"لا أظن أن ورقة واحدة قد سقطت، بل
أعتقد أن كل أوراق أشجار التوت الباقية في عالمنا العربي قد سقطت منذ يوم السابع
من أكتوبر 2023 ".
بالأمس القريب ظهر رئيس هيئة الاستعلامات
المصرية ضياء رشوان مبشرا
العالم بأن مصر قررت زيادة عدد الشاحنات التي تدخل
غزة إلى 300 شاحنة يوميا،
وتباهى بأن مصر الدولة الجارة قد سمحت بعبور قرابة عشرين ألف شاحنة على مدار الستة
أشهر الماضية منذ بدء العدوان الصهيوني
على غزة، أي بمعدل 100 شحنة يوميا كلنا يعلم أن بعض هذه الشاحنات كانت تحمل مواد
لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكن ورغم ذلك فالشكر موصول للحكومة المصرية أنها قررت
زيادة العدد إلى 300 شاحنة وعندي مجموعة من الأسئلة حتى نفهم ما يدور حولنا وحقيقة
مشاركة العرب وعلى رأسهم مصر بالتواطؤ أو الفعل في حصار غزة:
1 ـ هل كان لدى دول الجوار الفلسطيني مصر والأردن تأكيدات إسرائيلية
وغربية تفيد بأن الحرب سوف لن يطول أمدها وبالتالي لا تنزعجوا فالكيان سيقضي على
حماس والمقاومة سريعا؟
سيبدو أن ذلك كان صحيحا فقد أعلن قائد الانقلاب في مصر وهو يستقبل
المستشار الألماني أولاف شولتس في القاهرة أنه ضد التهجير إلى مصر وأنه يتعين على إسرائيل
تهجير الفلسطينيين إلى النقب (حتى تنتهي إسرائيل من العملية المعلنة في تصفية
المقاومة أو الجماعات المسلحة مثل حماس والجهاد في القطاع، ويتم إعادة السكان بعد
ذلك مجددا) كما قال حرفيا، ومن هذا التصريح يتبين لنا أن مصر كانت تعتقد أو تتمنى
أو تتصور أو تتوهم أن المقاومة ستنتهي بسرعة وأن العملية بسيطة وسريعة و(كله في
السليم) وهذا يعني أن استخبارات هذه الدول لا تعمل بكفاءة وأن لديها قصورا في فهم
حركة المقاومة ولديها تضخيم لحجم وقدرة العدو الصهيوني، أو أن هذه الأجهزة غارقة
في التعاون والتآمر على أهل غزة وضد المقاومة.
2 ـ كم كان عدد الشاحنات التي تدخل غزة يوميا قبل الحرب عليها؟
الإجابة وعلى لسان قائد الانقلاب نفسه هي 500 شاحنة يوميا، هذا في
وقت السلم حيث هناك حركة تجارية (وليست مساعدات) ومخازن وسلع استراتيجية متوفرة
لوقت الحاجة فما بالك في وقت الحرب حيث تزداد الحاجة وتتضاعف أضعافا مضاعفة، ولكن
الملاحظ أنه مع بدء الحرب بدأ الحصار التام والكامل واختبأ الجميع خلف نداءات
فارغة ودعوات للعالم أن يتحرك ولما قيل لهم إن لديكم معبرا يمكنكم استخدامه قالوا
إن إسرائيل ترفض وتضرب وتقصف وبالتالي لا
نستطيع ولا نضمن لأي تحرك إغاثي السلامة.. يالرقة قلوبكم.
3 ـ هل تملك مصر السيطرة على معبر رفح؟
الإجابة نعم، فهي تشرف عليه وتحاصره وهي تسمح لبعض الأشخاص بالخروج
من غزة باعتبارهم (سائحين) عليهم أن يدفعوا كما قالت الصحف العالمية نظير عبورهم
لإحدى الشركات السياحية السيادية وكانت فضيحة بجلاجل لا يزال يعاني منها النظام.
4 ـ إذا كانت تملك السيطرة فعليا فلماذا لا تسمح بعبور الشاحنات؟
الإجابة الأولى لأبواق النظام أن المعبر هو معبر عبور أفراد، وهذه
فرية كبيرة لأن قائد النظام نفسه قال في تصريح إن المعبر مفتوح وتعبر من خلاله
المساعدات فكيف تحول إلى معبر أفراد فقط، وحتى لو كان ذلك صحيحا فلماذا لا يتم
تشغيله في وقت الحرب إلى معبر للشاحنات والمواد الإغاثية، أو ليست قوات جيش مصر التي
عبرت خط برليف في حرب أكتوبر 1973 بقادرة على عبور معبر رفح؟
5 ـ ما حقيقة اتهام مصر بالمشاركة في الحصار ومنع الماعون عن إخواننا
الفلسطينيين؟
هناك شيء آخر حدث في المفاوضات الأخيرة وهو جزء من الترضية المصرية للمقاومة وهو استقبال وزير المخابرات المصري عباس كامل لوفد المقاومة الفلسطينية على عكس المرات السابقة وخصوصا الأخيرة والتي تم التعامل فيها مع الوفد الفلسطيني بـ (جليطة) أي بقلة ذوق تخلله بعض الكلمات التي توحي بالتهديد إن لم يوافق الوفد على المعروض عليه وهو ما قوبل برفض المقاومة
الإجابة على لسان ممثل الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية
والذي قال بالفم المليان إن مصر هي التي تحاصر الفلسطينيين وتمنع عنهم الماعون،
كما أكد هذا الكلام الرئيس الأمريكي مرتين حين قال إن الرئيس المكسيكي يقصد السيسي
كان يرفض مرور المساعدات وأنه ضغط عليه مرارا حتى وافق لكي يمر عدد هزيل من
الشاحنات لا يتجاوز المائة شاحنة يوميا (حسب الأونروا) ولم يعلق الرئيس المكسيكي (السيسي) وترك لغلمانه حق التعليق ولم يستطيعوا تكذيب رواية بايدن بل قالوا إن
هناك تنسيقا وتوافقا في الرؤى، إي والله..
6 ـ هل استردت مصر السيطرة على المعبر بعد مرور ستة أشهر؟
الإجابة واضحة فالمعبر يقع تحت السيطرة المصرية قانونيا ولكنه تم
وضعه تحت أمر الكيان فعليا وهو جزء من عملية الحصار التي تمارس من مصر والأردن
خدمة للحرب على غزة فلكل دولة دور في الخطة وعليهم الاستجابة وإلا تم فضحهم كما
هدد نتنياهو في بداية الحرب بالقول إن هذه الحرب تهم الجميع والجميع معني بهزيمة
حماس وموافق على ذلك ولإن إسرائيل لن تخسر وحدها، وقال في مواضع أخرى إن الدول
العربية تقول شيئا في العلن وتنفذ أشياء أخرى لصالحنا في الخفاء.
7 ـ لماذا قررت فجأة وحسب كلام المسؤول المصري زيادة عدد الشاحنات
إلى 500 يوميا؟
الإجابة، مصر لم تقرر وليس بيدها القرار، ولكن أمريكا قررت الضغط على
رئيس وزراء الكيان نتنياهو بعد أن تحدى إرادتها ورفض وقف إطلاق النار وقرر استمرار
عملية الإبادة الجماعية وحرب التجويع، ساعتها قررت الإدارة الأمريكية معاقبته عن
طريق الضغط على حلفائه في مصر والأردن والإمارات وأعطت الأوامر لمصر بفتح المعبر
وزيادة عدد الشاحنات يوميا، ولو كان القرار مصريا خالصا فلماذا لم تقرر من قبل
وماذا عن الأعذار الواهية التي قيلت من قبل، هل امتنعت إسرائيل عن ضرب الشاحنات أم
أن مصر كانت بين فكي الرحى بين الخضوع التام لنتنياهو وتنفيذ تعليماته وبين تلبية
رغبات بايدن وإدارته التي بدت أمام العالم وكأنها أرحم بأهل غزة من العرب.
8 ـ ما قصة محاولة إدخال قوات فلسطينية خاصة مع بعض سيارات المساعدات
التي تحمل علم الهلال الأحمر المصري؟
في ظل حيرة الإسرائيليين وترددهم في إدخال المساعدات لاعتقادهم بأن
هذه المساعدات ستذهب حتما إلى حماس والمقاومة بزعمهم، وفي ظل عدم قدرتهم على
الحسم العسكري والسياسي في غزة تفتق ذهن دول الحرب على غزة بقيادة الكيان
الصهيوني عن فكرة محاولة إدخال قوات فلسطينية خاصة مع المساعدات تقوم بمهمتين
أساسيتين، الأولى متابعة عملية توزيع المساعدات ومعرفة أين تذهب ورفع تقارير سرية
بذلك في محاولة لإدانة حماس دوليا، والمهمة الثانية هي عملية التواصل مع الخلايا
النائمة داخل غزة ومحاولة بناء شبكة علاقات
مضادة لحماس والمقاومة، وقد اكتشفت حماس القصة وحصلت على معلومات هامة وسرية
للغاية مما اضطر قائد الانقلاب المصري للسفر بسرعة إلى الأردن للتنسيق والنظر في
كيفية مواجهة المأزق الجديد، ويبدو أن المقاومة حصلت على معلومات مهمة عن دور هذه
الدول المفضوح وبالتالي أصبح لديها أوراق ضغط مهمة في مواجهة هذه الدول التي تخطط
ضدها.
9 ـ وماذا كانت نتيجة فضح عملية تسلل القوات الخاصة الفلسطينية، هل
استفادت المقاومة من ذلك؟
الإجابة نعم، فقد أصبح لديها صورة شبه كاملة عن حقيقة المخطط وبناء
على ذلك فقد اتخذت عدة خطوات واضحة للعيان لعل أهمها هو التشدد في موقفها من
الضغوط المصرية تحديدا من أجل الوصول إلى اتفاق تريده مصر وأمريكا وإسرائيل هدنة
مؤقتة وتريده المقاومة تنفيذ قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، إضافة إلى انسحاب
الجيش الصهيوني وإدخال المساعدات وعودة النازحين إلى الشمال ثم وبعد تنفيذ كل ذلك
يتم الحديث عن الأسرى والرهائن إن صح وصفهم بذلك لأنني أعتقد أن جميع من لدى
المقاومة هم أسرى حرب ولا وجود لمدنيين أو مختطفين.
10 ـ وهل كان قرار زيادة الشاحنات إلى غزة جزءا من ترضية المقاومة
وحماس بعد فضيحة التسلل إياها؟
يمكننا قول ذلك فالفضيحة كبيرة وجاء قرار زيادة المساعدات لتبدو
السلطة المصرية مرنة في الاستجابة لطلبات البيت الأبيض من جهة ومن جهة أخرى وكأنها
تساعد الفلسطينيين، وهناك شيء آخر حدث في المفاوضات الأخيرة وهو جزء من الترضية
المصرية للمقاومة وهو استقبال وزير المخابرات المصري عباس كامل لوفد المقاومة
الفلسطينية على عكس المرات السابقة وخصوصا الأخيرة والتي تم التعامل مع الوفد
الفلسطيني بـ (جليطة) أي بقلة ذوق تخلله بعض الكلمات التي توحي بالتهديد إن لم
يوافق الوفد على المعروض عليه وهو ما قوبل برفض المقاومة وإعرابها عن عدم
رغبتها في الاستمرار في التعامل مع بعض الشخصيات في الأجهزة المصرية.
هل تكفي كل أوراق شجر التوت
في عالمنا العربي لستر عورة هكذا أنظمة؟ لا أظن.