يواجه
الاحتلال الإسرائيلي على خلفية الضغوط الدولية المتزايدة تجاه سياسته العدوانية والدموية غير المسبوقة في الأراضي المحتلة الاختيار إما الانضمام إلى التحالف الدولي، أو التصرف كما يحلو له بمعزل عن العالم، وذلك بحسب خبراء إسرائيليين.
وأكدت المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية الإسرائيلية، والسفيرة في جنوب أفريقيا، توفا هرتزل، أنه "لمدة أربعة أيام في نهاية أبريل 1994، قبل ثلاثين عاما، شاهد العالم بذهول ديمقراطية الانتخابات في جنوب أفريقيا، في أعقاب التغيرات الاستراتيجية التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفييتي، وأضرّت بأهمية جنوب أفريقيا بالنسبة للغرب، وفي ضوء العقوبات المتزايدة ضد نظام
الفصل العنصري، ما يؤكد أن إسرائيل ذاتها على بعد خطوة من الاكتمال، انطلاقا من الدروس العديدة المستحقة عليها بسبب حربها الدموية في غزة".
وأضافت في مقال نشره موقع
واللا، وترجمته "عربي21" أن "الدروس التي يمكن للاحتلال اليوم أن يتعلمها من جنوب أفريقيا في ذلك الوقت تتعلق بأن ينظر إلى الشرق الأوسط ككلّ، وإلى الأراضي التي كانت تحت سيطرته منذ حرب 1967، لا سيما في ضوء توجه الحكومة اليمينية بشرعنة 68 مستوطنة غير منظمة، ظهرت على الأرض دون قرار حكومي، وقد أمر الوزير بوازرة الحرب بيتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل منصب وزير المالية، الوزارات الحكومية بتخصيص ميزانيات لها".
وأكدت أن "السياسة الإسرائيلية الحالية أحدثت فرحة في أوساط يمينية معينة، وصدمة في أوساط معارضة لهذه الخطوة، ومللا في أماكن أخرى، لأنه لم تتخذ أي حكومة في أي مجموعة من اليسار واليمين والوسط هذه الخطوة، بما في ذلك الحكومة الحالية، التي تبدأ مبادئها التوجيهية الأساسية بعبارة: للشعب اليهودي حق حصري وغير قابل للنقاش في جميع مناطق أرض إسرائيل، والحكومة ستعمل على تعزيز وتطوير الاستيطان في جميع أنحائها، بما فيها الجليل والنقب والجولان والضفة الغربية".
وأوضحت أنه "من الواضح أن ضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يمكن أن يؤدي إلا إلى نتيجتين، وكلاهما صعب، لأنه سيكون مطلوبا منح حقوق متساوية لكل من يعيش في الأراضي المضمومة، ومن ثم فإن الأغلبية الفلسطينية في حال شاركت في الانتخابات فستؤدي قريبا إلى نهاية إسرائيل كدولة يهودية، وإلا فإن دولة الاحتلال ذاتها ستكون مطالبة بمنح الحقوق على أساس عرقي، وبالتالي تطبيق نظام الفصل العنصري".
وأشارت إلى أنه "منذ ما يقرب من الـ57 عاما، تُعرّف إسرائيل قبضتها على الأراضي بأنها "استيلاء حربي"، وبحسب القانون الدولي، فهذه حكومة عسكرية مؤقتة، وعليها واجبات تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، بجانب الحفاظ على أمن الطرف المحتل الإسرائيلي، ولذلك فقد شهدت السنوات الماضية اتخاذ جميع القرارات المتعلقة بالأراضي الفلسطينية من قبل مسؤولي الأمن والجيش، مع أن اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أن الدولة المحتلة لن تنقل أجزاء من مستوطنيها إلى الأراضي المحتلة".
واستدركت بالقول إنه "يمكن للاحتلال أن يدّعي أن القرارات المتعلقة بالمستوطنات اتخذت لأسباب أمنية، وبالتالي فهي تلبي متطلبات القانون الدولي، ولكن مع تشكيل الائتلاف اليميني الحالي، فقد تغير الوضع، وأوكلت الحكومة إلى جهة مدنية ممثلة بـ"سموتريتش" مسؤولية واسعة في ما يتعلق بالأراضي المحتلة، وتسمح لها بالبتّ في أمرها وفق الاعتبارات الاستيطانية، ما يدفع لأن يطرح السؤال نفسه: إذا لم يكن وضع إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة مفهوماً عدوانياً، فما هو الضم إذن؟".
وختمت بالقول إنه "إذا كان الأمر كذلك فإن دولة الاحتلال باتت مطالبة قريبا بالمفاضلة بين خيارين: التمييز العنصري الرسمي ضد الفلسطينيين، أو فقدان الهوية اليهودية للدولة، مع العلم أننا نشهد عمليتين منفصلتين تذكراننا بجنوب أفريقيا في ذلك الوقت، أهمهما أن هناك تغييرا في ميزان القوى الاستراتيجي في العالم في غير صالح الاحتلال، بعد أن عمل سابقاً لصالحه، لكنه اليوم يتعرض لإمكانية زيادة العقوبات بسبب سلوك الحكومة تجاه الفلسطينيين الخاضعين لمسؤوليتها".
تتزامن هذه المخاوف الإسرائيلية مع ما تشهده الآونة الأخيرة من توسع الولايات المتحدة ودول في أوروبا بفرض العقوبات على المستوطنين ومؤسساتهم في الأراضي الفلسطينية، مع التوجه الأمريكي بدراسة فرض عقوبات على وحدة عسكرية إسرائيلية لأنها تنتهك القانون الأمريكي، ما سيجعل سلوك الاحتلال في الأراضي الفلسطينية صعبا في التعاون معه، وقد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات مؤلمة ضده، لأنه ببساطة يتجاهل بقية العالم، واليوم بعد مرور ثلاثين عاما على إدراك جنوب أفريقيا أنه حتى الدولة الضخمة التي تتمتع بالموارد لا تستطيع أن تتصرف كما يحلو لها، فإنه لم يبق للاحتلال كثير من الوقت للوصول إلى ذات النتيجة.