ما زالت الحلبة السياسية والحزبية والعسكرية
الإسرائيلية تشهد تبادل اتهامات قاسية حول
التعيينات التي أعلنها قائد
جيش الاحتلال
هرتسي هليفي ووزير الحرب يوآف غالانت، باعتبار أنها "ملوثة" بنفس الإخفاقات
القديمة المستمرة منذ سنوات، بزعم أنه يتم إرسال الضباط المناسبين إلى الأماكن الخاطئة،
ولعل ما توصف بـ"السحابة" السياسية التي أوجدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو
تدمّر الثقة المطلوبة في التعيينات المذكورة.
عوفر شيلح الرئيس السابق للجنة الخارجية
والأمن التابعة للكنيست، والباحث الكبير بمعهد دراسات الأمن القومي، أكد أن "خطورة
الإشكاليات التي صاحبت التعيينات الأخيرة أنها تتعلق بالطبقة القيادية العليا في الجيش،
ولها ثقل عسكري كبير، لكنها ترافقت مع كونها ليست منظمة، ولا تدعمها أي قواعد أو إجراءات
مثبتة متفق عليها بشكل واضح، وبالتالي لم تعد موثقة لأنها تعتمد بشكل أساسي على العلاقة
بين هليفي وغالانت فقط، وهو ما أكده تقرير مراقب الدولة حول التعيينات العليا في الجيش".
وأضاف في مقال نشرته "القناة 12"،
وترجمته "عربي21" أنه "مرّت سنوات طويلة شهدت تعيين العشرات من الضباط
من كبار المسؤولين في الجيش، وما زالت نفس الإشكاليات تظهر بشكل حاد للغاية من جولة
التعيينات الأخيرة في هيئة الأركان العامة التي أعلنها غالانت وهليفي قبل أيام، لا
سيما تعيين الجنرال شلومي بيندر لرئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، لأنه تولى
يوم السابع من أكتوبر منصب رئيس قسم العمليات في هيئة الأركان، وهو القسم الذي فشل
فيه النظام العملياتي للجيش بشكل مخجل أمام هجوم حماس من غزة، مما يعني أن الجيش لم
يستخلص بعد الاستنتاجات القيادية المطلوبة عن فشل عدد من القادة الكبار".
وأشار إلى أن "تأخر قادة الجيش في
إجراء التعيينات المطلوبة جاء بزعم أن "هناك حربا"، وأن استمرار القتال لا
يناسب الدخول في هذه التعيينات الإشكالية، رغم أن السؤال الأهم يبقى متعلقاً بمدى بقاء
هليفي ذاته في موقعه، بسبب مسؤوليته الشخصية عن ذلك الفشل الذي اعترف به علنًا، وهو
سؤال سياسي مشحون، لأنه مجبر على تعيين قادة جدد، وسحابة التحقيق الذي لم يتم بعد،
والمسؤولية التي لم يتم الوفاء بها بعد، تخيّم على هذه الإشكالية، مما يجعل كل تعيين
أعلن عنه ملوثا بنفس الإخفاقات التي أشار إليها مراقب الدولة".
وأكد أن "ما لا يقل إشكالية عن هذه
التعيينات أننا أمام تغييرات مطلوبة في مواقع رئيس الأركان ووزير الأمن ورئيس الوزراء،
لأن كلاً منهم يتحمل المسؤولية الشخصية عن التقصير، وبسببهم جميعاً ما زالت الدولة
تعيش حالة الفشل الحادّ، وبات مطلوباً منهم الخضوع للفحص الذاتي والتصحيح بعد الأزمات
الحادة التي أوقعوا الدولة بها، لكن هذا لا يحدث في الجيش، لأنه لا توجد قواعد ولا
معايير الشخص المناسب للوظيفة الصحيحة".
وأشار إلى أن "أهم التعيينات التي
رافقتها إشكاليات كبيرة تتمثل في تعيين العميد آفي بيلوت قائداً للقيادة الوسطى، وهو
تعيين بحدّ ذاته يحمل مشكلة من نوع مختلف تماماً، فهو يخلف الجنرال يهودا فوكس، الذي
ترك الجيش بسبب التحريض المستمر من قبل بعض المستوطنين ضده، بدعم واضح من مستوى سياسي
رفيع، وعدم وجود دعم له من النظام الذي يعمل فيه".
وأكد أن "تعيين بيلوت قائدا للمنطقة
الوسطى المسؤولة عن الضفة الغربية، سيجعل موقعه المنصب الأكثر تعقيدًا من الناحية السياسية
في جيش الاحتلال، لأن تعيينه في هذه الظروف يبعث برسالة واضحة للمستوطنين الذين اضطهدوا
فوكس ومن قبله من قادة المنطقة الوسطى، وهم: غادي شامني، نيتسان ألون، نوعام تيفون
وغيرهم، مما سيجعل تعيينه مكافأة للمستوطنين على أعمال الشغب التي يقومون بها، ومحاولة
لإرضائهم واسترضائهم".
يمكن الخروج باستنتاج واضح من هذه القراءة
التشاؤمية للتعيينات الأخيرة، أهمها أنه يستحيل تجاهل حقيقة أن هناك سحابة سياسية تخيم
على عملية التعيينات برمتها، وليس لصالحها، مما جعل مصلحة الدولة والجيش لا تقود تلك
القرارات، بل المصالح الشخصية والحزبية، الأمر الذي سيترك تبعاته السلبية على تعيين
رئيس الأركان القادم، وهيكلية هيئة الأركان العامة للسنوات القادمة، رغم أن ذلك يدفع
نتنياهو لأن "يفرك يديه فرحاً"، عند رؤية أي انتقاد للجيش، على أمل التكفير
عن خطاياه السياسية.