نشرت صحيفة "
لوموند" الفرنسية تقريرا، تحدثت فيه عن أعداد السكان الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، الذي يستمر في التزّايد لمدة خمس سنوات، وفقا لتقييم دولي، كما هو الحال في
غزة والسودان وهايتي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الآثار المدمّرة للجفاف في الجنوب الأفريقي، وعنف العصابات في هايتي، وخطر
المجاعة الوشيك في غزة، تلخص حجم هذه الكوارث العالمية. لم يكن عدد الأشخاص المهددين بالجوع في العالم مرتفعا إلى هذا الحد من قبل. في سنة 2023، واجه 281 مليون شخص في 59 دولة انعداما حادا في الأمن الغذائي، وذلك وفقا للتقرير العالمي حول الأزمات الغذائية، الذي نشرته يوم الأربعاء 24 نيسان/ أبريل العديد من المنظمات الدولية (وكالات
الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية...). وهذا الرقم مرتفع مقارنةً بسنة 2022 (257 مليون) وذلك للسنة الخامسة على التوالي.
من جهته، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في مقدمة هذا التحليل، عن قلقه بقوله: "يبدو هذا التقرير بمثابة فهرسٍ لإخفاقات الإنسانية". وأضاف مستنكرا: "في عالم الوفرة، هناك أطفال يموتون جوعا".
وذكرت الصحيفة أنه على عكس التقييمات الدولية الأخرى التي توثّق انعدام الأمن الغذائي المزمن في جميع أنحاء العالم، يركّز تقرير الأزمات الغذائية على المناطق التي تواجه
الجوع، وغالبا ما يكون ذلك نتيجة لصدمة (صراع مسلح أو أزمة اقتصادية أو حدث مناخي)، التي تتطلب استجابة طارئة.
يعتمد ذلك على مقياس تصنيف انعدام الأمن الغذائي الذي يميّز خمسة مستويات قبل المجاعة. ومع مرور السنين، ازداد عدد المناطق والبلدان التي تمت دراستها في هذا الإطار.
وإذا كان هذا النطاق المتغيّر يجعل المقارنات من سنة إلى أخرى أكثر صعوبة، فإنه يعكس أيضًا تضاعف مناطق الأزمات، وبالتالي في نهاية المطاف، عدد الأشخاص الذين يواجهون حالات الطوارئ.
في سنة 2022، كان 22.5 بالمئة من السكان مهدّدين بالجوع في 58 دولة تم تحليلها، مقارنة بنحو 21.5 بالمئة في السنة التالية، على نطاق أوسع. وفي هذا السياق، قال مايكل سيجل من منظمة "العمل ضد الجوع": "قد يكون من الصعب تفسير هذه الأرقام".
وبالنظر إلى معدل الانتشار وحده، قد يعتقد المرء أن هناك تحسنا طفيفا، ولكن نظرا لكون المساحة المغطاة أكبر، فهناك في الواقع زيادة في عدد الأشخاص المتأثرين بانعدام الأمن الغذائي الحاد".
"سلاح حرب"
تميّزت سنة 2023 بظهور أزمات إنسانية جديدة مفاجئة. في غزة، يواجه سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة اليوم الجوع، وذلك بسبب الهجوم الإسرائيلي الذي شنته في اليوم التالي لهجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. ويعيش نصف سكان غزة في وضع كارثي، وهو أمر لم يسبق له مثيل خلال العشرين سنة الماضية منذ أن بدأ استخدام تصنيف انعدام الأمن الغذائي.
وبعد مرور شهر على صدور تقرير مثير للقلق في منتصف شهر آذار/ مارس حول تفشي الجوع في غزة، أشارت فلور ووترس، مديرة مكتب الطوارئ والصمود لدى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، إلى أن "الظروف اللازمة لمنع المجاعة -خاصة الوقف الفوري للأعمال العدائية- لا تزال غير مستوفاة بعد".
في السودان، أدى الصراع بين قوات الجيش النظامي والجماعات شبه العسكرية منذ نيسان/ أبريل 2023 إلى ظهور أكبر مجموعة من النازحين داخليا في العالم، حيث اضطر أكثر من 9 ملايين شخص إلى الفرار من القتال. لقد تسببت "حرب الجنرالات" في أزمة واسعة النطاق: فقد وجد 18 مليون سوداني أنفسهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
تذكّر هاتان الأزمتان الرئيسيتان بأن الصراعات المسلحة هي السبب الرئيسي للمجاعة. من جانبه، استنكر مايكل سيجل قائلا: "يتم استخدام الجوع بشكل متزايد كسلاح حرب". كما يرى أن هناك حاجة ملحة للسماح "بالإعفاء الإنساني"، حتى تتمكن منظمات الإغاثة من الاستمرار في العمل على الأرض.
وأضافت الصحيفة أن الأزمات الاقتصادية والظواهر المناخية المتطرفة هما العاملان الرئيسيان الآخران اللذان يلعبان دورا في هذه المجاعات. شهدت سنة 2023، السنة الأكثر سخونة على الإطلاق، عودة ظاهرة النينيو، وهي ظاهرة مناخية دورية تؤدي إلى ارتفاع عام في درجات الحرارة. ويُلقى اللوم بشكل مباشر على ظاهرة النينيو في موجات الجفاف التي دمرت المحاصيل الزراعية في مالاوي وزامبيا وزيمبابوي، وقد تستمر عواقبها في الظهور في سنة 2024.
مراجعة الالتزامات
يسلط التقرير الضوء أيضًا على أن عددا كبيرا من الأزمات الحادة يتحول إلى أزمات طويلة الأمد. منذ التحليل الأول الذي أجري في سنة 2016، وجدت 36 منطقة نفسها في حالة أزمة طويلة الأمد. وحسب فلور ووترس "عندما تتفاعل الأسباب المختلفة، يكون من الصعب جدًا على السكان الوقوف على أقدامهم مرة أخرى، وتتآكل عقود من التقدم التنموي".
مع ذلك، سجّلت 17 دولة من أصل 59 دولة تمت دراستها تحسينات. في أفغانستان، حيث أدت عودة طالبان إلى السلطة في آب/ أغسطس 2021 إلى دفع السكان إلى مستويات مثيرة للقلق للغاية من الجوع، قدّمت منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" البذور والمستلزمات الزراعية إلى 10 ملايين مزارع في سنة 2023، ما ساعد على إعادة تنشيط الإنتاج الزراعي. وكانت النتيجة انخفاض نسبة السكان المعرضين لانعدام الأمن الغذائي الحاد بنسبة 13 بالمئة، لكن لا تزال عند مستويات مرتفعة للغاية، حيث يتأثر واحد من كل اثنين من الأفغان تقريبا بانعدام الأمن الغذائي أيضًا. وتقول فلور ووترس: "إلى جانب المساعدات الطارئة، نرى كل الفائدة المرجوة من الأنشطة الداعمة للزراعة المحلية".
ولكن سواء كان الأمر يتعلق بمساعدات طارئة أو إجراءات طويلة الأجل، فإن تضاعف الأزمات يجعل التدخلات أكثر تعقيدا. وأضافت ووترس: "لقد تضاعفت احتياجات المساعدات الإنسانية ثلاث مرات منذ سنة 2016. في الأثناء، زاد المجتمع الدولي مساهماته إلى مستويات قياسية في سنة 2022، لكن هذا لا يكفي لتغطية الاحتياجات المتزايدة. ولا تزال مساعدات التنمية غير مستغلة بالقدر الكافي في الجهود الرامية إلى منع الأزمات الغذائية".
في صفوف الدول المانحة، هناك موجة من التقشف المالي تؤدّي إلى إعادة النظر في خفض بعض الالتزامات، لا سيما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، حيث قررت الحكومة، في مرسوم نشر في شباط/ فبراير، سحب 740 مليون يورو من ميزانية مساعدات التنمية العامة.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن المعادلة تزداد تعقيدا؛ لأن انعدام الأمن الغذائي يتجاوز إطار الحالات الطارئة. حيال ذلك، قال مايكل سيجل: "إن ثلثي الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد يعيشون في مناطق تعاني من الفقر المدقع، ولا يحصل سوى واحد من كل أربعة على علاج نقص التغذية".