبنك الدولي.
وأشار البنك في تقييمه غير النهائي للأضرار إلى أن الرقم يمثل 97 بالمئة من الناتج الاقتصادي المشترك للضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة خلال عام 2022.
وفي شباط/فبراير الماضي، أكد البنك الدولي أن الحرب بين في غزة كان لها عواقب كارثية على البنية التحتية بالقطاع وسببت انكماش الاقتصاد بأكثر من 80 بالمئة في الربع الأخير من العام الماضي.