رغم الدعم اللامتناهي الذي قدمته
الولايات المتحدة لدولة الاحتلال منذ بدء العدوان على
غزة، فإن الأخيرة ما فتئت تطالب واشنطن بمزيد من الدعم والإسناد اللامحدود لاستمرار عدوانها الدموي على
الفلسطينيين، بل إنها لا تتردد في وصف السلوك الأمريكي بالمخزي والمتهاون مع حماس، بزعم أن واشنطن قدمت للوسطاء ضمانات بأن مسودة الصفقة الحالية ستؤدي في نهاية المطاف إلى وقف العدوان، الأمر الذي من شأنه أن يساعد الحركة في اتخاذ قرارات لا تؤدي إلى تصلّب مواقفها تجاه الاحتلال.
وذكر خبير الشؤون الأمريكية بجامعة بار إيلان، والباحث بمعهد القدس للاستراتيجية والأمن، البروفيسور إيتان غلبوع، أن "الرئيس الأمريكي جو بايدن يحاول الموازنة بين احتياجاته التي تبدو متناقضة، ولا يهمه حماس ولا
إسرائيل، لكنه يضغط على جميع الأطراف، بمن فيهم الوسطاء، مصر وقطر، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
معاريف، وترجمته "عربي21" أن "بايدن يرى في اتفاق سريع لوقف إطلاق النار في غزة مفتاحا استراتيجيا لتحقيق جميع الأهداف الفورية والطويلة المدى للولايات المتحدة في المنطقة، ويعتقد أن وقف إطلاق النار سيسمح بالإفراج عن المختطفين الأكثر ضعفا، ويعزز تشكيل حكومة بديلة لحماس في غزة، ويوقف التوتر على الحدود مع لبنان، ويسمح للوسيط الأمريكي عاموس هوشستين، بتجديد جهوده للتوصل إلى حلّ يبعد حزب الله عن الحدود، ويوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ويعزز التطبيع مع السعودية، ما سيكمل محورًا عسكريًا وسياسيًا قويًا ضد إيران وحلفائها، فضلا عن التقليل من التوترات الشديدة في الجامعات الأمريكية، التي تضر بحملته الانتخابية".
وأشار إلى أنه "في الآونة الأخيرة، اتخذ بايدن عدة خطوات متناقضة أضرت بفرص تحقيق هذا المفتاح الاستراتيجي، فقد ألغى تقريبا كل أدوات الضغط على حماس، وهاجم هو ورجاله مناورة عسكرية في رفح، وهددوا بتقييد إمدادات الأسلحة للاحتلال، والنظر في فرض عقوبات على وحدة من جيشه، والإضرار بالشرعية الدولية للحرب على حماس، والتعبير في كثير من الأحيان عن انتقادات غير مبررة بأن الاحتلال لا ينقل ما يكفي من المساعدات الإنسانية إلى غزة، وبناء رصيف عائم في شمال القطاع لتعزيزها بشكل كبير".
وزعم أن "الإدارة الأمريكية لم تفعل ما يكفي لإدانة أعمال المظاهرات المعادية للاحتلال التي قام بها أنصار حماس والفلسطينيون في الجامعات الأمريكية، والتصرف بحزم ضدها، ولم تحذر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بما فيه الكفاية من إصدار مذكرات اعتقال ضد شخصيات إسرائيلية، وقد شجعت هذه التحركات الأمريكية حركة حماس على الاعتقاد بأن الزمن يعمل لصالحها، وأن فرص بقائها على قيد الحياة جيدة، ويسمح لها بالسخرية من الولايات المتحدة والوسطاء".
وأكد أن "المتظاهرين في الجامعات الأمريكية من الشباب المسلمين والتقدميين الديمقراطيين، يهددون بايدن بأنه إذا لم يتوقف عن دعم الاحتلال فإنهم لن يصوتوا له في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد ستة أشهر، ولهذا السبب، امتنع حتى أيام قليلة عن إدانتهم، والعمل ضدهم، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تعزيز موقف منافسه دونالد ترامب، الذي يتهمه بالمسؤولية عن الفوضى في الجامعات، والاستسلام لليسار الراديكالي".
الخلاصة الإسرائيلية أن بايدن يحاول الموازنة بين الموقف من الاحتلال واحتياجاته السياسية الانتخابية، مع تقدير أمريكي بأن وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، والتطبيع مع السعودية سيساعد الاحتلال صحيح، لكنه سيخدم بايدن أيضا في عمليته الانتخابية، وهو يحتاج لكل هذا في أسرع وقت ممكن، حتى قبل أن تصل الانتخابات إلى الجولة الأخيرة، وليس من المؤكد أن هذا التوازن يبدو سهل المنال أمام بايدن في ظل مواقف الاحتلال المتعنّتة، ولا يرى أمامه سوى مصالحه الخاصة، بعيدا عن مصالح حليفه الأهم والأكبر حول العالم.