نشرت صحيفة "
وول ستريت جورنال"
تقريرا أعدته مارغريتا ستانكاتي وعبير أيوب قالتا فيه، إن القتال بين
الاحتلال
الإسرائيلي وحماس في شمال
غزة، لا يزال محتدما بعد
مرور 200 يوم على بدء الصراع، فيما يعترف الاحتلال الإسرائيلي أن آلاف المسلحين ما
زالوا موجودين هناك.
ويضيف التقرير أن تجدد القتال في المناطق
التي كانت "القوات الإسرائيلية" قد طهرتها إلى حد كبير من
حماس في السابق، هو بمثابة
مثال واضح على صعوبة تعزيز المكاسب في الوقت الذي تستعد فيه قوات الاحتلال لهجوم
في مدينة
رفح الجنوبية، آخر معقل رئيسي للمقاومة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي حذر فيه مبعوث كبير
لوزارة الخارجية الثلاثاء من أن تسليم المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة أمر بالغ
الأهمية بشكل خاص، على الرغم من التقدم الذي تم إحرازه في الأسابيع الأخيرة في
تقديم مثل هذه المساعدة في جميع أنحاء منطقة الصراع.
وقال أمير أفيفي، نائب قائد جيش الاحتلال السابق
الذي أشرف على العمليات في غزة، إن تحقيق الاستقرار في شمال غزة سيستغرق وقتا، مضيفا:
"إن التحدي الكبير ليس الجزء الأول، عندما تتوسع على نطاق كامل وتسيطر على
منطقة ما: إنه الحفاظ على تلك السيطرة وتعميقها. إنها حرب من نوع مختلف".
ووقعت اشتباكات عنيفة في الأيام الأخيرة في
بلدتي بيت حانون وبيت لاهيا، بالقرب من المحيط الشمالي مع قوات الاحتلال، وفي
مدينة غزة، التي كانت قبل الحرب المنطقة الأكثر اكتظاظا بالسكان في القطاع، وأفاد
سكان المدينة عن وقوع عدة غارات في حي الزيتون.
وقال جيش الاحتلال إنه شن عمليات في
بيت لاهيا ومدينة غزة ردا على إطلاق خمسة صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة صباح
الثلاثاء. واستهدفت أربعة من تلك الصواريخ مدينة سديروت.
الصواريخ التي تم
اعتراضها هي بمثابة تذكير بالقدرة الدائمة للمقاومة على استهداف الأراضي المحتلة.
وقبل العمليات، أصدر المتحدث باسم جيش الاحتلال
رسالة باللغة العربية، عبر منصة "X”، جاء فيها تعليمات لسكان منطقة
بيت لاهيا بالإخلاء الفوري حفاظا على سلامتهم، قائلا: "أنتم في منطقة قتال
خطيرة".
وقال الجيش إن سلاح الجو نفذ ضربات ضد مواقع
إطلاق الصواريخ وأهداف أخرى في شمال غزة، بما في ذلك ممرات الأنفاق.
وكان شمال غزة موقعا لأول العمليات الكبرى
التي شنها الاحتلال ضد حماس في أعقاب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، والتي أسفرت
عن مقتل 1200 شخص، وفقا لسلطات الاحتلال.
وشن جيش الاحتلال حملة قصف جوي واسعة النطاق
هناك في أعقاب الهجمات على جنوب الأراضي المحتلة مباشرة قبل أن يبدأ غزوه البري
للجيب في المنطقة بعد بضعة أسابيع. واستشهد أكثر من 34 ألف شخص في غزة، معظمهم من
النساء والأطفال، وفقا لمسؤولي الصحة الفلسطينيين. الأرقام لا تفرق بين المقاتلين
والمدنيين.
ويعتبر الاحتلال الإسرائيلي شمال غزة قلب
الأنشطة الاستخباراتية والعملياتية للمقاومة، وفر معظم الفلسطينيين في ذلك الوقت
جنوبا بحثا عن الأمان حسب توجيهات جيش الاحتلال.
ولكن حتى مع تحول تركيز القتال تدريجيا
جنوبا في مطاردة الاحتلال للمقاومة في حماس، ظل شمال غزة نقطة اشتعال عنيدة في
الحرب.
ورغم زعم قوات الاحتلال تفكيك كتائب حماس القتالية العاملة في شمال غزة، إلا
أن مقاتلي حماس أعادوا تنظيم صفوفهم في وحدات أصغر، وانتقلوا إلى تكتيكات حرب العصابات
في المناطق الحضرية، ولا يزال هناك عدة آلاف من المقاومين في شمال غزة، بحسب مسؤول
دفاعي إسرائيلي. ولا يزال يعيش هناك حوالي 300 ألف شخص.
وقال غسان هشام، 43 عاما، من سكان الزيتون،
إن القصف المدفعي على المنطقة بدأ مساء الاثنين واستمر حتى الثلاثاء. وفر العديد
من جيرانه. وتابع هشام: "اخترت عدم القيام بذلك لأن لدينا الكثير من الأطفال
والكبار، وليس لدينا مكان آخر نذهب إليه". وقال إن أعمال العنف كانت من أسوأ ما شهدها منذ الأشهر الأولى للحرب.
ومن ناحيته قال خليل كحلوت، أحد سكان حي
جباليا شمال مدينة غزة، إن هناك غارات جوية وقصفا متكررا في بيت لاهيا وبيت حانون
المجاورتين منذ صباح يوم الاثنين، وأن شدة العنف تصاعدت.
وأضاف أن "بعض سكان بيت لاهيا فروا إلى
الملاجئ في جباليا بسبب القصف. ويستمر القصف".
وتأتي الاشتباكات في الشمال في الوقت الذي
قلصت فيه قوات الاحتلال بشكل مؤقت عدد قواتها وكثافة عملياتها في قطاع غزة. وفي
وقت سابق من هذا الشهر، قال جيش الاحتلال إنه استدعى كتيبتين احتياطيتين إلى
القطاع في الوقت الذي يستعد فيه لتوغل بري في رفح، حيث يعتقد أن حماس لديها آخر
أربع كتائب. وهذا هو المكان الذي يعتقد المسؤولون بالكيان الإسرائيلي أن بعض الأسرى
الذين اختطفوا من المستوطنين، في السابع تشرين الأول/ أكتوبر محتجزون فيه.
ويلجأ حاليا أكثر من مليون فلسطيني فروا من
القتال في أماكن أخرى من القطاع إلى رفح، وتعد المدينة أيضا مركزا للاستجابة
الإنسانية لقطاع غزة بأكمله، حيث يعاني غالبية السكان البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة
من مستويات حادة من الجوع ولا يمكنهم الحصول على الرعاية الطبية الكافية.
وفي واشنطن، قال مبعوث كبير لوزارة الخارجية
إلى المنطقة إن جهود الإغاثة الإنسانية للمدنيين في غزة تحسنت على نطاق واسع في
الأسابيع والأشهر الأخيرة، وسط ارتفاع مطرد في عدد الشاحنات التي تصل إلى القطاع
وتوزيع المساعدات بنجاح داخل منطقة الصراع. لكنه قال إن التقدم كان متفاوتا.
وقال ديفيد ساترفيلد، الذي تم تعيينه مبعوثا
خاصا للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط بعد بدء الحرب العام الماضي، إن
"السكان في الشمال معرضون بشكل خاص لخطر سوء التغذية. لم تصل المساعدات إلا
القليل جدا حتى الأسابيع القليلة الماضية".
وقال ساترفيلد إنه مع تراجع خطر المجاعة في
بعض المناطق، يتطلع المسؤولون الأمريكيون الآن إلى قيام دولة الاحتلال بإجراء
المزيد من التحسينات في الظروف المعيشية من خلال استعادة الصرف الصحي والمياه
الصالحة للشرب، وإنشاء المزيد من آليات تجنب الاشتباك لضمان قدرة عمال الإغاثة على
العمل بأمان في غزة.
وتقول دولة الاحتلال الإسرائيلي إنها ستضمن
إمكانية إجلاء المدنيين من مناطق القتال قبل التوغل البري في رفح، وهو الأمر الذي
ضغطت عليه إدارة بايدن. وتريد قوات الاحتلال منع المدنيين والمقاومة من الوصول إلى
الشمال عندما يغادرون رفح وتعمل على تعزيز سيطرتها على قطاع الأرض الذي يقسم الجيب
إلى قسمين.
وقال أفيفي وهو مؤسس منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي إن "هذا مهم لأن هناك بنية تحتية واسعة لما أسماه "الإرهاب" في
غزة. إن التعامل مع ما تبقى من الأنفاق والأسلحة و[العبوات الناسفة] المنتشرة في
كل مكان سيستغرق وقتا طويلا. لا يمكن القيام بذلك إذا كان لديك مئات الآلاف
من المواطنين الذين يتنقلون".
وتعثرت المحادثات بشأن وقف إطلاق النار بسبب
ما إذا كان الاحتلال سيوافق على طلب حماس بالسماح بعودة غير مقيدة لسكان غزة إلى
الجزء الشمالي من القطاع، بالإضافة إلى انسحاب قوات الاحتلال من المناطق المأهولة
بالسكان – وهي التحركات التي إذا تم القيام بها بترادف قد تسمح لحماس باستعادة
السلطة في القطاع والنجاة من الحرب.